يوميات فاهم أفندى
محروس البقال ما صدق صلى الجمعة وجرى على بيت صديقه فاهم أفندى ، طبعاً
عايز يعرف بقيت حكاية رئيس المصلحة ، جلس على السلم أمام باب شقة صديقه حتى يعود
من المسجد ، فاهم أفندى تفاجئ به ، أيه يا محروس اللى مقعدك كده قدام الباب ، نهض
محروس من مكانه ليرد عليه ، أنت نسيت ولا أيه يا عمنا ، أنت مش قلت لى أجيلك بعد
الجمعة عشان تكملى حكاية رئيس المصلحة بتاعكم ، أندهش فاهم من كلام محروس وقال له
، أنت مالك مهتم قوى كده يا محروس بالموضوع ده ، أيه الحكاية ، ارتبك محروس وكأن
سؤال صديقه مفاجئة له ، لا أبداً يا فاهم ولا حكاية ولا حاجة ، بس أنت بصراحة
شوقتنى أعرف باقى الحكاية عن الراجل ده.
أخذ فاهم بفتح الباب وهو يقول لمحروس ، تعالى بس يا محروس أتدخل نشرب
كوبايتين شاى وبعد كده نقعد نتكلم ، أعد فاهم الشاى وجلس أمام محروس وقبل أن
يسترسل فى كلامة رشفة رشفة من الشاى ، بص يا محروس ، أنت عارف المشكلة كلها فين فى
رئيس المصلحة بتاعنا ده ، محروس انتبه ، فين يعنى ، المشكلة يا محروس فى غياب
الضمير ، الناس اللى زى دى يا محروس ضميرهم مات من زمان ، دول أعداء البلد بجد ،
نازلين مص فى دمها لحد ما نشفت خالص ، ومش عارفين أن ربنا مطلع على أفعالهم
وهيحاسبهم عليها ، والمصيبة السودا يا محروس أنه قدام الناس بيصلى ويصوم وزار بيت
الله أكتر من مرة ، عامل فيها التقى المتدين ، أنا مش عارف يا أخى هو فى كعبة
تانية غير اللى فى مكة الناس دى بتروح تزورها ولا أيه ، ولا يمكن يكونوا اكتشفوا
دين جديد ولا حاجة ، ربنا يرحمنا.
تخيل يا محروس ، الراجل ده لما عرف أن الوزير جاى يزور المصلحة ، جاب عليها
واطيها ، هد وابنى ، شيل وحط ، خد وهات ، فلوس بالهبل ضاعت على البلد ، رغم أن
المصلحة مكنتش محتاجة كل ده وكانت على سنجة عشرة زى ما بيقولوا ، وبعدين هو الوزير
جاى فى رحلة ترفيهية ولا جاى يتابع أعمال المصلحة ، بجد حاجة غريبة ، والله يا
محروس لو أى جهة رقابية فى البلد جابت اللى صرفه قبل زيارة الوزير هتبقه فضيحة
بجلاجل ، ملايين يا أبا راحت فى الهوى ، هو ده بقه التقشف بعينه ، بلد اقتصادها
بيعانى ، والأفندى ولا دارى بأى حاجة ، وده كله عشان الوزير جاى ، والمصيبة بقه يا
محروس أن الوزير مجاش أصلاً ، طب كان لية من الأول ، مش حرام عليه ، هى الفلوس دى
مش بتاعت الدولة ولازم نحافظ عليها ، بس هأقول أيه ، ناس معندهاش ضمير.
محروس بدا مهتم بكلام صديقه فاهم واعتدل فى جلسته وهو يقول ، ما يمكن يكون
بيجدد المصلحة يا راجل ، فاهم بص لمحروس وضحك ضحكة سخرية من كلامه ، يا ريت يا
محروس ، المصيبة أن مفيش أى حاجة كانت عايزه تجديد أصلاً ، أقولها لك بصراحة يا
محروس ، الراجل ده عنده لغز غريب ، الحاجة تكون تمام ، ويصدر قرار بهدمها وإعادة
بنائها ، ليه معرفش ، ويمكن أكون عارف بس بأستهبل.
يا راجل هو ينفع يخصص عربية " تويوتا " ملك للمصلحة ، عشان تبقه تحت أمر بنته وكأنها
عزبة بيعمل فيها اللى هو عايزه ، لحد ما الفاس وقعت فى الراس والعربية عملت حادثة
، ومش كده وبس العربية اتكهنت يا راجل ، لأ وكمان معجبوش العربية اللى كانت تحت
رجله أول ما جه المصلحة ، وراح مغيرها بعربية تانية سعرها أضعاف مضاعفة ، وطلعى يا
دولة محفظتك وادفعى ، خراب فى خراب يا محروس ولا حد حاسس بحاجة ، عمال يمص دم
المصلحة ، معندوش رحمة خالص ، وليه حق ما هو ملقاش حد يقولوا اللى بتعمله ده غلط ،
فلوس الدولة اللى عمال تبعترها يمين وشمال دى أمانة لازم تحافظ عليها.
ده من كتر فساده يا راجل ، راح جاب شركة عشان تقوم ببعض الأعمال بالمصلحة
بمبلغ 3 ملايين جنيه ، وانتهت الشركة من عملها ولكنها عجزت عن انهاء بعض الأعمال
لعدم قدرتها على انجازها ، تكلفتها تصل إلى 300 ألف جنيه ، فقام عمال المصلحة بإنجاز هذا العمل ، وجه
البيه بسلامته وراح دافع الـ 3 مليون جنيه كلهم من غير ما يخصم مبلغ الـ 300 ألف
جنيه ، مش عارف أزاى وإن كنت عارف بس برضو بأستهبل.
فاهم أفندى فوجئ بصديقه محروس منتبه له بصورة غريبة وكأنه يشاهد فيلم عربى
أحداثه مثيرة ، ويردد وهو متحفز ، وبعدين يا فاهم كمل ، فأبتسم فاهم ابتسامة خفيفة
، وقال له ، أنا عارف يا محروس أنت مستنى أيه ، أنت نفسك تعرف غرامياته النسائية ،
بص يا محروس عشان أريحك ، بعدين هحكيلك عن الموضوع ده بالتفصيل ، بس اللى أقدر
أقوله لك فى الموضوع ده دلوقتى أنه واقع
لشوشته مع ... طبعاً مش هأقول اسمها ،
وبيقولوا أنه اتجوزها عرفى ، وواخدلها شقة فى مصر بيتقابلوا فيها كل أسبوع أو عشرة
أيام حسب الظروف ، بس عايز الحقيقة يا محروس الست دى تمام واخدة حقها تالت ومتلت
منه ، تعالى بص كده على الورقة دى شوف بيديها مكافآت قد أيه ، وكله من محفظة
الدولة طبعاً ، محروس لم يهتم بالاطلاع على الورقة ، واكتفى بقوله ، ليه حق يا
عمنا يدلعها زى ما هى مدلعاه ، ده شئ طبيعى ، وأقولك حاجة تانية يا محروس ،
فى واحدة حط عينه عليها ، ونسج خيوطه الشيطانية حولها ، بس طلعت شريفة ، عارف
دمرها خالص وضيق عليها بالعمل حتى كرهت اليوم الذى دخلت فيه المصلحة.
أنت عارف يا محروس الراجل ده واكل بقد أيه جمبرى وسمك فى سنة واحدة والله
ما هتصدق ، أنا نفسى الوزير يبعت يجيب الفواتير دى ويشوفها ، حاجة بصراحة لا
يستوعبها عقل أى إنسان ، أنت عمرك فى حياتك سمعت أن فيه مصلحة حكومية بتدفع فلوس
كاش بدون فواتير لأى مورد أو شركة ، محروس رد سريعاً ، لأ طبعاً ، تصدق بقه حصل يا
محروس مع أحد الموردين ، والقصة دى بطلها كان أبو كف ، والباقى أنت عارفه بقه ،
فاستغبى محروس وقال لصديقه ، لا والله أن مش فاهم حاجة ، تقصد أيه ، فأحتسى فاهم رشفة شاى ، وهو يضحك فى
وجه محروس دون أن يواصل الكلام حول هذا الموضوع.
أنت عارف يا محروس بعد ما حكيت معاك المرة اللى فاتت عن الراجل ده ، معظم
رؤساء الأقسام بالمصلحة كانوا فى قمة السعادة ، وبيقولوا لبعض أحسن ، جه اللى
هياخد حقنا منه ، وواحد منهم قال لهم أحنا لازم يكون لينا موقف مع الراجل ده ،
فتركوه وانصرفوا مسرعين ، بجد حاجة تحزن
للدرجة دى كابس على نفسهم ، بس هم السبب سابوه يشخط وينطر ومحدش وقف فى وشه ، ده
فى مرة يا راجل سمعت صوته بيزعق لرئيس قسم بصوت عالى وألفاظ بيئة ، وبسلامته رئيس
القسم حاطط وشه فى الأرض ولا نطق ، دى بقه بيئة عمل صحية ، وده كله نتيجته كانت واضحة
أنه تسبب فى انهيار المصلحة ، مفيش انتاج كله هجص فى هجص.
والله يا محروس الراجل ده كان ممكن يغطى على كل البلاوى دى ، بإتقان عمله ،
ولكنه للأسف ، تحس أنه فى وادى والمصلحة فى وادى تانى خالص ، خد عندك مثلاً تقارير
المخالفات المالية والإدارية لبعض الأقسام يتم عرضها عليه لاتخاذ اللازم ولكن
بسلامته كل مرة يقولك ، هنراعى المرة الجاية ، ونفس المخالفات تجيله تانى وهو يرد
نفس الرد ، أظاهر كده أنه هيراعيها يوم القيامة ، دى حاجة تقرف بصراحة ، بس هو
تذاكى فى النقطة دى ، من الأخر كده بيمسك أخطاء ومخالفات على رؤساء الأقسام
لاستغلالها للضغط عليهم عشان يسمعوا كلامه ومينطقوش قدامه.
يا راجل دى وصلت لحد أنه مش عارف
الحد الأقصى المحدد له لصرف المبالغ بالأمر المباشر وفقاً للوائح وقانون الدولة ،
وعمال يصرف مبالغ بالأمر المباشر ، ما هى
عزبة بقه ، ومحفظة الدولة مفتوحة على الآخر يضيع منها زى ما هو عايز ، طبعاً يا
محروس هو نازل نهب ومورط رؤساء أقسام معاه عشان يلبسهم كل حاجة ، وعلى رأسهم رئيس
قسم المالية ، اللى عمال يصرف يمين وشمال وشكله كده قرب يكون ضيف على قفص الاتهام
بالمحكمة وربنا يسترها معاه بقه ، والمصيبة الأكبر أن الراجل ده يا محروس بيتصرف زى العيال الصغيرة بالظبط عايز كل حاجة لصالح
العمال يكون هو وبس صاحب القرار ، ولو حد من مجلس الإدارة أو حتى النقابة تجرأ
وأعلن القرار قبله يتم إلغاءه ومش مهم العمال يرحوا فى داهية ، الأهم عنده أنه
يطلع هو صاحب الفضل عليهم.
فاهم أفندى تعب من كتر الكلام ، وبص لمحروس وقال له ، تسمع كمان يا محروس
ولا نكمل بعدين ، محروس ظهر عليه التعب هو الآخر ، وقال له ، لا كفاية كده يا عم كملى الحكاية الأسبوع الجاى ، ده أيه ده اللى
أنا بأسمعه ده ، عندك حق تمشى تكلم نفسك ، أقولك أيه بس يا فاهم.
حسبى الله ونعم الوكيل.