بقلم – محمد مقلد
لا يعرف هل هو مطارد أم هارب فى تلك العلاقة الإلاهية التى لا تحدث إلا
نادراً لبعض البشر ممن يصطفيهم الله تعالى للدخول فى رحلة مرهقة لتنقية نفوسهم
وأرواحهم من آلام الماضى والتركيبات النفسية المعقدة ، ودرجة الحب بين الطرفين فى
تلك العلاقة شاقة ومتعبة بصورة مخيفة تقوم على مشاعر روحية بعيدة كل البعد عن
الحياة الواقعية المادية ، والغريب أن من يدخل تلك العلاقة ويحاول أن يشكك فيها
ويهرب منها يفاجئ بأمور خارجة عن الإرادة وكأنها رسائل إلاهية تدفعه لاستكمال
المشوار مهما كانت عواقبه ، بل ويتعرض لعقاب من الله تعالى لمجرد أنه شكك فى تلك
العلاقة.
لقد حاول أكثر من مرة أن يهرب من " رحيل " والعودة من هذا الطريق الذى نال كثيراً من صحته
وطاقته وقلب حياته رأساً على عقب ، علماً بأنه كان يطاردها بكل قوة دون أن يعرف
السبب لذلك إلا ذاك الحب الروحى الذى كان يدفعه لمطاردها دون وعى ، كان يطاردها
ويأمل فى أن يقص عليها ما حدث معه من أحداث غريبة لا يستوعبها العقل ، ويكشف لها كل التفاصيل التى مرت بها والليالى
القاسية التى قضتها شغفاً فى حبه والاشتياق له مع أنها على أرض الواقع تهرب منه بل
وتحاول أن تهينه وتقلل منه بكل السبل وكأنها تحاول أن تعاقبه على الظهور فى حياتها
حتى تحبه كل هذا الحب الذى قلب الموازين فى حياتها بشكل كامل ، والغريب أنه كان
يحاول أن يهرب منها فى بعض الأحيان فى تصرف ربما يكون غريب بعض الشئ لا يجد له
تفسير إلا كبريائه الذى كان يذكره بين الحين والآخر بالإهانات التى تعرض لها على
يديها.
ووسط تلك الأحداث الساخنة ولعبة القط والفأر والمعركة التى لم تنته بينه
وبين رحيل ، كان يبحث عن أى مخرج لينجو بنفسه من تلك العلاقة التى أرهقته كثيراً
وأخذت من وقته وجهده ، حتى فوجئ فى أحد الأيام برسالة خاصة من صديقه له بإحدى
المنصات على شبكة الانترنت كان يتابعها ويتابع كل ما تنشره وشعر وقتها أن تلك
المرأة تمر مثله بنفس العلاقة التى يمر بها مع رحيل ، عموماً كانت رسالتها البداية
لأن يقص كل طرف منهما حكايته باختصار فتبين أنهما يمران بالفعل بنفس الأحداث ويعيشان
علاقة واحدة والفرق الوحيد أنها مطاردة لهارب لا يعيش معها بنفس المدينة التى تقيم
فيها.
اتفقا الطرفان على موعد يجمعهما وكأنهما يبحثان عن علاقة عاطفية تجمعهما
لعل كل طرف منهما يستغل الآخر لنسيان حبه لهاربه وهو أمر غريب وقليلاً ما يحدث على
أرض الواقع ، وكانت تلك المرأة تعيش بمحافظة أخرى غير التى يعيش فيها ، فاضطر
للسفر لها ، حتى تقابلا سوياً ، ففوجئ بأمرأة على قدر كبير من الأناقة والجمال
بعيون زرقاء تجذب من ينظر لها ، من طبقة ميسورة الحال جداً ، كانت متزوجة من مهندس
بإحدى الشركات الكبرى ، ولكنه أنفصل عنها وسافر لخارج البلاد.
أعتقد عند رؤيتها أنها ستكون طوق النجاة للهروب من رحلة رحيل الشاقة ، وفتح
كل طرف قلبه للآخر وبدأ يقص كل تفاصيل ما حدث ويحدث معه فى تلك العلاقة الروحية
الغريبة ، فوجد نفسه يكشف لها مدى ما تعرض له على يد رحيل من أذى نفسى ومعنوى ومع
ذلك ظل متمسك بها وكأنه منساق لها رغماً عنه ، وكلما حاول الهرب منها يقع له حادث غريب يجعله يعدل عن رأيه ، أحداث
غريبة أذهلت عقله وكأنها رسائل من السماء ، منها على سبيل المثال ، رؤيته لطيور بيضاء فى
السماء ليلاً تكتب الحرف الأول من اسم رحيل ، ومرة أخرى يجد ورقة تحت قدمه بمكان
غريب يفتحها ليجد اسم رحيل بالكامل مكتوب بها ، وأمور أخرى أكثر غرابة بعيدة كل
البعد عن المنطق حتى كاد يفقد عقله مما يحدث.
وما أدهشها من قصته ، ما أكده لها أنه كان يرى رحيل وهى بعيدة عنه يعرف
ماذا تفعل وكأنه معها ، يعرف إذا كانت مريضة أم بصحة جيدة لدرجة أنه كان يشعر بأى
ألم تشعر به ، وما من حلم رآها فيه فى منامه إلا تحقق بعد ساعات قليلة ، وأحداث
أخرى أكثر غرابة جعلته يوقن أنه بالفعل فى علاقة ليس لها وجود فى العالم المادى ، وبدأت
هى تقص عليه ما حدث معها ولكنه اكتشف من خلال أحاديثها عن هاربها حسام ، بأنها
ليست فى علاقة روحية بل سقطت فى براثن شخص نرجسى يتلذذ بعذابها ورؤيتها تتألم.
الغريب أن الطرفين كانا يتحدثان عن الهاربين أكثر من الحديث عن أى علاقة
بينهما ربما تساعدهما على النسيان ، فهو
كان لا يرى إلا وجه رحيل فيها وصوت رحيل عندما تتحدث ، لدرجة أنه أخطأ وهو يحدثها
وذكر اسم رحيل وليس اسمها ، لم يلتقيا إلا ثلاث مرات فقط منها مرة هى التى قدمت
إليه للمدينة التى يعيش فيها ، وفى
النهاية بدأت بالفعل تشعر أنها فى علاقة سامة مع شخص نرجسى ، ولكنها للأسف كانت
مصرة على استكمال رحلتها فى مطاردته ، وانتهى آخر لقاء بينهما وقرر ألا يتحدث
إليها أو يقابلها مرة أخرى ، وعاد لاستئناف معاركه الضارية التى لا تنته مع رحيل حتى تحول لمدمن لا يقدر على الاستغناء عن الشجار معها بشكل مستمر.
كان ما تقدم جزء من رواية " رجل فوق السحاب "