بقلم – محمد مقلد
يوماً غريباً لم أعهده من قبل ، ما هذا الذى أشاهده ، الابتسامات تعلو وجوه
الناس بالشوارع ، ما من مواطن قابلته إلا وجهه مشرق يعكس مدى التفاؤل والسعادة
التى يعيش فيها ، تبادل السلامات بكل حرارة بين الجميع أذهلنى ، مررت بأحد المساجد
فوجدته مكتظ بالمصليين على عكس المعتاد ، مجموعة من العجائز على المقهى يعبرون عن
فرحتهم بعودة دولة فلسطين وانهيار دولة العدو الصهيونى ، وها هو رجل مسن يحاول
عبور طريق السيارات ، فيتسابق أكثر من شاب وفتاة لمساعدته فى عبور الطريق.
ما هذا التفاؤل الذى سيطر على الجميع ؟ ماذا حدث بين يوم وليلة ؟ أين ذهب
الاكتئاب العام الذى كان يسيطر عليهم ؟ تحركات غريبة وتصرفات أغرب ، لقد انقلبت
الأوضاع رأساً على عقب ، التعاون بين الجميع ، المحبة متبادلة ، السعادة مفرطة ،
الوجوه تكاد ترقص من الفرح ، بدأت أشك فى أننى ما زلت أعيش فى الحياة الدنيا ، ويوم
القيامة حان وقته ، وتلك هى الجنة التى أشاهدها أمامى ، أسئلة عديدة تفرض نفسها ،
أبحث لها عن إجابات دون جدى ، عدت للمنزل وأنا فى قمة السعادة ، الهدوء يسيطر على
كل الأركان يبدو أن الجميع قد خلد للنوم.
لم يزعجنى إلا صوت الهاتف ، الذى حاولت أن أتجاهله عدة مرات ، ولكن على ما
يبدو أن المتصل لديه إصرار غريب على محادثتى ، أنها الساعة الواحدة بعد منتصف
الليل ، رقم غريب ومع ذلك وجدتنى أرد عليه رغم عادتى بعدم الرد على أرقام لأشخاص
مجهولة بالنسبة لى ، ولاسيما فى هذا التوقيت المتأخر من الليل.
أنه صوت لإمرأة يكسوه حزن واضح ، ألو ، أستاذ محمد مقلد ، أيوه معاكى محمد
، مين ، أنا مدام ناهد ، وأسفة جداً أنى اتصلت بحضرتك فى الوقت ده ، بس أنا عايزة
حضرتك ضرورى , وبصراحة شديدة كنت أحدثها وأن نصف نائم ، فطلبت منها أن تعاود
الاتصال صباحاً ، حتى استوعب ماذا تريد منى ، وفى اليوم التالى تلقيت اتصالها ،
وإذا بها تكشف عن سبب اتصالها ، بصراحة يا أستاذ محمد أنا عندى مشكلة غريبة شوية ،
وصاحبك أشرف اللى ساكن بحى السلام هو اللى أدانى رقمك وقالى اتصل بحضرتك ، فسألتها
إن كانت تقطن بالسلام 1 أو السلام 2 ، ولكنها كانت تقصد حى السلام بمدينة
الإسماعيلية.
سردت مشكلتها ، وبالفعل وجدتها مشكلة غريبة ، وليس لى أى قدرة على حلها ،
عموماً المشكلة ببساطة تتلخص فى أنها متزوجة منذ 9 سنوات ، ولديها ثلاثة أبناء ،
أكبرهم 6 سنوات ، وأن زوجها يعمل بأحد الفنادق بمدينة شرم الشيخ ، وأثناء عمله
تعرف على سائحة من دولة بولندا وتزوجها وسافر معها وتركها هى وأبنائها يواجهون
مصيرهم مع تلك الحياة الصعبة ، وحسب كلامها فوجئت بزوجها يرسل لها ورقة طلاقها ،
مع العلم أنها أكدت خلال كلامها ، أن بينهما قصة حب كبيرة ، وأنه يعشق أبنائه
لدرجة الجنون.
أنهت كلامها ، فسألتها ، وأنا فى أيدى أيه أعمله فى المشكلة دى أنت محتاجة
محامى يرفع لك قضية لحفظ حقوقك وحقوق أبنائك ، ما دخلى أنا ، وبعد عدة أيام كنت
متواجد بمحافظة الإسماعيلية ، والتقيت بصديقى أشرف ، والذى قام بدوره بالاتصال بها
للحضور لكافتيريا الزهور بالقرب من منطقة الممر لأن لديها كلام جديد تريد إخبارى
به ، انتظرناها عدة دقائق حتى وجدتها أمامى وبصحبتها أبنائها الثلاثة ، وأقسم برب
يوسف عندما شاهدتها وتحدثت معها ، أيقنت أن زوجها رجل بلا عقل ومعتوه ، وسألت نفسى
، هل هناك رجل بكامل قواه العقلية يترك مثل هذا المرأة ، فهى بصراحة جميلة بشكل
ملفت ، وهادئة الطباع بصورة مذهلة ، لديها جاذبية خاصة وخفة روح تجعلك لا تمل من
الحديث معها ، مثقفة لدرجة بصراحة أذهلتنى.
عموماً كانت تريد منى أن أساعدها فى الالتحاق بأى عمل توفر من خلاله احتياجاتها
واحتياجات أبنائها لحين حل مشكلتها مع طليقها ، وأثناء عودتى للسويس وجدتنى أحدث
نفسى ، عجيب أمر هذه الدنيا ، أمرأة بتلك المواصفات التى يتمناها أى رجل لتكون شريكة
حياته ، تصل لهذه المرحلة الصعبة ، وهناك من هن أقل منها فى كل شئ يتعاملن مع أزواجهن بغطرفة وعنهجية ، سبحان رافع
السماوات وباسط الأرض ، له فى ذلك حكم .
وانهيت حديثى مع نفسى بأن هدانى تفكيرى إلى أن الحل الأمثل لتلك المرأة أن
تتزوج ، أولاً لدرأ الفتنة نظراً لجمالها وصغر سنها فهى لم تتعدى الأربعين من
عمرها ، وثانياً تكون مع رجل يعينها على أعباء الحياة ، فاتصلت بها لأعرض عليها
هذا الأمر ، فوافقت على الفور ولكنها اشترطت شرط واحد ، أن أكون أن هذا الزوج
المنتظر ،فأذهلتنى جرئتها ، ولا أخفى عليكم بدأت بالفعل أفكر فى كلامها ، ولم يقطع
حبل أفكارى إلا سكين زوجتى ويديها تهزنى بقوة ، وتصرخ فى وجهى " قوم يا مدهول
أنت عايز تتجوز عليه ، دى أخرت خدمتى ليك ولعيالك " ونهضت مسرعاً لأهرب من
صوتها ، وأنا أتمتم " يا ستى أرحمينى بقه أنت ورايا ورايا حتى فى الحلم
"
ويبقى السؤال لأسيادى القراء ، ما رأيكم ، هل تلك القصة من وحى خيالى وحدثت
فى الحلم ؟ أم حقيقة وقعت بالفعل ؟ مجرد سؤال لا يعرف إجابته إلا زوجتى فقط.