google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

رحيل والرحلة المرهقة

رحيل والرحلة الشاقة

 



يكتبها – محمد مقلد



اللقاء كان هادئاً ، حوار يحمل كلمات تخرج منهما دون اهتمام بفحواها والغرض منها ، لقد قادت روحه روحها لتنقلها معه من العالم الدنيوى لعالم آخر ، لا وجود لأحد غيرهما ، يمسك يديها ينطلقا بين الأشجار والورود فى سعادة ، ضحكاتهما موسيقى هادئة جعلت الطيور من حولهما ترقص ابتهاجاً بهما ، جذبتهما خرير مياه النهر العذب ليلتقط قليل من المياه بين كفيه ليقترب منها لتشرب من بين يديه ، ليأتى الدور عليه ليشرب من يديها ، يواصلا الجرى بابتسامات تملأ الكون بهجة وسرور.

 

لم يلتفت لملابسها أو ملامح وجهها ، لم يرى إلا روحها ، لقد ضاعت سنوات وسنوات تبحث كل روح منهما عن نصفها الآخر ليكتملا معاً ، لتبدأ رحلتهما الشاقة المتعبة لتنقية وتطهير روحيهما من أى شوائب دنيوية.

 

انتهى اللقاء وقد انتابه إحساس غريب لم يشعر به من قبل ، الدنيا من حوله تبخرت لا وجود لها ، طائر بلا أجنحة يحلق عالياً ، يرى البشر ممن يتعامل معهم أقزام لا قيمة لهم ، يرى وجهها فى كل من يقابله ويتعامل معه ، رنين صوتها يسكن أذنيه ، وصورة ابتسامتها عالقة فى ذهنه ، بدا الخوف يسيطر عليه فقلبه لن يتحمل تلك المشاعر التى لم يعهدها طوال حياته ، والتى تعجز جميع الكلمات عن وصفها كما لمسها وأحس بها ، لاحظ المحيطين به هذا التغير المفاجئ على تصرفاته وتعامله معهم ، والحيرة التى بدت تسيطر عليه.

 

حلق يحتضن نفسه ليصل بين السحاب فى رحلته المعتادة ، لعله يجد تفسير منطقى لما يحدث ، الفرحة العارمة تكاد تعرقل نبضات قلبه ، وبدأ يسأل نفسه ، من هذه المرأة ؟ وما هذا الشعور الذى فرض نفسه عليه منذ أن وقعت عينيه عليها لأول مرة ؟ لقد صادف العديد من النساء فى مشوار حياته ولم يحدث معه ما يتعرض له مع رحيل هذه ، يبدو أن الأمر غريب ، وكأنه سحر غير مألوف ، اتخذ القرار بالهرب من هذا الوضع المخيف ، شئ بداخله يرفض قراره ويحاول اقناعه أنه لا مفر منها ، فصورتها عالقة فى ذهنه لا تختفى أبداً ، وكأنها عضو لا ينفصل عن عقله ، وروحه تركته لتأنس بوجودها ، حتى قلبه احتضنها بين ضلوعه وأحكم قبضته عليها ، قلبها يجاور قلبه ، وروحها امتزجت بروحه ، دمائه تسير فى شرايينها ، ودمائها اختارت شرايينه مجرى لها ، شعور غريب يحاول أن يقنعه أنهما شخص واحد وإن كانا يختلفان فى الطباع والأخلاق البشرية.

 

تولد بداخله إيمان قوى بأنه على أبواب علاقة غامضة مخيفة ، بدأ يشعر بصعوبتها بصراع احتدم بين قلبه وعقله ، عقله يحذره بأن تقاليد المجتمع تمنعه من المضى قدماً فى علاقة تتخطى كل الأحاسيس العاطفية المعتاد عليها ، تحتضنها مشاعر لا يعرفها إلا القليل من بنى البشر ، وزواج كليهما سلاح قوى يعتمد عليه عقله ، قلبه يحاول أن يواجه أسلحة العقل ، يرسم أمامه عالم فريد من الأحاسيس والمشاعر لم يألفه من قبل ، عالم من يدخله لا يسمع إلا أصوات الموسيقى الهادئة ، وتغريد الطيور بصوتها الجميل تطرب الآذان بأعذب كلمات الغرام والعشق.

 

أنه عالم خيالى لا يقارن بالعالم الدنيوى ، انتصار العقل فى تلك المعركة فرض نفسه وأزاح القلب من أمامه ، صعد بين السحاب فى محاولة للهرب من مطاردات قلبه لاسيما وأن نفسه هى رفيقته الدائمة فى تلك الرحلة بسيطرتها الكاملة على عقله ، وبدا الاثنان يقنعانه بالمنطق والبراهين بعدم الاستسلام لتلك العلاقة التى تحمل بين طياتها أمور مرعبة ربما تهدم معبد حياته بالكامل على رأسه ، اقتنع بمبرراتهما فاختار طريق الاختفاء ليقى نفسه من هذا الغموض المخيف والمشاعر الثقيلة على قلبه.

 

أوراق النتيجة تتسابق لتلقى خلفها اليوم تلو الآخر وهو يسير على دربه ، يصله سؤالها الغير معتاد عنه ، فيزداد اصراره على الهرب ، فيبدو أن فى الأمر شئ غير مفهوم ، دفعه ليظن أن تلك المرأة ربما تكون ضلع فى مؤامرة تحاك ضده رغم المشاعر الوجدانية الغريبة التى تحيط به وتحاصره ، كان يبحث عن مبرر ليقنع قلبه أن الهرب هو الطريق الصحيح.


ما زالت صورتها تطارده فى أحلامه ويقظته ، يراها أمامه فى كل الوجوه ، عينيها مرسومة داخل لوحة فنية لا يرى غيرها ، ابتسامتها تفرض نفسها لتزاحم عقله ، شخصيته القوية وسيلته ليستمر فى مواصلة طريقه للتخلص من هذه العلاقة التى قلبت حياته رأساً على عقب ، وجعلته وكأنه يعيش وحيداً فى هذه الدنيا لا يشعر بمن حوله ، ولا يمر بأحداث وتطورات إلا بما يتعلق بتلك العلاقة وفقط ، حتى أنعزل عن العالم بأكمله ، هروبه لم يمنعه من متابعة حساباتها على مواقع السوشيال ميديا لعله يضع يديه على هوية تلك الشخصية الغريبة التى اقتحمت حياته بصورة لم يعهدها من قبل ، أنها تنشر مقاطع تدل على الاشتياق والحنين لحبيب مجهول ، تردد فى أن يكون هو المقصود أو أى شخص آخر ، فهو لم يبال بهذا الأمر ، فقراره محسوم بالابتعاد ومقاومة أى محاولات من داخله تحاول أن تلقى به بين أعماق بحر تلك العلاقة ، النسيان جعله يسترد نفسه بعد أيام من الصراع الداخلى الرهيب الذى أرهقه واستنزف طاقته ، وبدا يعود لحياته الطبيعية.

 

ما هذه الرؤية المباركة ، أنه رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام يزوره فى المنام ويبتسم له  ويأمهم فى الصلاة ، استيقظ لا يصدق تلك الرؤية ، بكاء متواصل وهو يصرخ " الله أكبر " لقد تحقق حلمى الذى طالما كنت أتمناه وأرجوه من الله تعالى ، بكاءه لم ينقطع ، يتذكر تفاصيل الرؤية مراراً وتكراراً ، تمالك نفسه بصعوبة بالغة ، وبدون إرادة منه وكأنه موجه أخذ يزور أحد صفحات رحيل على السوشيال ميديا ، يشاهد أمامه مقطع فيديو منشور حديثاً يتكلم عن رؤيا البشر للرسول الكريم فى المنام ، لتكون المفاجئة التى أذهلته ، وأذهبت عقله ، يا له من شئ غريب ، لا تفسير له ، فهل هى المصادفة لا أكثر ؟ أم هناك أمر آخر لا يعرفه ؟ لا يدرى لماذا يسمع نداء داخلى بضرورة التواصل والتقرب منها ، أنه لا يتحرك بإرادته ، هناك من يدفعه إليها دفعاً رغم أنفه دون سيطرة منه على الوضع بالكامل ، لم يبال بغضب عقله واتجه مجبراً إليها ليحصل على رقم هاتفها واعداً إياها بالتواصل معها لاحقاً.

 

توقع انتظارها لمحادثته ، فاجأته بتجاهل اتصاله ، وزاد من الأمر تعقيداً اختفائها الغير مبرر ، وكأنها تحاول أن تثأر منه ، تصرفاتها ساهمت فى وضع يديه على بعض سماتها الشخصية ، أنه الغرور والعند والكبرياء ، صفات تقتل أنوثة المرأة وتضعها فى قفص الاتهام النفسى ، تجاهل تصرفاتها ، اشتياقه لرؤيتها يشعل أعماقه ، وهو بين السحاب حاصرته الأسئلة ، ما هذا الذى أمر به ؟ شخصيتى قوية ولدى من الكبرياء ما يجعلنى دائماً لا أسمح لأى شخص على وجه الأرض أن ينال منه مهما كانت درجة قربه ومحبته داخل قلبى ، أنا الذى لم تجرؤ أى أمرأة مهما كانت درجة جمالها وأنوثتها ، أن تهزنى أو تنال من ثقتى بنفسى ، وكل العلاقات النسائية العابرة فى حياتى كنت أنا القائد ، أتحكم فيها كيفما أشاء ، أسيطر على قلبى ولا أسمح له أن يتحول لوسيلة تتسبب فى اهانتى أو التقليل من قدرى وكرامتى.

 

ما زال تائهاً ، يتحسس بقدميه الطريق ، لا يعرف ماذا يفعل ، أيكتب نهاية تلك العلاقة المرهقة قبل أن تبدأ ؟ أم يتنازل بعض الشئ عن كبريائه ليستكشف سر الشعور والأحاسيس الغريبة تجاه تلك المرأة الغامضة.


كل ما تقدم جزأ من الفصل الخامس من رواية " رجل فوق السحاب " والذى أعتبره الأصعب لما به من أحداث ووقائع غريبة ، بجانب ظهور الدور الحقيقى لبطلة الرواية " رحيل  ".

 

     


عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف