يكتبها – محمد مقلد
احتدم السباق ، المنافسة قوية ، كلاهما يأمل فى الوصول لخط النهاية للفوز
بمرافقة الروح لإعادتها لصاحبها ، صوت أنفاسه يتصدر المشهد قبل أن تعود دقات القلب
لتكن الأقرب للانتصار ، يبدو أن رحلته أوشكت على النهاية ، حلم طال انتظاره ،
يترقب ذاك اللقاء الذى يجمعه بها من جديد ، فارقته فى منتصف الرحلة يعانى آلام
الوحدة والعزلة الموحشة ، كانت قلب يعيش بنبضاته ، عقل يفكر به ، هواء يتنفسه ، عكاز
يستند عليه ، أنها الحياة نفسها وسبب وجوده بفضل رب يوسف.
أدمعت عيناه يخشى أن يكذب عليها ، فكيف يبرر تلك الفترة التى سلم فيها نفسه
للشيطان ؟ فضّل الطريق وفقد الكثير مما تعلمه على يديها ؟ الأخلاق تلوثت ، المبادئ
والقيم انهارت ، الطيبة ضاعت وسط بشر حولوها لغابة لا ترحم أحد ، هل يشكو لها معاناته
والأيام الصعبة التى أرهقته ؟ هل يلومها لتركه يعانى وحيداً مع بنى البشر؟ أم يرسم
السعادة على وجهها بأنه وأشقاءه انتصروا على الدنيا وحققوا ما عاشت تحلم به ؟
الحنين والشوق دفعاه ليلقى بجسده بين أحضانها بدموع التقت بنار دموعها ،
يديها تداعب ثنايا شعر احتله الشيب ، صوتها الذى ظل يبحث عن شبيه له شق طريقه بين كلمات
خرجت لتُهدأ من سعادته الحزينة باللقاء بعد ألم الفراق ، لحظات أعادته لأيام انقضت
برفقتها وما قاساه من بعدها ، اطمأنى فجميع أشقائى نجحوا فى امتحان الحياة رغم الأسئلة
الصعبة فى ظل الظروف والمناخ الذى أدوا فيه الامتحان.
أسئلة تطوعت للإجابة عن معظمها فأرهقتنى ونالت من نفسى وروحى ودموعى ، أصعبها
فراقك ، تصورى يا قرة عينى لقد قضيت أيام تقلصت فيها الزيارات الثلاث للمعدة
لزيارة واحدة فى اليوم ، فكما تعلمين أن عدونا الأول ظل يحتل حياتنا ، وفشلت كل
محاولاتى للتخلص من الوحدة التى كانت تعيش فيها ملابسى ، ولن أنسى ذلك اليوم الذى
قمت فيه بغسلها على أمل ارتدائها صباحاً للتوجه لامتحان الكلية ، ولكن الأمطار
بددت الأمل ،فتحولت لحبل غسيل نتيجته أصابتنى بنزلة برد حادة كادت تنهى رحلتى مع
الحياة لولا عناية الله.
الأسئلة الصعبة متعددة وإجاباتها أصعب ، تصورى يا قطعة من قلبى ، لقد أنفض
الجميع من حولنا وتركوا خمسة أخوة داخل ساحة معركة الحياة بلا سلاح يحميهم ويعضد
وجودهم ، ومركب النجاة الوحيد الذى أنقذنا من الغرق فى مستنقع الدنيا دعواتك لرب
يوسف.
هل تعلمى يا نور عينى... ، دلوقتى
أقدر أقول لكم الحمد لله ، الأكسجين نسبته تحسنت كثيراً والخطر زال ، صوت الطبيب
أنهى السباق فأصابت الخيبة كلا المتسابقين ، تأجل السباق ليوم لاحق لا يعلم بموعده
إلا رب يوسف ، لقد ضاع أمله فى اللقاء الثانى ، وعاد من جديد لمعاناته مع الشوق والحنين.