google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

نساء فى حياته






بقلم – محمد مقلد



الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التى حاصرته منذ الصغر ، رسمت ملامح تركيبته النفسية المعقدة ، التى زرعت بداخله الخوف من كل شئ ، حتى فى  تعاملاته مع الآخرين ، فكانت الانطوائية والعزلة سلاح الهرب من عالم الواقع ، ليصعد حسبما تعود ليجد نفسه يجلس فوق السحاب بكل عظمة وكبرياء ، ينظر للناس وكأنهم أقزام ، فتلك كانت سبيله الوحيد لينسى  ولو لبعض الوقت تلك الظروف التى أجبرته فى بعض الأيام على الاكتفاء بتناول وجبة واحدة ، وانتظار ملابسه حتى تجف فقد كانت وحيدة مثله بلا رفيق يأنس وحدتها ، ظروف دفعته ليحبس نفسه داخل منزله مضطراً لعدة أيام لحالة الخصام الذى يصل لحد الفراق بينه وبين الفلوس عدوه الأول.

 

حياة الجامعة ربما ساهمت بصورة ما فى أن يخرج من عزلته ، وإن كان خروج يشوبه الحذر، بقلة كلامه وإنفرده وحيداً معظم الوقت رغم تواجده بين أفراد شلته الجامعية التى كانت تضم مجموعة من الشباب والفتيات لا زال تأثيرهم محفور بداخله يتذكر كل المواقف والأحداث معهم بحلوها ومرها ، ولم تمنعه الظروف التى حاصرته من أن يتحول إلى أيقونة الشلة ، الجميع يشعر بالراحة فى الحديث معه ، ويحاول التقرب منه ، رغم أنه قليل الكلام وعزلته كانت تفاجئه دوماً ليصعد لمكانه المحبب فوق السحاب حتى وهو بينهم يأنس بتواجدهم ، ولكنه يعشق عالمه الآخر الذى يجعله دائماً يجهل محور حديثهم فى غالب الأحيان.

 

نظرته للجنس الآخر تختلف عن طبيعة معظم الشباب ، فقد تعود ألا تخترق عيناه ملامح وجه أى فتاة أثناء حديثه معها ، حتى أقاربه من الفتيات ربما غابت عنه ملامح وجوههن ، فكيف له أن يحددها وعينيه دائماً تهرب لتلتقى بقطرات عرقه أمام قدميه ، فتخلص بعض الشئ من تلك العادة مع التحاقه بالجامعة ، مع حرصه اللاإرادي بألا تلتقى عينيه بأى فتاة يتحدث معها فقد تعودت على الهروب لسبب سأكشف عنه لاحقاً ، ومن الطبيعى أن تحدد الظروف التى لازمته طبيعة تعامله مع هذا الجنس ، فلا مجال لشئ اسمه الحب حتى ولو كان فى قالب المراهقة المنتشر بين شباب الجامعة ، فقلبه سجين خلف قضبان حديدية قوية الإحكام ، ولم يمنحه حتى فرصة واحدة لينطلق ليعيش حياة طبيعية مثله مثل غيره من القلوب.

 

ظل هذا الشاب غامض لا يعرفه حتى أقرب أصدقائه فى شلة الجامعة ، حتى جاء اليوم الذى أفاق فيه على صدمة ، تلك الصدمة التى ربما يجدها بعض الشباب مصدر سعادة  ، فهو ليس هذا الشاب الذى يفتخر لمجرد أن تقع فى غرامه أى فتاة ، ولا يبحث عن تقمص دور الدنجوان ، ولم يفكر يوماً ما فى أن يطارد أى فتاة مهما كان قدر جمالها وأناقتها أو حتى أنوثتها ، فتلك القضية لا تعنى له شيئاً مع أنها على رأس القضايا التى يهتم بها معظم الشباب ولاسيما فى سن المراهقة ، ولكنه بالفعل كان مختلف عنهم ، وحاول أن يسأل نفسه عن السبب دون أن يجد إجابة واضحة تكشف له هذا السلوك الغريب ، فها هى زميلتهم بشلة الجامعة " هاجر" الطالبة بكلية التربية النوعية ، تطلب الإنفراد به لأمر خاص وهام ، فانتابته حالة من القلق والخوف من هذا اللقاء ، وتزاحمت الاستفسارات داخل ذهنه حول هذا اللقاء ، فهو لم يسمح لنفسه أن ينفرد بأى فتاة  ، وبناءً على إصرارها كان اللقاء على كورنيش النيل بعيداً عن الشلة ، وهنا حدث ما لم يتوقعه على الإطلاق ، وشعر بأمور متناقضة وأحاسيس مختلفة فى آناً واحد ، فقد اعترفت له بجرأة بأنها تحبه جداً.

 

وقتها كان يتمنى أن تكون أذنيه تلقت ما سمعته بصورة خاطئة ، وأن تنشطر الأرض لنصفين لتبتلعه حتى يختفى من أمامها وينجو بنفسه من هذا الفخ الدنيوى الذى طالما كان حريصاً إلا يقع فيه ، فظروفه الاجتماعية والاقتصادية لا تسمح له بأن يدخل عالم المشاعر والأحاسيس ، وقراره صارم بألا يسمح لنفسه أن تحطم تلك القضبان التى تحمى قلبه من أمور مجهدة هو فى غنى عنها ،  كما أن نظرته للحب تختلف تماماً عن نظرة السواد الأعظم من الشباب ، فالحب بالنسبة له ليست حروف كونت كلمة لنرددها بكل سهولة ويسر ، ولكن الأمر أعمق وأكبر من ذلك بكثير.

 

أما ردة فعله تجاه اعترافها هذا ، وماذا كان تصرفه معها ؟ بمشيئة الله ستعرفون كل شئ عقب صدور رواية " رجل فوق السحاب " ، فقد كان ما تقدم جزأ بسيط جداً من الفصل الثانى للرواية والذى يحمل عنوان " نساء فى حياته " وهو الفصل الذى أراهن عليه بأنه سيكون السبب الرئيسى فى نجاح تلك الرواية لما فيه من أحداث ومواقف غريبة جداً قلما تجدها على أرض الواقع  ، لذلك ربما يكون هذا الفصل أيضاً سبباً فى أن تتخذ تلك الرواية اتجاه أكبر وأعمق عقب صدورها ، وكله فى النهاية بأمر الله ومشيئته.


وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية      

  

        

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف