google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الحب الكبير




بقلم – محمد مقلد



القطار أصبح السبيل الوحيد للخروج من أزمته ، فعليه أن يتحمل أربع ساعات ذهاب وعودة ليواصل المشقة التى لازمته منذ نعومة أظافره ، هذه هى حياته التى رسمها له القدر ، قطار يتحول لرفيق دربه ، العشق بينهما يتزايد ، فما أحلى أن يجلس بجوار النافذة فى طريق العودة مساءً ، شارد الذهن ، عينيه تتأمل مناظر الخضرة ، والمنازل التى حفظها عن ظهر قلب كلما أخترق القطار مدينة أو مركز خلال رحلته من القاهرة لبلدته والعكس.

 

قطار رسم ملامح " شلة الجامعة " مجموعة من الشباب يدرسون بجامعات وكليات مختلفة ، جمعت بينهم الصداقة والمحبة ، سامر طالب كلية الطب بجامعة عين شمس ، و رامى ابن محافظة الإسماعيلية ومعه أحمد زميليه بكلية دار العلوم ، وأشرف طالب التجارة بجامعة الأزهر ، وإيناس طالبه بكلية التربية بجامعة الأزهر ، ونجلاء طالبة كلية الاقتصاد المنزلى ، وريهام بنفس الكلية ، والدلوعة رحاب طالبة كلية الألسن بجامعة عين شمس ، ونوره تدرس بكلية التربية النوعية ، فهؤلاء كانوا يمثلون ثوابت تلك الشلة ، بخلاق من كان يدخل ويخرج طوال سنوات الدراسة الجامعية.

 

مر شهرين فقط من العام الأول لدراسته الجامعية ، فإذا به ينتفض من نومه مع آذان فجر أحد الأيام والكل نيام ، ليشعر بقبضة حزن تتحكم فى دقات قلبه ، فيتوجه مسرعاً حيث حجرة والدته المريضة ، ليرفع عنها الغطاء ليرى نوراً يشع من وجهها ناصع البياض ، ونسمات تداعب وجهه كأنها رسولاً قادماً من عند الله ،  ليهمس فى أذنه " والدتك فى رعاية الله الآن وسأضطر لاصطحابها معى فقد انتهى دورها فى الحياة " أنها أصعب لحظة ألم يمر بها ، فقدان أمه وصديقته وحبيبته وكل ما له فى هذه الدنيا.

 

أين ذهب بصره ؟  لا يرى شيئاً ، ظلام دامس يحاصره ، قطار حياته توقف ، شعور قوى بانتهاء رحلته الدنيوية عند هذه اللحظة الصعبة على قلبه ، حكم قاسى أصدره فى حق نفسه ، بدخول سجن العزلة والانطواء يرافقه دموع لا تتوقف ، وقلب دقاته تعزف لحن حزين يُبكى العيون ، ويزيد من إحساس الألم بفراق أعز ما يملك ، عباراته لا تتغير " وداعاً يا سندى "  " وداعاً يا قلبى " " وداعاً يا من تحملتى ما لا يتحمله بشر من أجلى " " وداعاً يا أمى "

 

انقضى العام الجامعى الأول وحالة الحزن لم تفارقه لحظة واحدة ، ظلت الكآبة وظلمة الحياة الموحشة ترافقه أينما ذهب ، حتى منعته من دخول الامتحانات فى هذا العام ، فكيف له ذلك وقد أصبحت الحياة بلا قيمة ولا هدف يجتهد من أجله ، بعدما فقد القيمة والهدف والحياة نفسها بفقدان الهواء الذى يتنفس به ، والقلب الذى ينبض بين ضلوعه ، والدماء التى تجرى فى شرايينه ، فألقى بجسده المنهك من صراع الحزن والألم ، ليغب فى نوماً عميقاً ، فإذا بوجهها المشرق يطل عليه يكسوه الحزن ، تلومه على ما يفعله فى نفسه ، أنها غاضبة من تصرفاته ، أنه يضيع حلمها الذى عاشت وفارقت الحياة وهى تنتظر أن يتحقق.

 

" أنهض يا ولدى " ، " أجمع قواك وأنهض " " حطم قيود هذا الحزن واستفيق لنفسك " " لماذا تفعل ذلك ؟  أنا لم أتركك ما زلت معك أرافقك دوماً وأشد من عزمك وأبارك خطواتك  ، انهض يا ولدى استكمل طريقك لا تتوقف ، سامحنى يا ولدى فلم أترك لك ما يعينك حتى تستكمل دراستك ، أعمل .. أجتهد.. لا تستسلم لليأس.. حارب حتى تصل لهدفك ، أنتظر منك ما يجعلنى سعيدة أرقد فى راحة وطمأنينة داخل قبرى ، أنهض وجفف دموعى التى تتساقط من عيناى حزناً على الحال الذى وصلت إليه ، أنهض يا قرة عين أمك  وأرسم البسمة على وجهى حتى أرضى عنك لترضى الله تعالى.


ما تقدم جزء من رواية " رجل فوق السحاب " 

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف