يوميات فاهم أفندى
على غير العادة ، عاد فاهم أفندى من عمله مبكراً ، الغضب يتسرب من بين
ملامح وجهه ، بدا وكأنه فى حديث جانبى مع نفسه ، مر أمام دكان صديقه محروس البقال
دون حتى أن يلقى عليه السلام كعادته ، محروس منشغل بزبائنه ، فتمتم بصوت خافت ، يا
ترى هو فى أيه ؟ ، هو فاهم ماله كده راجع بدرى النهاردة يعنى ، وعدى عليه وكأنه مش
شايفنى أصلاً ، أكيد فى حاجة زعلته فى المصلحة اللى بيشتغل فيها ، وفجأة قطع
تمتمته وصرخ فى الزبائن ، خلاص يا جماعة شطبنا " وأغلق أبواب الدكان ليلحق
بصديقة فاهم.
فإذا بباب شقة فاهم أفندى مفتوحاً أمامه ، فعلى ما يبدو أن فاهم كان متأكد
أن محروس سوف يلحق به ، دخل محروس ففوجئ بصديقه فاهم جالس على الكرسى ورأسه ملقاة
للخلف ، مغمض العينين ، جسده فى حالة استرخاء تام ، اقترب منه محروس ، وبدأ يضع
يديه برفق على كتفه " مالك يا فاهم فيه أيه " ، كرر تصرفه أكثر من مرة
دون أى استجابة من صديقه ، يبدو أن الأمر الذى أغضبه أحكم سيطرته على عقله بصورة
كبيرة جعلته لا يشعر بأى شئ من حوله.
بدأ فاهم يفيق مما هو فيه ، وبدأ حديثه ، " أزيك يا محروس عامل أيه
" فرد محروس " عامل أيه بس يا راجل ، أنت خضتنى عليك ، أنت مالك زعلان
قوى ليه كده ، أيه اللى حصل؟
هأقولك أيه ولا أيه بس يا محروس ، كان يوم أسود يوم ما فكرت أدخل مجلس
الإدارة فى المصلحة الزفت دى ، ده حتى رئيس المصلحة اللى كنت فاكره موسى طلع فرعون
، لا وأيه كمان تفوق على فرعون نفسه ، أنت عارف زملائى انتخبونى عشان أدافع عن
حقوقهم وأحافظ على أموال الدولة ، وعملت كل اللى أقدر عليه ، بس هأقول أيه ، الرجل
رئيس المصلحة ده خربها خالص ولسه بس فاضل أنه يقعد على تلها وده شكله هيحصل قريب
جداً.
عارف يا محروس أنا اتصدمت صدمة كبيرة فى الراجل ده ، بعدما انكشفت كل
ألاعيبه ، ده حول المصلحة لعزية ورثها عن أجداده ، خالف كل اللوائح والقوانين من
أجل ملذاته ونزواته وسرقة أموال الدولة ، تخيل يا راجل ، اشترى مجموعة شقق وحاجات
تانية وسجلها بأسماء أقارب له حتى لا يفتضح أمره ، الراجل المحترم اللى عامل فيها
شيخ التقوى والإصلاح نزواته النسائية وصلت لحد لا يتحمله أحد ، والموضوع ده بالذات
هحكيلك عليه يا محروس فى وقت تاني ، عشان فيه تفاصيل مؤسفة بطلها قوادين من أصحاب
القرون الطويلة.
بس بأقولك أيه يا محروس العيب مش
عليه ، العيب على معظم البهوات من رؤساء الأقسام ، اللى سابوه يهينهم ويمسخر
بكرامتهم الأرض بألفاظ بذيئة من المستحيل أن تجدها بين رئيس ومرؤوسيه فى أى عمل
يضم عمال محترمين ، حتى تحولوا إلى مجموعة
من الخدامين الخانعين له ولأوامره التى تخالف معظمها كل لوائح وأعراف الدولة ، وتهدر
حقوق العاملين والمال العام ، الله ينتقم منهم أبو كرتونة وأبو كف واللى معاهم ،
هم السبب برضو فى الخراب اللى تسبب فيه الراجل ده للمصلحة.
قاطعه محروس ، اللى أنا أعرفه يا فاهم أنك على تواصل مع الوزير اللى تابعه
ليه المصلحة دى ، طب ما تبعتلوا المستندات اللى معاك وتخلص وهو يتصرف ، ضحك فاهم
أفندى ، لا يا محروس بعد كل اللى عرفته واللى عملوا شقيق الشيطان هذا ، لازم يتفضح
قدام الناس كلها الأول ، بسلامته مفكر أن مفيش أجهزة رقابية فى البلد ، لا والله
بدأت رائحته القذرة تزكم الأنوف لما يحيط بها من فساد لم تشاهده المصلحة على يد أى
رئيس آخر غيره.
أنت عارف يا محروس لو قلت لك الراجل ده ضيع فلوس قد أيه على البلد ، مش
هتصدق ، والبلد زى ما أنت عارف فى حالة تقشف ورئيس الجمهورية عمال يجبها شمال
ويمين عشان تمشى ، لكن تمشى أزاى وفيه أشكال زى دى مسئولة ، مصلحة كروشهم وجيوبهم أهم من مصلحة الدولة.
والله يا محروس أحنا كنا مرة كده فى اجتماع مجلس إدارة ، ففوجئنا به يقدم
للمجلس عطى شركة " نجيلكوا " ودى طبعاً مسئولة عن فرش الأرض ، تخيل يا
راجل المبلغ المصروف خرافى لا يصدقه انسان عاقل ، ولكن هأقول أيه البركة فى أبو
كرتونة وأبو كف واللى معاهم من المطبلاتية والألاضيش اللى بيدوروا على مصالحهم وبس
وكله على قفا الدولة ، اللى بيوافقوا على أى حاجة يقدمها ومش مهم لهف فيها كام ولا
ضيع أيه من فلوس البلد ، لكن الحمد لله أنا وبعض زملائى بالمجلس أعلنا رفضنا لهذا
الفساد العلنى وشكونا لوكيل الوزارة ، الذى بدأ يتحرى عن تلك الأمور فى سرية تامة.
هأقولك أيه ولا أيه يا محروس ، بص ، أنا هأقوم أريح شوية دلوقتى عشان مسافر
، تعالى يوم الجمعة يكون رجعت ، نقعد مع بعض بعد الصلاة وأنا أحكيلك على بلاوى
الرجل ده ، عن شركة المقاولات التابعة
للبلد ، واللى حصل فى الألمونتال ودور أبو كف ، واللى حصل فى المبنى أياه
والحمامات ، وحكاية سفره المشبوه كل أسبوع أو عشرة
أيام ، وحاجات كتير قوى والله الراجل ده لازم يتحاكم مية مرة ، ربنا ينتقم منه ،
يله أنا هأقوم أنام دلوقتى يا محروس ، ويوم الجمعة نتقابل ، سلام ، ماشى يا فاهم ،
لما أروح أفتح الداكن بقه.