محمد مقلد
تمكنت
خلال عملى بملف " الإسلام السياسى " من اختراق دهاليز عدد من أخطر قادة
وأعضاء الجماعة الإسلامية ، وجاء الأمر بالصدفة البحتة ، عندما قابلت أحد أصدقاء
أحمد عبد القادر عضو الجماعة ابن محافظة السويس ، والذى كان مسجون حينها بسجن
العقرب لصدور حكم بالإعدام ضده فى قضية مسجد الإيمان بالسويس واغتيال مدير مدرسة
الفرنسيسكان بنفس المحافظة ، وفوجئت بأن هذا الشخص لديه رقم هاتف يحتفظ به أحمد
عبد القادر داخل سجن العقرب للتواصل عن طريقه مع عائلته وأصدقائه وأعضاء الجماعة
المنتشرين بالمحافظات المختلفة ، وبمجرد علمى بذلك ، اتخذت القرار بضرورة الحصول
على هذا الرقم تحت أى ظرف ، لشعورى أنه سيكون وسيلة مهمة للغاية ربما تساعدنى فى
عمل بعض التحقيقات الصحفية المثيرة فى هذا الملف.
فى
البداية لم أظهر له أى اهتمام عقب معرفتى بوجود هذا الرقم بحوزته ، وكأن الأمر لا
يعنينى فى شئ ، وبدأت اتقرب منه وأخرج بصحبته
بصفة يومية ، نتناول الطعام ونجلس على المقهى سوياً ، وذهبت معه أكثر من
مرة لمنزله بحى الجناين بمحافظة السويس ، وفى أحد الأيام وفى بدايات حكم الرئيس
الإخوانى محمد مرسى ، وجدته يخبرنى بأن أعضاء الجماعة الإسلامية المحبوسين بسجن
العقرب ربما يصدر قرار بالعفو الرئاسى عنهم وإسقاط كافة الأحكام الصادرة ضدهم ،
فبادرته بالسؤال عن مصدر تلك المعلومة الهامة ، فأكد أن أحمد عبد القادر أتصل هاتفياً
بوالدته التى كانت تقيم بمدينة المستقبل بالسويس ، وأكد لها أنهم أرسلوا من داخل
محبسهم بمذكرة للرئيس مرسى للإفراج عنهم ، وذلك عقب شروع مرسى فى محاولاته للعفو
عن الشيخ عمر عبد الرحمن المحبوس بالسجون الأمريكية
وعندما
عرفت أن أحمد عبد القادر أتصل بوالدته
يخبرها بأن قرار الرئيس مرسى تجاه الدكتور عمر عبد الرحمن منحهم الأمل فى قرار
العفو عنهم ، طرأت على رأسى فكرة أن أزور والدة أحمد عبد القادر ، وأجرى معها حوار
صحفى لتستنجد من خلاله بالرئيس الإخوانى مرسى للإفراج عن نجلها ، فقد كان لدى ثقة
كاملة بأن هذا الحوار سوف يمهد الطريق بشكل أكبر للحصول على رقم هاتف عبد القادر
داخل سجن العقرب ، فوجدته يرحب وبشدة بتلك الفكرة ، واصطحبنى لمنزل أسرة عبد
القادر والتقيت بوالدته ، وأجريت معها الحوار ونشرته بصحيفة الوطن ، وكان محور
حديثها يدور حول الادعاء بتلفيق الاتهام لنجلها من قبل نظام الرئيس الراحل حسنى
مبارك ، واستغاثت بالرئيس مرسى للإفراج عنه.
وعقب
نشر حوار الأم ، بدأت أتجرأ وطلبت منه رقم هاتف عبد القادر داخل السجن لأتواصل معه
، ولكن المفاجئة التى لم أتوقعها ، بأن الرقم خاص بمصطفى حمزة القيادى بالجماعة
الإسلامية ، فسألته عن هوية هذا الرجل ، فأخبرنى بصدور ثلاثة أحكام بالإعدام فى حقه ، فى قضايا " العائدون من
أفغانستان " و اتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم ، وأنه العقل المدبر لمذبحة الأقصر الإرهابية
عام 1997 ، والتخطيط لمحالة اغتيال كلا من
الرئيس الراحل حسنى مبارك فى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا عام 1995، وصفوت الشريف
وزير الإعلام وقتها ، فشعرت أن هذا الرجل
أخطر القادة داخل الجماعة الإسلامية ، فصممت على موقفى بضرورة الحصول على رقم
الهاتف ، وهو ما حدث بالفعل ، وحصلت عليه وكنت سعيد لدرجة كبيرة ، وإن كانت سعادة
محفوفة بالحذر من ردة فعل رجل كهذا عندما أهاتفه وأقدم له نفسى بأننى أعمل صحفى
بجريدة " الوطن " مع الوضع فى الاعتبار موقفه وموقف زملائه ووضعهم
كمحبوسين داخل أكبر السجون المصرية ، والذى أشتهر بأن نزلائه من شديدى الخطورة على
أمن البلاد.
وجاءت
الفرصة لإجراء الاتصال الهاتفى بمعتقلى سجن العقرب من أعضاء الجماعة الإسلامية ،
عقب الخطاب الشهير للرئيس الإخوانى مرسى فى ميدان التحرير يوم 29 يونيه 2012 ،
والذى تحدث خلاله عن محاولاته للإفراج عن الدكتور عمر عبد الرحمن ، ومن حسن الحظ
أن أحمد عبد القادر هو من رد على اتصالى ، وبمجرد أن عرفته بنفسى ، وجدته يشكرنى
على حوارى مع والدته ، وموقفى معهم فى قضية العفو عنهم ، وطالبته بأن أحصل على بعض
التصريحات لنشرها لتقوى من موقفهم وتساعد فى محاولات الإفراج عنهم ، وبالفعل حصلت
على تصريحات منه ومن شخص آخر متهم معهم يدعى محمود دبوس.
وبكل
صراحة لم أكن فى قمة تركيزى ، عندما تحدث عبد القادر ودبوس ، فقد سيطر علىً ضرورة
إجراء حوار مصغر مع الرجل المخيف مصطفى حمزة ، وبمجرد أن أنهى دبوس حديثه ، وأعاد
الهاتف لأحمد عبد القادر ، طلبت منه أن استكمل موضوعى الصحفى بالحديث مع مصطفى
حمزة ، ولكن كانت الصدمة ، بأن حمزة لا يتحدث للإعلام ولديه تحفظ كبير على إجراء
أى حوارات فى الصحف المصرية وقتها وعلى رأسها صحيفة " الوطن " حيث كان
يتهمها دائماً بعدم الحيادية فى تناول الموضوعات المتعلقة بالتيارات الإسلامية
وعلى رأسها الجماعة الإسلامية ، فحاولت إقناع عبد القادر بأننى أختلف عن الآخرين
وأنقل التصريحات دون تحرييف أو تزييف ، وطالبته بأن يقوم بدور الوسيط لإقناع حمزة
بالحديث معى حتى استكمل الموضوع ونشره بالصحيفة ، لأن بكل بساطة تصريحات حمزة
ستمنح الموضوع قوة وإثارة أكبر ، وانتظرت لليوم التالى بعدما اتفقت مع عبد القادر
على توقيت آخر لمعاودة الاتصال على أمل أن أحقق ما أصبو إليه ويوافق حمزة على
الإدلاء ببعض التصريحات.
وفى
الموعد المحدد أجريت الاتصال ، فإذا به صوت يختلف عن صوت أحمد عبد القادر ، فكان
هذا الحوار القصير ، حيث بادرنى بقوله " أزيك يا أستاذ محمد " ، "
الحمد لله كله تمام " ، مصطفى حمزة معاك ، وبمجرد أن التقطت أذنى الاسم ،
فوجئت بلسانى يتحول لقطار لا يتوقف " أيه يا شيخنا ، أنت زعلان من جريدة
الوطن ليه " ، على فكرة أنا مليش دعوة بحد وبعامل ضميرى فى شغلى ، وحريص أن
أنقل التصريحات بكل دقة ، دى أمانة يا شيخ مصطفى وأسأل أحمد عبد القادر عنى ، فكان
صمته دليل قاطع على أن الرجل بدأت الطمأنينة تسكن قلبه تجاهى ، لاسيما بعد أن كسر
حاجز صمته بقوله ، أتفضل يا أستاذ محمد عايز تسأل فى أيه , فجاء ردى ، لا أبداً يا
شيخ مصطفى كنت عايزك بس تعلق على تصريحات الرئيس مرسى حول قضية الإفراج عن الشيخ
عمر عبد الرحمن.
واسترسل
حمزة فى حديثه بقوله ، إن مرسى أثلج صدورهم باهتمامه بقضية الشيخ عمر عبدالرحمن،
فالعفو عنه أهم من قضيتهم ، وأن هذا الرجل يحاول الاستقواء بشعبه للحصول على
صلاحياته كاملة سواء التشريعية أو التنفيذية ، ويكفى والكلام لحمزة أنه جاء اليوم
الذى نجد فيه رئيساً منتخباً يختلط بشعبه بهذا الشكل، ويطمئن لهم ويشعر بالأمان
بينهم ، وأغلقت الحديث فى تلك القضية ، وحاولت أن أسأله عن القضايا المتهم فيها ،
فانتابه الغضب من سؤالي وأغلق الهاتف دون تعليق ، فعاودت الاتصال معتقداً أن الخط
انقطع من تلقاء نفسه ، رغم أننى كنت على يقين كامل بأنه أنهى المكالمة للتهرب من
الحديث فى الاتهامات التى يواجهها ، وهذا ما تأكدت منه عندما فوجئت بغلق الهاتف
بشكل كامل.
وفى
اليوم التالى نشرت صحيفة الوطن تلك التصريحات ، تحت عنوان " الوطن تخترق حاجز
سجن العقرب " ، وبمجرد نشره حتى انقلبت وزارة الداخلية وأمن سجن العقرب ،
وبدأ رجال الأمن فى تفتيش جميع العنابر بالسجن ، وتعرض حمزة ورفاقه لمضايقات كبيرة
حتى أرشدوا على الهاتف وسلموه لقوة السجن ، والغريب أنهم صبوا جام غضبهم علىً ،
واتهمونى بأننى المتسبب الأول فى ذلك وكان حمزة أكثر غضباً من بقية زملائه ، علماً بأنهم كانوا يعلمون جيداً أن تلك
التصريحات سيتم نشرها ، وما هى ألا أيام قلائل حتى صدر العفو الرئاسى عن أحمد عبد
القادر وغريب الجوهرى والسيد صابر ومصطفى حمزة وغيرهم من أعضاء الجماعة الإسلامية ، وتوجهت لمنزل عبد القادر فى مدينة المستقبل ،
وطلبت منه التواصل مع مصطفى حمزة ، فرفض
بشدة مؤكداً أنه غاضب منى بشكل كبير ولا يريد التحدث معى مرة أخرى ، فقررت أن أغلق
ملف الجماعة الإسلامية عند هذا الحد لأهتم بالتيارات الإسلامية الأخرى ، على أن
أعود للاهتمام بأخبارهم حسب سير الأحداث التى كانت متسارعة بصورة كبيرة خلال تلك
الفترة.
كان
ما تقدم جزء من الفصل الثانى
من
كتاب " ذكرياتى مع قادة الإرهاب والتطرف"