google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

برنسيسة الجامعة وأزمة الصديقتين



بقلم – محمد مقلد



مواجهة صديقه بتلك الحقيقة أصبحت كابوساً مزعجاً يطارده حتى وهو يقظ ، لا يقل عن الشعور المنتظر من إيناس فى حال وصل لمسامعها ما قالته نجلاء ، فهل من العقل أن تعترف فتاة بتلك الجرأة بحبها لشاب وهى على علم بأن صديقتها المقربة تقع فى حبه ؟ أنها لوغاريتمات الحياة ، ومعادلات الدنيا المعقدة ، وأخلاق وصفات زرعها الشيطان داخل نفوس بعض البشر.

 

انتهت رحلته القصيرة بين السحاب ، الهروب قرر اختطافه من بين أصدقائه ، ليبتعد به عنهم حتى يلتقط أنفاسه ويراجع نفسه فى الأحداث الغريبة التى بدت تدور من حوله.

 

ارتدى ملابسه ، وحدد وجهته بقضاء بعض الوقت على المقهى المفضل لديه بعد قراره بالابتعاد لفترة عن شلته الجامعية ، فى ظل الأحداث الغريبة التى أفقدته الاتزان العقلى ، وشعوره بأزمات عاطفية تكاد أن تعصف بالترابط الذى جمع بين أعضاء تلك الشلة ، فالظروف وحدها جعلت منه عامل مشترك بين أطراف هذا الصراع العاطفى.

 

سمع صوتاً يناديه ، فألتفت ليجد عبدالله ومحمود جيرانه ، الطالبان بكلية الآداب بجامعة الزقازيق ، فانتظر ليعرف ماذا يريدان منه ؟ فبادره عبدالله ، أنت رايح فين ؟ فرد بصوتاً خافت ، أبداً هقعد شوية على القهوة ، وجاء الدور على محمود ليسأله ، أنت ما بترحش الكلية ولا أيه ؟ فقال ، مش رايح الأسبوع ده عايز أريح شويه ، فعرض عليه محمود أن يصطحباه معهما ليقضى بعض الوقت بجامعة الزقازيق ، فراق له العرض ووافق بدون تردد ، فهو يبحث عن أى شئ ينسيه الأحداث الأخيرة.

 

على أبواب كلية الآداب تسمرت قدماه ، انشغلت عيناه بمراقبة خطواتها الواثقة ، وشموخها المذهل ، وجمالها الفاتن ، وأناقة ملابسها التى تخطف الأبصار ، معظم العيون تتجسس عليها تراقب خطواتها ، تأثر بها ، فسأل عبدالله ، مين دى؟ فابتسم عبدالله ابتسامة خفيفة ، وكأنه توقع منه هذا السؤال ، دى بقه تقدر تقول كده برنسيسة كلية الآداب كلها ، ومن أجمل بنات الجامعة بصراحة ، وأحلى ما فيها أنها مؤدبة جداً ، من يوم ما شفناها فى الكلية وهى فى حالها مبتتكلمش مع حد ، وياما شباب كتير حاولوا يكلموها ولا هى هنا ، ملهاش إلا صاحبة واحدة معانا فى الكلية اللى واقفة معاها دى واسمها أسماء.

 

وفى هذه اللحظة صعد حيث مكانه المفضل بين السحاب ، ليتحدث مع نفسه عن ذاك الشعور الذى اقتحم وجدانه لمجرد رؤيتها ، فهل هو الحب الذى يتحدثون عنه ؟ أم نوع من الانجذاب العادى لشخصية نادرة ربما لم يرى مثلها من قبل ؟ عقله يلح عليه ليخوض تجربة مستحيل أن يحقق فيها أى نجاح ، ليس لشئ إلا أن يثبت لنفسه أنه مرغوب فيه وأن سجن الفقر والحاجة لم يمنعه من الإحساس بالكبرياء وعظمة الأنا ، وأنه موجود وله تأثير داخل مجتمع دائماً ما يقسو عليه.

 

أنه يسقط فى مستنقع الخطأ ، يقيس قيمته ومكانته بأن تقع فى حبه فتاة مرغوب فيها من الجميع ، فلم يتعود على مطاردة أى فتاة حتى ولو كانت تتصدر قائمة الجمال فى العالم ، فالتجربة بالفعل شاقة ، أقرب نتائجها أن تقوده لألم جديد يضاف إلى آلامه وأحزانه ، فمن هو حتى تميل له فتاة يلهث خلفها معظم شباب الجامعة ، وكل أملهم نيل ولو نظرة واحدة من عينيها حتى ولو بالمصادفة.

 

بدأ رحلته الميؤوس منها مع لمياء ، بتعمده التواجد فى جميع الأماكن التى تتردد عليها ، حتى داخل مدرجات الكلية نفسها ، يطاردها بعينيه ، يبحث عن لفت انتباهها بأى وسيلة ، مجهود شاق يبذله يومياً دون أى تقدم ملحوظ ، وهو يسأل نفسه باستمرار ، لهذه الدرجة أنا بالنسبة لها سراب ، ليعود ليعترف ، معها كل الحق ، فمن أكون أنا حتى تقع تلك البرنسيسة فى حبى أو حتى مجرد أن تعبر عن اعجابها ، شعر باليأس والإحباط بعد أن أضاع ثلاثة أشهر كاملة ، لم يترك مكان تتردد عليه إلا وتواجد فيه ، حتى منزلها نفسه كان يتردد عليه يومياً ويجلس بالساعات يتنظر خروجها من الشرفة لعلها تشعر بوجوده واهتمامه بها.

استسلم فى النهاية للأمر الواقع ، وتأكد أن عبدالله ومحمود كلامهما منطقى عندما أكدا له أن الوصول لها درب من الخيال ، فقرر أن يعود لحياته الطبيعية من جديد ، بعدما أضاع كل هذه الفترة لم يذهب خلالها حتى ولو ليوم واحد لكليته بالقاهرة.

 

استيقظ صباح أحد الأيام على صوت عبدالله ومحمود ، يطلبان منه أن يرتدى ملابسه سريعاً لأمر هام ، ففوجئ منهما بحديث غريب لم يلتفت له ولم يعيره أى اهتمام ، لأنه شعر بأنه كلام غير واقعى ، فكيف له أن يصدق أن لمياء برنسيسة جامعة الزقازيق ، تتردد على الأماكن التى كان يتواجد فيها لتبحث عنه ، ومعه كل الحق ، فلم يرى منها أى بوادر أو تصرف واحد أو حتى نظرة عابرة ، تمنحه مجرد الأمل فى أن يكن هو أول شاب يخترق تلك القلعة الحصينة المغلقة على نفسها فى وجه الجميع.

 

استغرق يومين يفكر فيما قاله عبدالله ومحمود ، وهو يحاول أن يقنع نفسه ، باحتمالية أن يكن كلامهما فيه شئ من الحقيقة ،  وبعد فترة التردد اتخذ القرار وتوجه لجامعة الزقازيق ، ليستكشف حقيقة كلامهما ، وإن كانت نفسه تحمل شعور اليأس الذى سيطر عليه من قبل.

 

أين هى ؟ ليست متواجدة ، بحث عنها فى كل مكان داخل الجامعة دون جدوى لقد اختفت تماماً ، يبدو أنها إجازة فى هذا اليوم ، خرج من باب الجامعة وقد سيطر عليه الحزن على وقته الذى ما زال يهدره للجرى وراء سراب لا وجود له على أرض الواقع ، الأمطار تتساقط بغزارة لتبتل ملابسه وتتغير معالم تسريحة شعره ، وجد نفسه يتجه للكافيه القريب من الجامعة والذى تعود التردد عليه خلال فترة مطاردته للمياء.

 

 إنها المفاجئة التى ألقت بقلبه فى سباق رهيب جعلت دقاته تتفوق على عقارب الساعة ، وأثقلت قدماه وكأنه وقع فى بحراً من الرمال ، انتفاضة وجدانية أصابته بارتباك وفقد الاتزان ، ها هى أمامه ، بدت وعينيها حائرة يميناً ويساراً تبحث عن شئ مفقود ، حتى كانت اللحظة الأصعب باقترابه رويداً رويداً ، بأول لقاء يجمع عينيه بعينيها ، كاد أن يغرق فى بحر من الخيال ، لولا أنها أنقذته بابتسامة رقيقة دفعته للتوجه إليها دون تردد وكأنها كانت فى انتظاره ، ليمد يديه بعفوية وبإرادة مسلوبة ، ليلامس يديها دون أن تتشابك الأصابع ، وبدأت الكلمات تسطر أول حديث بينهما ، وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن بعيد

هو : أزيك يا لمياء عامله أيه.

لمياء : الحمد لله .. أنت أيه أخبارك

هو : ماشى الحال.

لحظة سكون يفرضها الموقف عليهما ، يبحث كل طرف عن الكلام دون جدوى.

هو : بصراحة أنا مش عارف أقولك أيه ، صمت برهة ، وكسر صمته بقوله ، أيه رأيك نقعد شوية فى كازينو الربيع " وهو كازينو يبعد قليلاً عن الجامعة " ، فوافقت دون تردد.

 

لقد وقع فى مأزق حقيقى لا يعرف كيف يخرج منه ، فإذا بهما يترجلان فى اتجاه الكازينو ، وكل طرف منهما مشغول عن الآخر ، فهى تبحث فى معجم وجدانها عن كلمات مناسبة للتعبير عن شعورها نحوه ، أما هو فقد كانت يديه تتحسس فى سرية تامة ما فى جيبه من نقود ، فهل ما معه سيكفى ثمناً لما سيتناولونه من مشروبات ؟ لقد تناسى المشاعر والأحاسيس ، وبدا هذا الأمر يسيطر عليه ، وأخذ يحدث نفسه ، طب أنا فى جيبى دلوقتى 55 قرش ، والشاى بأربعين قرش ، ده غير اللى هى هتطلبه ، أعمل أيه دلوقتى ، مشكلة بجد ، أنا كان أيه خلانى انسحب من لسانى وأقول لها تعالى نروح الكازينو ده.

 

أثناء صراعه مع نفسه حول هذا المأزق ، التفت يساراً فإذا بها الحديقة التى تبعد خطوات عن الكازينو ، يالها من فرصة للخروج من الأزمة ، فطلب منها أن يجلسان بتلك الحديقة ولا داعى للكازينو بحجة أنه يجلس عليه بعض شباب الجامعة وهو لا يريد لها الإحراج بأن يراها أحد معه ، فوافقت والسعادة تكسو قلبها معتقدة أنه بيخاف عليها ، وهى لا تعلم أن أزمة النقود هى السبب.

 

هو : بصراحة أنا مش عارف أقول أيه ، مجرد أنك معاية دلوقتى ده حلم ، عمرى ما كنت أفكر ولو للحظة واحدة أنه يتحقق حتى لو فى خيالى.

 

ابتسمت ابتسامة رقصت معها كل أشجار الحديقة وقالت : ليه يعنى كل ده.

 

هو : مش عارف أنا كنت حاسس أنك نجمة منورة السما ، وكل اللى أقدر أعمله أنى أفضل أبصلك وخلاص وأحلم أنى ألمسك بأيدى ، أنا محستش مرة واحدة إنك واخدة بالك منى أصلاً ، لحد ما بصراحة تعبت وقلت لنفسى مفيش فايدة ، كفاية لحد كده.

 

لمياء : عارف أنا حسيت بيك من أول مرة شوفتك فيها ، وكل تصرفاتك كانت باينه قدامى ، ما أخبيش عليك شباب كتير حاولوا يقربوا منى ويكلمونى ، وأنا ما كنتش بأهتم ، بس لما شوفتك حسيت أن فى حاجة غريبة بتشدنى ليك ، ولما اختفيت فجأة حسيت بجد أن فى حاجة نقصانى رغم أنى معرفكش ولا اتكلمت معاك خالص ، بس كان فى شعور غريب خلانى أفكر فيك مش عارفة ليه.

 

كلماتها ألحان عذبة تستقبلها أذنيه بسعادة بالغة ، وهو فى الحقيقة لم يصدق أنها له هو وهو من هو ، بفقره الذى أحدث لديه عقدة جعلته يخشى التعامل مع بنى البشر.

 

واستفاض فى الحديث معها عن حياته الشخصية وكم يعانى فيها ، وكيف يقضى يومه ، والأماكن التى يفضل التردد عليها ، وهوياته المختلفة ، حتى عرف كل طرف منهما كل كبيرة وصغيرة عن الطرف الآخر.

 

وودعها بعد أول لقاء بينهما ، وصعد كعادته فوق السحاب ، حيث يجد الصدق والصراحة هناك فى حديثه مع نفسه ، فهو رغم جمالها وأناقتها ومشاعرها الصادقة ، لم يشعر تجاهها بأى عاطفة من الأساس ، مشاعره مصطنعة يغلفها بكلمات لا تمر على قلبه حتى تكون صادقة ، ولكن لماذا طاردها ما دام لا يشعر تجاهها بأى عاطفة ؟ يبدو أنها عقدة إثبات الذات ، عقدة فرضها عليه الفقر دفعته ليثبت لنفسه دوماً بأن لا يختلف عن الآخرين بل يفوقهم أيضاً.

 

وجه من بعيد يقترب منه ، انتظر ليكتشف من القادم لهذا المكان الذى تعود أن يكون فيه وحيداً ، أنها أمه جاءته بوجه غاضب ، صرخت فى وجهه ، لأ أنت مش ابنى اللى أنا ربيته ، أزاى تضحك على بنات الناس ، البنت دى ذنبها أيه فى عقدتك ، حرام عليك يا ابنى هتروح من ربنا فين لما تكسر قلب واحدة سابت الدنيا كلها واختارتك أنت ، مكنش فى داعى من الأول تجرى وراها ، استفدت أيه دلوقتى ، عقدتك اتحلت يعنى ، فوق لنفسك وأخرج بقه من عقدتك دى ، وبعدين لو أنت بتحبها بجد ، أنت شايف أن ممكن الموضوع ده ينتهى نهاية طبيعية يعنى ، وأنت فى وضعك الحالى فى بداية مشوارك الصعب ده ،  وهى زى ما أنت شايف كده جميلة قوى ومن عيلة غنية .

 

هو : بصى يا أمى.


ولكنها للأسف اختفت من أمامه وتركته يواجه وحده حيرته وحزنه من كلماتها القاسية مع أنها عين الحقيقة التى حاول أن يهرب منها ، شرد بذهنه والسحاب من حوله ، ليسترجع تلك الأحداث الأخيرة ، فهناك بين شلته بالقاهرة صديقتان سيخسران بعضهما بعدما اعترفت كل واحدة منهما دون علم الأخرى بحبها له ، فهرب من هذا المأزق دون حل نهائى  ليطارد فتاة جامعة الزقازيق وتقع هى الأخرى فى حبه ، ليزيد الأمر تعقيداً لاسيما وأنه لا يشعر بأى عاطفة تجاه أى واحدة منهن ، وكل ذلك رغم أنه شاب عادى فى كل شئ من حيث الوسامة أو المظهر الخارجى ، ولكنه اكتشف أن لديه جاذبية غريبة تجاه الجنس الآخر لا يعرف سببها ، مما أصابه برهبة كبيرة وأخذ يتجنب لسنوات طويلة الحديث مع هذا الجنس.

 

أما كيف سيتصرف فى تلك الأزمة ؟ وماذا سيحدث مع الفتيات الثلاث وصديقه الذى وقع فى غرام واحدة منهن ؟ كلها أحداث سوف تتعرف عليها سيدى القارئ مع صدور رواية " رجل فوق السحاب " فما تقدم جزء بسيط من " الفصل الثالث "

 

 

 

  

 

 

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف