بقلم
– محمد مقلد
أسلوب " قطع الرؤوس " الذى انتهجه تنظيم " أنصار بيت المقدس " الإرهابى الذى ظهر في سيناء عقب ثورة يناير ، لم يكن بسبب انضمام التنظيم لـ " داعش " حيث لجأ التنظيم لقطع الرؤوس في سيناء قبل مبايعته لأبى بكر البغدادى زعيم تنظيم " داعش " وهذا الأسلوب أدخلنى في حيرة حقيقية حول المعتقدات والأفكار الدينية التى يعتنقها هذا التنظيم ، والتى تخالف حدود الله تعالى ، وبدأت أسأل نفسى ، لماذا يلجأ هذا التنظيم لقطع رؤوس المسلمين بهذا الشكل الوحشى؟
وكانت
من أكثر الوقائع التى تركت بنفسى غصة كبيرة من تصرفات هذا التنظيم ، تلك الفاجعة
التى وقعت في أغسطس عام 2014 ، عندما قام ببث مقطع فيديو يُظهر عملية ذبح أربعة من أبناء
القبائل في سيناء وقطع رؤوسهم على طريقة تنظيم
" داعش " ، وتضمّن المقطع ما وصفته الجماعة باعترافات الأربعة
بعمالتهم للاحتلال الإسرائيلى ، وتورطهم فى زرع شريحة تتبع فى سيارة «خالد
المنيعى» أحد قيادات التنظيم واثنين من
عناصره الآخرين قبل قصفها بواسطة طائرة
إسرائيلية بدون طيار داخل سيناء ، على حد زعم الجماعة الإرهابية وقتها.
فخلال
الفترة من عام 2014 حتى عام 2017 انتشرت حالات قطع الرؤوس لعدد من أبناء سيناء على
يد عناصر تنظيم " أنصار بيت المقدس " والذى تحول إلى تنظيم " ولاية
سيناء " عقب مبايعتة لـ " داعش " في أواخر عام 2014 ، ولم يرحم
التنظيم صغيراً أو كبيراً يشك في تعاونه مع الأجهزة الأمنية إلا وقطع رأسه ومثل
بجثته ، وبث فيديو لعملية قطع الرؤوس ونشرها على المواقع التابعة له بشبكة
الانترنت ، حتى وصلت بهم الوحشية فى شهر
أبريل من عام 2015 ، بقتل أمرأة تقيم بقرية الطويل برفح بعدة رصاصات فى الرأس
والتمثيل بجثتها ، بدعوى تعاونها مع قوات الجيش ، وكانت أول سيدة يلجأ التنظيم
لقتلها بتلك الطريقة الوحشية ، وتدعى " مها إبراهيم سليمان " 32 عاماً ،
حيث قامت عناصر التنظيم الإرهابى باقتيادها أمام زوجها وأطفالها الصغار وقيدوها
بالحبال وعصبوا عينيها ، واصطحبوها معهم وقاموا بقتلها.
شغلت
نفسى بصورة كبيرة في تلك الفترة ، بالبحث عن الأسباب التى تدفع هذا التنظيم الذى
يرفع شعار العودة للخلافة الإسلامية وتطبيق حدود الله والشريعة الإسلامية في الحكم
، لاستخدام هذا الأسلوب الوحشى في القتل بقطع الرؤوس والتمثيل بجثث الموتى من
المسلمين ، وهى تصرفات ينهى عنها الإسلام ، واعتقدت أن ضالتى جاءت
عن طريق أحد العناصر التكفيرية الذى أعلن توبته عقب اتهامه في عملية
إرهابية كبرى وحصوله على حكم بالبراءة ،
والذى أعتبره من أهم المصادر التى اعتمدت عليها في سيناء ، لتتبع أخبار تلك
الجماعات الإرهابية ، وقد ترددت كثيراً في البوح باسمه من عدمه في كتابى هذا ،
ولكنى اهتديت إلى إخفاء اسمه للحفاظ عليه من أى سوء يتعرض له بسبب ما كشفه لى من
معلومات ذات أهمية قصوى.
حيث
أكد لى هذا التكفيرى التائب ، أن تنظيم " أنصار بيت المقدس " يدعى أنه
يسير على نهج الرسول الكريم وبعض التابعين في عملية قطع الرؤوس ، وقياداته تستشهد
بواقعة الرسول الكريم مع الشاعر القرشى " أبوعزة الجمحى " ، والذى كان
ضمن الأسرى عقب غزوة بدر في العام الثانى من الهجرة ، فطلب العفو من الرسول الكريم
بدعوى أنه أب لعدد من البنات ، فعفى عنه الرسول وأطلق سراحه بعدما وعده أبوعزة
بعدم محاربة المسلمين مرة أخرى ، ولكن أبو عزة عاد لمكة وبدأ في هجاء النبى ، وفى
غزوة أحد وقع أبو عزة في الأسر من جديد فحاول استعطاف النبى ، وهو الأمر الذى رفضه
الرسول الكريم وأمر عاصم بن ثابت بضرب عنقه.
وأضاف التكفيرى التائب ، أن التنظيم الإرهابى
كان يستند أيضاً إلى انتشار وقائع قطع الرؤوس عقب وقوع الفتنة في عهد عثمان ابن
عفان رضى الله عنه وقطع رأس الحسين ابن على بعدها ، وانتشار عمليات قطع الرؤوس بين
المسلمين خلال الصراع على الخلافة بين الأمويين والزبيريين ، وأن الأمة الإسلامية لم تتوحد تحت الحكم
الأموى إلا باستخدام هذا الأسلوب الذى اعتمد عليه بصورة مريبة الحجاج بن يوسف
الثقفى والذى ضرب الكعبة المشرفة بالمجانيق ودخل مكة على جثث أهلها وقطع رأس عبدالله
بن الزبير الذى كان ينازع الأمويين على الخلافة وعلق جثمانه لعدة أيام أمام أهل
مكة في مشهد مأسوى لن ينساه التاريخ الإسلامى.
وللحقيقة
لم أقتنع بهذا الكلام فما هو إلا حجج واهية يحاول من خلالها التنظيم الإرهابى ، أن
يمنح شرعية دينية لوحشيته في قتل المسلمين وقطع رؤوسهم ، والأمر عندى لا يتعدى هدف
التنظيم من بث الرعب والخوف في قلوب الناس حتى لا يتعاونوا مع الأجهزة الأمنية ،
وليس بغريباً عندما يفيق بعض عناصر التنظيم من غفلتهم مع مشاهدة ما يحدث على يد
التنظيم ضد المسلمين ، واللجوء لأسلوب الوحشية بالتنكيل بهم بقطع رؤوسهم والتمثيل
بجثثهم في مشاهد بعيدة كل البعد عن صحيح الإسلام.
فكانت المفاجئة عندما هاتفنى أحد المصادر
القبلية في سيناء ، لينقل لى خبر تسليم خمسة من عناصر تنظيم " أنصار بيت
المقدس " أنفسهم لقوات مكافحة الإرهاب بشمال سيناء هرباً من جحيم التنظيم ،
وإعلان تبرأهم من تصرفات هذا التنظيم ،
والذى كان يعاقب كل من يحاول الانفصال عنه بالقتل وقطع رأسه ، وتعددت الوقائع التى
تثبت تعامل التنظيم بوحشية ضد عناصره التى تحاول التوبة والعودة إلى صحيح الإسلام
، وبالفعل تمكن العشرات من عناصر التنظيم من الهرب ، بينما سقط عدد آخر في يد
التنظيم وتم معاقبتهم بالقتل وقطع رؤوسهم.
ما تقدم كان جزأ من
كتاب " ذكرياتى مع قادة الإرهاب والتطرف "