بقلم – محمد مقلد
ضاقت الدنيا من حولى ، وحيداً أبحث عن طوق نجاة لأنأى بنفسى من الغرق ببحر
الفساد والانحطاط الأخلاقي وضياع القيم والمبادئ ، أسير هائماً على وجهى ، تائه
بين طباع البشر ومتاع الدنيا ، أبحث لنفسى عن الخلاص لعلى أقف بين يدى الله بأفعال
تجعلنى صافى النية ، طاهر القلب.
ألقيت بجسدى الذى أنهكته الصراعات ، لأغط فى نوماً عميق ، فإذا بى أمام قبر
رسول الله ، شلال الدموع كاد يفجر أجفانى ندماً على ما فات من عمرى وأنا مستسلم
لمجتمع أضاع أفراده القيم والمبادئ وصفوة الأخلاق ، وجدتنى أقف أمامه لأشكو له حال
أمته وسيرته التى ضل معظمهم طريقها ، ليتركوا أنفسهم للغرق فى بحر الرذيلة ومباهج
الدنيا.
أمتك يا محمد ، خلعت ثوب العفة والحياء ، وارتدت أقنعة الضلال والتيه ، لقد
ضلوا الطريق الذى أرسلك الله تعالى لترسمه لهم ، اختاروا طريق الشيطان والعياذ
بالله ، أخرجوا أسوأ ما فيهم من صفات ، ودفنوا تعاليمك وسيرتك العطرة فى باطن
مقبرة المال ومتاع الدنيا وملذاتها ، وتناسوا أن تلك الدنيا رحلة قصيرة لا تضاهى
يوماً واحداً من أيام الجنة التى أعدها الله للصالحين منهم.
النفاق سيطر على السواد الأعظم ،
ينافقون حتى خالقهم قبل أن ينافقوا أنفسهم والبشر من حولهم ، بعضهم اختزل الدين فى
الصلاة والصيام وقضاء الفروض الخمسة ، وهم يعلمون أن صلاتهم نفاق ، وصيامهم نفاق ،
أحاطهم النفاق بأسواره الشيطانية ، فبأى منطق تجتمع تلك الفروض مع استحلال الحرام
والغيبة والنميمة والزنا والظلم والقهر ، وغيرها من الصفات التى نهى عنها ديننا
الحنيف.
أمتك فى الضياع يا خاتم المرسلين ، لقد أكل القوى منهم الضعيف ، وتركوا إخوانهم
من المسلمين يستغيثون يطلبون نجدتهم ،
وأحذية الأعداء تدهس وجوههم ، تزهق أرواحهم ، تبيد وجودهم ، ولم يتحركوا ساكناً
لنجدة إخوانهم ، صموا آذانهم لم يسمعوا صرخاتهم ، النساء يأسن من تحرك ضمائرهم ،
رفعن أصواتهن ليصرخن ، وا محمداه ... وا محمداه ، هل تسمعهن يا خير خلق الله ، ها
هى صرخاتهن تدوى حول قبرك الطاهر.
يا أشرف خلق الله ، تصرفات أمتك لا ترضى الله ، أنظر هاهى المساجد ، أبنية
منتشرة هنا وهناك بلا روح ، خاوية على عروشها ، هجرها أهلها وفضلوا بيوت الشيطان
الذى لعب بعقولهم واحتل ضمائرهم ، وسيطر على أفعالهم ، وأخذ يقودهم لطريق الضلال
وهم فى ثبات عميق ، قرروا ألا يفيقوا من غفلتهم إلا وهم بين يدى خالقهم وقت لا
ينفع الندم على رسوبهم فى امتحان الدنيا ، فمثل هؤلاء لم يبالوا بنتيجة الامتحان
الذى وضع أسئلته مدبر هذا الكون.
أين أمتك يا محمد ؟ بعدما ضاع الحق بين زحام الباطل ، الباطل الذى بدا
مرفوع الرأس يشعر بالعزة والكبرياء ، ولما لا وهناك من يمجده ، ويثنى عليه ، ويعزز
من وجوده ، أين هى ؟ بعدما انتشر بينهم من يستحل الحرام ويحرم الحلال ، نعم أين هى
؟ وسط الصراعات المميتة بينهم للهث وراء المناصب وجمع المال ، المناصب التى أعمت أعينهم
، وأصمت قلوبهم ، يستحلون كل السبل للوصول إليها والفوز بها ، حتى ولو كان على
أجساد إخوانهم ، الدنيا أغرتهم ، أصبحوا غلاظ القلوب لا يعرفون طريق الرحمة والعدل
، يؤمنون أن الدنيا لا نهاية لها وستظل تحتضنهم ولن تتخلى عنهم أبداً.
هل تعلم يا صاحب الرسالة ، أن أمتك اليوم الكذب عنوان حياتهم ، واغتياب
الغير عادة التصقت بهم ، والربا والزنا صفات غرق فيها بعضهم ، والظلم والقهر
أساليب أتقنوا السير فى دربها ، فكيف بالله عليك يا طاهر القلب أن تكون شفيعاً
لمثل هؤلاء أمام من أرسلك لهدايتهم ، أنها معادلة صعبة خفف من صعوبتها أنه تعالى
واسع الرحمة والمغفرة ، ولما لا يستجيب لك الغفور وأنت أعظم من أنجبت البشرية ،
صلى الله عليك وسلم.