بقلم – محمد مقلد
فى أى مؤسسة عامة أو خاصة تتواجد مجموعة من الأشخاص ممن
يطلقون عليهم بطانة السوء ، تلك البطانة دائماً ما تكون السبب الرئيسى فى انتشار
الخراب والفساد داخل المؤسسة ، وعناصر تلك البطانة لها صفات وطباع معينة تجعلهم
مميزين فى مجالهم للالتفاف حول المسئول وإحكام سيطرتهم عليه من باب أفيد وأستفيد ،
وما من مسئول تقلد منصب جديد إلا وتجد تلك البطانة تلقى بشباكها حوله ليقع تحت
أنيابهم ويتحول للعبة فى أيديهم ينفذ كل ما يخططون له.
ما يميز أفراد بطانة السوء ، أنهم بلا مبادئ على الإطلاق
، ضمائرهم ميتة لا حياه فيها ، استمدوا أخلاقهم من أخلاق الشيطان ، لا يهمهم إلا
مصلحتهم الشخصية وفقط ، حتى لا يهمهم مصلحة المسئول الذى وقع فى براثنهم ، يلتفون
حوله يبثون سمومهم فى أذنه للنيل من زملائهم للتقرب منه أكثر وأكثر ، ينقلون له كل كبيرة وصغيرة حتى يوهموه أن
ولائهم الأول والأخير له ، حتى ينالوا من عطاياه سواء ترقيات أو مكافآت وخلافه.
أفراد بطانة السوء هؤلاء لديهم خبرة كبيرة فى التلون
بصورة كبيرة وتغيير جلدهم بين الحين والآخر فاليوم مع فلان لأنه صاحب الكرسى ،
وغداً يلقوه فى أقرب صندوق قمامة لأنه ببساطة ترك الكرسى وأصبح بلا منصب ، وهؤلاء
عندما يقع المسئول فى المحظور ويتورط فى أى أمر تجدهم ينفضون من حوله ، بل وتصل
الأمور فى كثيراً من الأحيان ليكونوا أول من يشهدوا بأنه فاسد وحرامى ويستحق
العقاب.
ولكن أغرب ما شاهدت من أفعال خاصة ببطانة السوء ، أن فرد من تلك البطانة فى أحد المؤسسات التى تناولتها من قبل وكشفت فساد المسئول عنها
، تواصل معى وطلب مقابلتى ، ففوجئت به يبيع هذا المسئول رغم أنه من أقرب المحيطين
به ، وبدأ يلعن ويسب هذا المسئول ويتهمه بالفساد ويكشف أمامى عن وقائع ومخالفات
كان بطلها هذا المسئول ، وحاول بشتى الطرق أن يبرئ نفسه من أى فساد ، وأن المسئول
كان يجبره على القيام ببعض المخالفات بحكم منصبه ، هنا أيقنت تماماً أن بطانة
السوء فى وقت الجد وعند اقتراب السفينة من الغرق يقفزون منها و يبيعون كل شئ حتى
المسئول نفسه الذى طالما تغنوا به وبنزاهته ، وسبحان مغير الأحوال.
والمفاجأة التى لم أكن أتوقعها على الإطلاق أنه فى سبيل
أن يؤمن نفسه ويصبح خارج قائمة الاتهام ويضمن ابتعادي عنه وعدم الزج باسمه وسط شلة
المنتفعين والفاسدين ، يقدم لك أدلة وبراهين تدين هذا المسئول ليؤكد لك أنه على
العهد معك ليتقى شر فضحه وفضح أعماله مع هذا المسئول ، وكأنه يريد أن يثبت لك بأى
وسيلة بأنه " شاهد ملك " لا أكثر من ذلك ، مع أنه فى الحقيقة كان ضلع
مهم فى الفساد الذى استشرى وشارك فيه بموافقته ودون إجبار من أحد.
أنها الخيانة يا سادة لا تأتى إلا من تلك البطانة التى
وثق فيها وفى أفرادها المسئول وتوقع أن إخلاصهم ووفائهم الكامل له ، فعلى ما يبدو
أنه لا يعرف أن مصالحهم الخاصة أقوى من علاقتهم به ، وحبهم لأنفسهم يفوق أى شئ آخر
، فهو فى النهاية صاحب مرحلة وسينتهى
بمجرد ترك المنصب ، ولكن ومع ذلك هناك بعض المسئولين لديهم الذكاء الذى يجعلهم
يحددون علاقتهم بالبطانة الملتفة حولهم ، وقبل أن يسقطوا على أيديهم يؤمنوا أنفسهم
بتوريط أفراد تلك البطانة فى المخالفات والفساد ليضمنوا عدم تعرضهم للخيانة على
أيديهم.
ولا يخف على أحد أن تأثير بطانة السوء على أى مسئول يكون
بالقوة التى تدفعه للسقوط فى الخطأ ، وهذا الأمر يذكرنى برئيس إحدى الشركات
، فهذا الرجل منذ تقلده لمنصبه وهو يعمل فى صمت يحقق الانجازات حتى أحبه عمال
الشركة ، ولكنه وقع مثل غيره فى براثن بطانة السوء فتحول بقدرة قادر لشخص آخر
حاصرته الاتهامات والتى وصلت إلى حد لا يصدقه العقل ، وتحول حب العمال له لكره لا
يتحمله بشر ، وربما تكون النهاية صعبة عليه وعلى اسمه ومكانته والسبب أنه سلم نفسه
ليتحكم فيها بطانة الشر هذه .
أعرف جيداً أن بعض القراء بعد قراءة ما تقدم فى هذا
المقال ، لديهم استفسارات وأمور غامضة يبحثون لها عن توضيح ، وكل مجموعة ستفسر ذلك
الأمر حسب تخيلهم ورؤيتهم ، ولكنى أطمأنهم بأنه سيأتى اليوم الذى يفسر هذا المقال
نفسه بنفسه فالمسألة لا تتعلق إلا بالوقت وفقط .
وكلمة أخيرة
لابد أن أوضحها ، من الممكن أن يكون الانسان تحت يديه ما يدين ويورط بعض المسئولين
ولكن ربما يأمل فى تصحيح الأخطاء فينتظر لعل عسى ، أو أنه يحاول الحفاظ على أشخاص ربما تورطوا معهم رغماً عنهم فيكون الانتظار للوقت المناسب ليسقط
الفاسد الحقيقى وإنقاذ الأهبل والعبيط واللى عامل نفسه مفتح.
وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية.