بقلم – محمد مقلد
يوماً كان يمثل كابوساً رهيباً على أكثر من مليار ونصف
مسلم ، يوم اتشحت فيه مصر والدول الإسلامية بالسواد ، فالحدث جلل ومن المستحيل أن
تصدق حدوثه فى بلد عربى مسلم ، أنه يوم الجمعة التاسع من نوفمبر 2017 ، حيث مسجد
الروضة بمنطقة بئر العبد بشمال سيناء ، وأكثر من 450 مسلم يستمعون لخطيب الجمعة ،
وبدلاً من أداء الصلاة عقب انتهاء الخطبة ، فوجئ المصلون بمجموعة مسلحة تقتحم
المسجد وتطلق النيران على الجميع ، فكانت مذبحة بما تحمله الكلمة من معنى ، واكتست
أرض المسجد بدماء هؤلاء الأطهار ، وكانت النتيجة استشهاد 305 من المصلين وإصابة
128 آخرين.
ورغم مرور أكثر من خمس سنوات على هذا الحادث المأسوى ،
ولكن حتى الآن لم يعرف أحد من الذى خطط ونفذ تلك العملية من الجماعات التكفيرية
التى كانت منتشرة فى سيناء فى هذا التوقيت ، وتضاربت الأقوال فى هذا الشأن دون
حقيقة واضحة تكشف عن هوية المنفذين ، ووصلت الأمور لدرجة أن جماعة الإخوان
الإرهابية حاولت الصاق التهمة بالأمن المصرى بهدف إرهاب الشعب ، وهو تصور لا يصدقه
حتى المختل عقلياً ، بل وخرجت جماعة أطلقت على نفسها اسم " جند الإسلام
" تابعة لتنظيم " القاعدة " لتعلن تبرئها من هذا الحادث ، وكشفت النيابة العامة وقتها أن وراء مذبحة مسجد
الروضة ، ما يعرف بـ " ولاية سيناء
" التابعة لتنظيم " داعش " الإرهابى ، وأرجعت السبب فى ذلك إلى أن
المنفذين كانوا رافعين أعلام " داعش ".
وأنا فى هذا المقال ، والذى يعتبر جزءً من كتاب "
ذكرياتى مع قادة الإرهاب والتطرف " سأكشف عن المتورطون فى هذا الحادث الغير
آدمى بالمرة ، وربما تكون الكلمات القادمة مفاجأة للأجهزة الأمنية نفسها ، فمع بداية عام 2013 ، كنت قد تعرفت على بعض التكفيريين
التائبين بشمال سيناء ، من بينهم شخص كان متهم فى إحدى العمليات الكبرى ، وأثناء
حديثى معه فى أحد الأيام للحصول على بعض الأخبار المتعلقة بالجماعات التكفيرية
لنشرها فى صحيفة " الوطن " ، عرفت منه أن هناك خلاف كبير نشب بين هشام
عشماوى الذى تم إعدامه مؤخراً لاتهامه فى عدد من قضايا العنف والإرهاب على رأسها
حادث كمين الفرافرة ، وبين تنظيم " أنصار بيت المقدس " الإرهابى ، وكان عشماوى فى هذا التوقيت دائم التنقل ما بين
سيناء وليبيا.
وفى أحد الأيام ، فوجئت بالتكفيرى التائب يهاتفنى فى وقت متأخر من الليل ،
لينقل لى خبر ، اشتباك جماعتين تكفيريتين ، ومقتل 6 من المسلحين خلال تلك
الاشتباكات ، وبتكثيف جهودى توصلت إلى أن تنظيم " أنصار بيت المقدس "
الإرهابى ، اشتبك مع تنظيم " المرابطون " الذى أسسه هشام عشماوى فى
سيناء المنتمى وقتها لتنظيم " القاعدة " علماً بأنى اندهشت وقتها لأن
تنظيم " بيت المقدس " لم يكن فى هذا التوقيت بايع أبو بكر الغدادى زعيم
تنظيم " داعش " بعد ، وعرفت أن سبب الاشتباك بينهما طمع عشماوى فى أن
يكون أمير تنظيم " أنصار بيت المقدس " بسيناء ، والذى كان يشغله وقتها
توفيق فريج زيادة ، تاجر العسل ، والمسلحون الستة الذين سقطوا قتلى خلال تلك
الاشتباكات ، كانوا جميعهم من جماعة " المرابطون " التابعة لعشماوى.
وبدأت منذ تلك اللحظة وعن طريق التكفيرى التائب وعدد من المصادر القبلية
الأخرى بشمال سيناء ، فى متابعة هذا الصراع ، ونشرت بعض الأخبار المتعلقة به
بصحيفة " الوطن " فى حينها ، وكان جميع الصحفيون العاملون بملف الإسلام
السياسى مندهشين من تلك الأخبار الغريبة ، وشهدت جماعة " المرابطون "
ومؤسسها هشام عشماوى المريض بالسلطة والرئاسة ، تضييق الخناق عليهم بشكل غير مسبوق
من قبل تنظيم " أنصار بيت المقدس " ، مما دفع عشماوى للهرب مع مجموعة من رجال
جماعته لمدينة درنة فى ليبيا ، بينما ظل عدد من جماعته داخل سيناء.
وعشماوى لمن لا يعرفه رجل انتقامى بطبعه كل همه أن يتكلم عنه الجميع ، وأنه
على رأس الإرهابيين فى العالم ، حيث أصابه مرض الشهرة المزيف ، لذلك قام بتنفيذ
بعض العمليات الإرهابية من بينها عملية الفرافرة ، بهدف سحب الشو الإعلامى من تحت أقدام تنظيم "
أنصار بيت المقدس " والذى تحول اسمه إلى " ولاية سيناء " بعد
مبايعة أبو بكر البغدادى ، زعيم تنظيم " داعش " فى أواخر عام 2014 ، وبدأ
عشماوى يخطط للانتقام من تنظيم " ولاية سيناء " لرفضهم أولاً أن يكون
أمير عليهم ، وتعرض التنظيم له ولجماعته ومقتل عدد منهم.
ومن هنا خطط عشماوى من داخل الأراضى الليبية لمذبحة " مسجد الروضة " بعلم من قادة تنظيم " القاعدة " المنتمى له عشماوى
، لضرب عدة عصافير بحجر واحد ، أولاً الانتقام من تنظيم " ولاية سيناء "
لقتله عدد من رجاله ، وحتى تشير كافة أصابع الاتهام إلى التنظيم وإحراجه أمام المسلمين ، وإظهاره فى صورة تنظيم
ينفذ أجندات خارجية ولا علاقة له بدولة الخلافة أو الإسلام ، كما أن هذا الاتهام
سوف يشوه صورة تنظيم " داعش " نفسه ، العدو الأول لتنظيم " القاعدة
" فضلاً عن إحراج الأمن المصرى أمام
الرأى العام العالمى والمحلى ، وهذا ما يفسر السر وراء عدم خروج تنظيم "
ولاية سيناء " لإعلان مسئوليتهم عن المذبحة لفجاعتها ، كما أن التنظيم
الإرهابى بالفعل برئ من تلك المذبحة ، وأنه تعود الإعلان عن أى عملية إرهابية يقوم
بها وبالصوت والصورة ، وهذا ما يفسر سر
سعادتى أثناء تنفيذ حكم الإعدام فى هشام عشماوى لاسامحه الله.
وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية.