بقلم – محمد مقلد
قرر
أن يتقمص دور البطل في فيلم يحمل عنوان " الهروب الكبير " فلابد له أن
ينهى أزمته مع الفتيات الثلاث ، فنجلاء صديقة لإيناس واعتراف نجلاء بحبها له كفيل
بأن يضع نهاية مأساوية لتلك الصداقة ، وهناك بين أركان جامعة الزقازيق تتواجد
لمياء التى تنتظره بين اليوم والآخر ، وهو لا يبال بهذا كله ، ولا يشعر بأى عاطفة
تجاه أى واحدة منهن ، كلام والدته له أثناء رحلته الأخيرة بين السحاب ، حركت
بداخله الشعور بالذنب.
ها
هى إيناس تجلس وحيدة بمحطة القطار وبعض أعضاء الشلة بالقرب منها منهمكون بالحديث
فيما بينهم ، رؤية قدومه إليها رسم البسمة على وجهها ، عينان تلمعان يعكسان مدى حبها له
، انتابه الخوف من مواجهتها وهى فى تلك الحالة ، الموقف صعب ، الكلمات تاهت بين
ثنايا عقله.
سلم
عليها ، وأخذ يسترسل فى الكلام ، أنت عارفة يا إيناس ، أنا فى سنة ثالثة
دلوقتى ، وأنت برضو فى سنة ثالثة ، وأنت أكتر واحدة عارفة ظروفى المادية عاملة
أزاى ، وبعد ما أتخرج لسه قدامى الجيش وبعد كده مش عارف ظروف الشغل هتبقه معاية
عاملة أزاى ، يا ريت تكونى فهمتى أن عايز أقولك أيه ، وفى تلك اللحظة لم تمنحه
إيناس أى فرصة للرد علي كلامه ، ودخلت فى حالة إغماء وسط ذهوله من ردة فعلها التى كشفت
أمامه أنها بالفعل تحبه حباً لا يستحقه ، وجعله يشعر بالذنب لأنه لم يصدها من
البداية ، أعضاء الشلة أسرعوا لنجدتها ، وهم يستفسرون عما حدث ، وهنا قرر أن ينصرف
مسرعاً دون حتى أن يطمأن عليها ، وكان هذا اليوم هو الأخير مع شلته ، وقرر أن
يبتعد عنهم نهائياً.
أسبوع
واحد فقط قضاه مع لمياء ، تعددت بينهما اللقاءات ، معظم شباب الجامعة عرفوا
بارتباطها به ، الجميع يحسده على اختيارها لهو ليسكن قلبها ، رغم أن هناك من هم
أفضل منه فى كل شئ ، ويتمنوا إقامة علاقة معها ، يعتقدون أنه فى نعمة كبيرة ، فهو
يرى أنها نقمة أصيب بها ، فحتى كلمة " أحبك " لم تخرج منه رغم تعدد
اللقاءات بينهما ، وهو الذى قرر مطارتها من البداية ، وكانت ومازالت الفتاة
الوحيدة التى طاردها طوال حياته.
مع
نهاية اليوم التاسع من أول لقاء جمعه بها ، توجه لمنزلها ، أنها بمفردها ، فجلسا سوياً
على السلم خوفاً من فرض هذا الثالث نفسه عليهما داخل المنزل ، ليجبرهما على السير في طريقه الذى
ينتهى بجهنم والعياذ بالله ، فرحتها به
تكاد تجعل أركان المنزل ترقص من فرط سعادتها ، وهى لا تعلم أن نيته إنهاء تلك
العلاقة بلا رجعة ، ولكنه للأسف وقع فى الخطأ وترك شيطانه يتحكم فيه ، عندما سمح
لشفتيه تلتقى بشفتيها ، ليكتب بحروف رخيصة
أول قبلة جنسية فى حياته ، غضب منها ومن نفسه ، ودفعها بعيداً عنه ، ونزل مهرولاً
الصمت يلجم لسانه ، لا يشعر بأحد ، أنه فى
صحراء ، عقله ووجدانه انشغلا بتخفيف صدمة تأنيب ضميره ، وكلمات اللوم والعتاب
تحاصره ، أيه اللى أنا عملته ده ، ليه كده ، أنت كنت جاى تنهى العلاقة دى يبقه ليه
تعمل كده ، أنت حيوان ومعندكش دم ولا أخلاق ، دموعه ساخنة ، تعبر عن كم الحزن
والأسى الذى يشعر به ، يوم صعب تسبب فى عقدة نفسية ترسخت بداخله ، عقدة جعلته يقرر
عدم الاقتراب من أى فتاة مهما كانت ، ولكن كيف له أن يواجه والدته ؟ كيف سيتحمل
كلماتها القاسية وعتابها ولومها بعد تلك الفعلة الرخيصة ؟ مواجهه تبدو صعبة فرضت عليه
تأجيل رحلته المعتادة فوق السحاب للهروب من لقاء والدته.
كان ما تقدم جزأ بسيط
من الفصل الثالث لرواية " رجل فوق السحاب "