google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

أوجاع عم فرج


 


بقلم – محمد مقلد



تعودت أن ألقى كل شئ خلف ظهرى ، لأقوم بجولة بين الزراعات ، حيث الخضرة التى تسر العين ، وأصوات العصافير بلحنها الهادئ الذى يطرب الآذان ، إنها الطبيعة بفطرتها النقية ووجها البرئ ، تغسل الهموم وتطهر النفس من بقايا النفاق والكذب والتدليس الذى يحاصرك بفعل التعامل مع شخصيات معظمها للأسف تعودت على ارتداء ثوب الرياء والنميمة وحب الأنا ، فحرصهم كبير بألا يتوقف قطار مصالحهم الشخصية عن مسيرته فى دهس المبادئ والأخلاق.

 

على مرمى البصر رجل طويل القامة يرتدى أفارول متسخ من جراء عمله فى زراعة الحدائق والعناية بها ، وبدون إرادة منى قادتنى قدماى إليه ، فألقيت عليه السلام وجلست بجواره ، وبدأ الحوار معه وأنا أبحث عن الأسباب التى رسمت خريطة معقدة من الحزن على وجهه الذى أصيب بتجاعيد الزمن ، ولما لا وقد وصل إلى محطة الـ 67 عاماً ، أنه عم فرج ، هذا الرجل الذى تناسى كبر سنه ، ورفع راية التحدى فى وجه الظروف القهرية ، وقرر أن يدخل الصراع مع الحياة المؤلمة ليوفر احتياجاته واحتياجات أسرته مع عالم لا يرحم ويدهس بأقدامه الغليظة كل الفقراء من أصحاب الحاجة.

 

الحديث معه بالفعل أذهلنى ، مخارج ألفاظه تجذب الانتباه ، حديثه يعبر عن رجل يتمتع بثقافة غير محدودة ، أوجعنى بكلامه عن الدنيا وأحوالها ، وضياع الأخلاق والمبادئ والعادات التى تربينا عليها بين معظم الناس ، كلماته عبرت عن مدى الضيق الذى يصيبه عندما يتجاهله أصحاب الكرفتات والمظاهر الكدابة من العاملين بنفس المكان ، ويمرون أمامه دون حتى إلقاء السلام وكأنه تصرف سيقلل منهم ، رغم أن ألقاء السلام لله تعالى ، ومن شيم المؤمن بأقل مبادئ الإسلام.

 

استرسل هذا الرجل الطيب فى حديثه معى عن القبائل بجزيرة العرب وبمنطقة الشام ، وأصول معظم العائلات والقبائل ، بالفعل شعرت وكأننى أجلس مع موسوعة علمية ، وكنز معلومات أنا نفسى أجهله ، وتشعب حديثه فى مجالات متعددة ، ومع ذلك كان ملم بكافة المعلومات عن أى موضوع تحدث فيه  ، مما أكد انطباعى الأول عنه بأنه يصنف من طبقة المثقفين ، ومع ذلك كان همى الأول ، أن أعود به للحديث عن تعالى وتكبر البعض ممن تعمدوا تجاهله أثناء مرورهم أمامه وكأنه غير موجود من الأساس ، لأنى بصراحة كنت أريد أن أسمع منه السبب فى تصرفهم هذا الغير آدمى.

 

نجحت فى مخططى ، ووجدته يقول ، بص يا أستاذ محمد ، هؤلاء مروا أمامى واستخسروا إلقاء السلام مع أن السلام لله كما تعرف وليس لى  ، طيب ، هأقولك حاجة ،  أنا دلوقتى لو ارتديت مثلاً بدلة شيك ، ووقفت بنفس المكان ومر علىً نفس الأشخاص ، ماذا سيكون موقفهم ، طبعاً أنت عارف من غير ما أقول ، معنى كده أنهم رفضوا إلقاء السلام على الأفارول ، وكانت تحيتهم وسلامهم مضاعف للبدلة الشيك ، مثل هؤلاء يا بنى خدعتهم الدنيا واهتموا بالمظهر الخارجى دون الجوهر ، وأقسم بالله يا أستاذ محمد أنا مش زعلان منهم خالص ، أنا زعلان عليهم.

 

كلمات عم فرج ، كانت حزينة مؤلمة ، تعكس حال المسلمين والبشر هذه الأيام ، ولكن ما زاد من حزنى ، مفاجئة عم فرج ، عندما أخبرنى أن معظم من يمرون عليه ويتجاهلونه ، تتلمذوا على يديه ، فالرجل يا سادة كان يعمل مدرس للدراسات الاجتماعية للمرحلتين الإعدادية والثانوية ، وعند بلوغه سن التقاعد ومع ظروف الحياه الصعبة ، أصبح ما يتقاضيه من المعاش لا يكفى احتياجات أسرته ، فى ظل  ارتفاع الأسعار الرهيب خلال السنوات الأخيرة ، مفاجئة عم فرج تلك لخصت كل الأوضاع المتردية التى وصلنا إليها ولا تحتاج لأى تعليق منى ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.



وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية.  

 

 

 

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف