بقلم – محمد مقلد
المناصب بشكل عام تنحصر بين أن تكون نعمة لصاحبها أو نقمة ولعنة عليه ،
بريق المنصب والامتيازات التى يتمتع بها فخ ينصبه الشيطان لأصحاب الضمائر الميتة
والنفوس الضعيفة ، وبمجرد أن يصل مثل هؤلاء للمناصب الأعلى ، يجلس كل فرد منهم على
الكرسى الملعون وهو يقول لمن حمله " أنا ربكم الأعلى " بعدما يسول له
أبليس الذى سكن قلبه ، أنه امتلك المكان الذى يترأسه بجدرانه وكراسيه ومكاتبه وبما
فيه من موظفين بل أمتلك الهواء نفسه.
ويبدأ صاحب المنصب الذى يتطلع للاستفادة منه قدر المستطاع دون النظر إلى
خالق يراقبه ويراقب أعماله ، فى دراسة كل المحيطين من حوله ، لينتقى منهم بطانته
التى سيعتمد عليها وستساعده فى اتخاذ القرارات الخاطئة ونهب كل ما تطوله يديه من
أموال الدولة التى تأن من أفعالهم ، ولابد أن تكون هناك صفات محددة لتلك البطانة
حتى ينعم كل فرد فيها بشرف أن يكون ضمن
حاشية صاحب المنصب ، على رأس تلك الصفات ، أن يكون النفاق متأصل بداخله ، وألا
يكون مصاب بأى عجز فى أذنيه حتى يستطيع أن يتجسس بالشكل الأمثل على زملائه لعله
يخرج بأى معلومة تفيد صاحب المنصب.
وبجانب تلك الصفات ، لابد له أن يكون كذاب بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف ،
ولا يعارض أبداً رافعاً شعار " سمعاً وطاعة " أنا لا أرى لا أسمع لا
أتكلم فيما يفعله صاحب المنصب طبعاً ، من الآخر كده يتحول لدمية يحركها كيفما شاء
ووقتما شاء ، ومن الطبيعى أن يتمتع أفراد تلك البطانة بكافة الامتيازات من ترقيات
أو مكأفآت وخلافه ، وأنا هنا لدى سؤالين لهؤلاء ، كيف تقولون لأولادكم عن أصول
التربية والصفات التى تحاولوا زرعها بداخلهم وهم يكبرون أمام أعينكم ؟ ، والسؤال
الثانى ، هل لديكم علم بأن هناك رب خالقكم ومطلع على كل أفعالكم ، وإذا كان لديكم علم
، فكيف ستبررون له سبحانه وتعالى أفعالكم هذه يوم الحشر العظيم ؟.
وحتى يمهد صاحب المنصب الطريق لنفسه على أكمل وجه ، لابد له أن يتخلص من
المعارضين له ولأفعاله بأى طريقة ، حتى لو وصلت الأمور إلى القضاء عليهم وحبك المؤامرات
ضدهم لإيجاد مبرر إبعادهم ، بذلك يكتمل بناء العزبة الخاصة ووضع الأسس والأركان
الخاصة بها ، ثم تبدأ المرحلة الثانية والتى تعتمد على مص دم تلك العزية ، وكأنك
تستفرد بعود من القصب وتستخدم كل قوتك لتمتصه ولا تتركه حتى لا يعصر نقطة واحدة
بعد ذلك ، والغريب أن مثل هؤلاء من أصحاب المناصب لديهم من البراعة التى تفوق جميع
البشر فى إقناع رؤسائهم بأن ما يهمهم هو صالح العمل ولا شئ غير ذلك ، وإن كان
بعضهم ينجح فى جذب بعض رؤسائهم للسير فى نفس النهج تحت بند أفيد وأستفيد وكله من
دم الدولة التى وضعتهم فى تلك المناصب لخدمتها والحفاظ عليها وعلى أموالها.
وعلى النقيض من ذلك تماماً هناك من يعلم جيداً أن المنصب وصل أليه كابتلاء
من الله تعالى ، فيعامل ضميره ويعطى كل ذى حقاً حقه ، ويحافظ على أموال الدولة ، ويكره البطانة التى ما تكون دائماً نقمة على
الشرفاء ، لاسيما وأن تلك البطانة ولائها ليس لصاحب المنصب بل للكرسى الذى يجلس
عليه ، وكأنهم عبيد لهذا الكرسى ، أما الشخص الذى يجلس عليه لا يهمهم من قريب أو
بعيد إذا كان زيد أو عبيد ، مش كده ولا أيه.
ولنا لقاء آخر إذا كان فى العمر بقية