يكتبها – محمد مقلد
قرار
الإفراج عنه لم ينه علاقته بجدران السجن ، مأمور القسم يخبره بأنه مطلوب على ذمة
قضية أخرى نظرتها محكمة الإسكندرية والتى عاقبته بالسجن لمدة عام و40 ألف جنيه
غرامة ، وليس أمامه ألا قضاء ليلة جديدة
بين جدران السجن ، لعرضه على النيابة فى صباح اليوم التالى لإنهاء إجراءات ترحيله
للإسكندرية لتنفيذ الحكم الصادر ضده ، أخذ يعيد شريط ذكرياته سريعاً ، قضية أيه بس
دى ، وحبس كمان وفى إسكندرية.
لقاءه
الأول بـ " رشا " يحمل شعور متبادل بالراحة وإحساس مختلف ، يبدو أنها
نزوة دفعته لتلك العلاقة ، وإن كانت هى عاشت فى أحلام وردية بأنه فتى الأحلام الذى
تبحث عنه ، والحب الأول الذى يطرق باب قلبها ، التقى بها مرات قليلة ، حتى أخبرته
بأنها ستتوجه للإسكندرية لتقيم فترة دراستها بمعهد الحاسب الآلى بمنزل عمتها ،
واتفقا أن يلحق بها ويكون لقاءهما أمام أبواب المعهد ، ليقضيا معاً يوماً كامل على
شاطئ عروس البحر المتوسط.
استقل
الأتوبيس متوجهاً لمدينة الإسكندرية وهو لا يعرف ما معنى هذا التصرف مع أنه لا
يشعر تجاهها بأى إحساس عاطفى ، استقبلته عروس البحر المتوسط لأول مرة بصدمة لم
يتوقعها ، فعلى أرضها ما يقرب من 10 معاهد للحاسب الآلى ، ففى أى معهد منهم تدرس
رشا ، أنها ورطة حقيقية حاول تجاوزها بزيارة تلك المعاهد الواحد تلو الآخر ، ولكن
هيهات أن ينجح فى مهمته ، أنه يبحث عن أبرة فى كوم قش ، كما يقولون ، ثلاث معاهد
فقط استهلكوا النهار بالكامل ، ولم يعثر على أثر لها ، حتى حاصره ظلام الليل ،
فأخذ يترجل بين شوارع الإسكندرية الجميلة.
ما
هذا الزحام ؟ أنها الليلة الأخيرة لمولد المرسى أبو العباس ، يا لها من فرصة ثمينة
طالما بحث عنها مع عشقه للذكر ورجاله ،
فخلع حذائه واصطف بجوارهم ، يلقى برأسه يميناً ويساراً يستمتع بذكر الله تعالى ،
حتى سيطر عليه الشعور بالطمأنينة والسلام الداخلى ، قضى ليلته داخل أحد الفنادق
الرديئة القريبة من محطة مصر ، ليعود من حيث أتى فى اليوم التالى ومن يومها انقطعت
علاقته بشكل كامل مع رشا ولم يتقابلا حتى بالمصادفة.
استيقظ
من تلك الرحلة الذهنية على صوت مأمور القسم وهو يطلب من العسكرى أن يعيده للسجن
مرة أخرى ، سيارة الترحيلات تستقبله من جديد مكبل اليدين فى طريقه لإزاحة الستار
عن سر الحكم الغريب الصادر ضده ، يبدو أنه اشترى سيارة بالتقسيط من معرض
بالإسكندرية دون علمه ، ووقع على شيكات لصاحب المعرض وهو مغيب ، وعجز عن سداد
الأقساط وهو فى عالم آخر ، غموض واضح حول هذا الأمر ، فهو لم يزر الإسكندرية إلا
مرة واحدة للبحث عن فتاة الحاسب الآلى.
تشابه الأسماء ربما يكون المتهم فى تلك الورطة ،
ملف القضية خالى من الأوراق التى تثبت هوية مرتكب الواقعة ، يا لها من صدفة ربما
تكون مدبرة ، رئيس النيابة يصدر قراراته بالمتاح أمامه من أوراق ، فأصدر قراره
بضرورة ترحيله للإسكندرية لتنفيذ الحكم ، يديه مقيدة بيد العسكرى للعودة للسجن
لحين ترحيله لمحكمة الإسكندرية ، وعلى أبواب المحكمة حدثت المعجزة ، لقد عثر أحد
وكلاء النيابة على أوراق القضية ومن بينها تحقيق شخصية المتهم الأصلى ، وتبين
بالفعل أن تشابه الأسماء بينهما وصل لدرجة الاختلاف فقط فى اسم الجد الخامس.
عاد
للقسم لإنهاء إجراءات الإفراج عنه ، ولكن على ما يبدو أن العشق الذى نما بينه وبين
جدران السجن أكبر وأعمق من أى شئ آخر ، أنه مطالب بدفع 4200 جنيه غرامة مرور
مستحقة عليه ، وعليه أن يقضى ليلة جديدة بين جدران معشوقه حتى يسدد تلك الغرامة ،
وأخذ يضحك بشكل هستيرى وهو يردد ، هو أنا لاقى آكل عشان يكون عندى عربية ، وبعدين
أن ما بعرفش أسوق عجلة أصلاً ، وحمل صباح
اليوم التالى مفاجئة غريبة ، فليس هناك أى مخالفات ضده بإدارة المرور ، أنها أيادى
خفية تعبث فى حريته لتشديد الخناق عليه وتأديبه ، بعدما تقمص دور الفارس المغوار
وتجرأ على كشف فساد عدد من كبار المسئولين ، أخيراً انتهت كافة إجراءات الإفراج
عنه وسط ترقب منه خشية ظهور مفاجئة جديدة تمنع فراقه عن جدران السجن.
رئيس
المحكمة حاول أن يعوضه بإصدار حيثيات حكم براءته قلما نجدها تصدر لأى متهم ، بعدما
أعلن صراحةً أن القضية كيدية وملفقة ، حيثيات تساعده فى أن يعود على المسئول الذى
لفقها ضده بالحبس والغرامة المالية الكبيرة ، ولكنه آثر السلامة بعد تدخل شخصيات
يكن لها كل التقدير ، فضلاً عن رفضه فكرة التعويض تحت أى ظرف.
كان ما تقدم جزأ من
الفصل الرابع لرواية " رجل فوق السحاب "