بقلم – محمد مقلد
تناولت قضية الحب وما يتعلق به فى معظم مقالتى السابقة ، سواء هنا أو فى
المواقع الاجتماعية الأخرى ، ولكن هذا المقال مختلف تماماً عما سبق فى كل شئ ،
لأنه يحمل نوع فريد من الحب طرفاه تقودهما
الصدفة لأن يسقطا فى بحر اللامعقول
واللامنطق ، فإذا كان الحب بالمفهوم الطبيعى عبارة عن إحساس يبدأ بنظرة ثم إشارة
للمخ الذى يفرز هرمون معين يصل للقلب لتبدأ المشاعر المتبادلة بين طرفين تتوهج
لتقودهما لعالم المشاعر ، فإن هناك نوع غريب من الحب يختلف تماماً عن حب القلب ،
تتحكم فيه الروح والذى يعتبر من أقسى أنواعه وأشدهم على النفس البشرية.
وحتى نفهم المعنى الحقيقى لنوعية هذا الحب ، يجب أن أوضح أن لكل رجل على وجه الأرض إمرأة تشبهه فى روحه والعكس ، طباعهما واحدة ، وطريقة تفكير واحدة ، ومشاعر واحدة ، بمعنى أدق تشعر وكأنهما إنسان واحد ، وليس بالضرورة أن يتقابلا فى الحياة ، ولكن الطرفان الشبيهان فى روحيهما إذا قادتهما الظروف ليتقابلا معاً وهذا يكون نادراً ، فالأمر لا يحتاج إلا لنظرة واحدة وفقط حتى يقع كل طرف منهم فى روح ووجدان الآخر بدون أى مقدمات ، فكل طرف منهما لا يرى الآخر بعينيه ولا قلبه بل رآه بالروح التى تشبه روحه ، وهنا يقع بينهما رغما عنهما ما يسمى بـ " حب الروح " فهو شئ إلاهي لا دخل للطرفين فيه ، وهذا ما وضحته الآية الكريمة " قل الروح من أمر ربى " صدق الله العظيم ، وما أكده الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى حديثة الشريف "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"
المشكلة الرئيسية فى هذا الحب أن عالمه الخاص عالم غيبى لا يعلم أسراره إلا الله تعالى ، و لا يشعر
به إلا من سقط فى براثنه فهو قاسى لأقصى درجة ، ومن المستحيل أن يتخلص منه الطرفان
تحت أى ظروف ، فهو حب لا يعترف بالمنطق ولا ظروف الحياة المحيطة بكل طرف ، فإذا
كان حب القلوب من الممكن أن يتلاشى بالبعد أو قسوة أحد الطرفين على الطرف الآخر ،
فحب الروح لا يعترف بكل ذلك وسيظل ملازم للطرفين مهما كان البعاد بينهما ، ومهما
كانت درجة الخلاف ، وكأنه جزء أساسى من دم كل طرف منهما يجرى بين عروقه ، ويظل
هكذا حتى تصعد الروح لبارئها.
لذلك عندما يقع طرفان فى " حب الروح " يبدأ كل طرف منهما يشعر
بأحاسيس وجدانية غريبة ويرى أموراً خارج اللامعقول معظمها مرتبط بالطرف الآخر ، فإذا
فكر أحد الطرفين فى أمر ما تجد الطرف الآخر يفكر فى نفس الشئ وفى نفس الوقت ، وإذا
شعر طرف منهما بالضيق أو الحزن أو حتى الفرح ، نفس الشعور ينتاب الطرف الآخر
وكأنهما إنسان واحد بروح واحدة وجسد واحد ، وتوارد الخواطر بينهما يصل لحد مخيف ، فمن الممكن أن يقوم
طرف منهما على سبيل المثال بتدوين بوست أو نشر فيديو بأى حساب خاص به بشبكات
التواصل الاجتماعى ، فتجد الطرف الآخر فى معظم الأحيان يقوم بتدوين ونشر نفس
المحتوى ، وأمور أخرى تحتاج مساحة أكبر لإلقاء الضوء عليها.
ولكن كما أجمع معظم المتخصصين فى علم
النفس والروحانيات ، أن أخطر مراحل " حب الروح " تكون فى بداياته
، التى تحتاج كثيراً من الحذر حسب ما أكدوه ، لأن أى صدام بين الطرفين مهما كان
سيصل بهما إلى حياة صعبة للغاية ، حياة يحاول كل طرف من الطرفين نسيان الطرف الآخر
ولكن دون جدوى ، فكيف له أن يتخلص من جزء أصبح مكمل لروحه وجسده ويجرى فى دمائه ؟
، ومهما فعل الطرفان حتى ولو كان باللجوء لحب آخر يساعد على النسيان ، فهذا الأمر
لن يجدى فى شئ ، فهو حب غريب لا يقوم على الشكل أو المادة أو غيرها من الأمور
السطحية التى تقود لنوعية الحب الذى لا يرسخ داخل الوجدان والمؤهل أن يتلاشى
سريعاً وبدون أى عناء من الطرفين ، فحب الروح لا يعترف بواقع الحياة والظروف
الاجتماعية لكل طرف ، والغريب حسب ما أكده هؤلاء المتخصصون أنه كلما ابتعدا
الطرفان كلما زاد الحب فى وجدانهما ، لأن الاتصال بينهما لا يقوم على نظرة عين أو
دقة قلب ، ولكن على تناسخ روحيهما بشكل لا يصدقه العقل.
وأخطر شئ فى هذا الحب الخارج عن إرادة الطرفين ، أن يقع بين رجل دائماً
يعتز بنفسه وكبريائه وبين أمرأه تتميز بالعناد الممزوج بالكبرياء أيضاً أو العكس ،
فوقوع هذا الحب بين المرأة العنيدة ورجل ذو كبرياء ، سيكون الصدام بينهما عرض
مستمر لن يتوقف ، يجعلهما يعيشان حياة صعبة للغاية ، وإن كان فى بعض الأحيان
يشعران بفرحة هذا الحب كل طرف على حدا ، رغم ما يحيط به من مشقة وإرهاق جسدى
ومعنوى ، ومهما حاول كل طرف أن ينسى الطرف الآخر ومهما كانت تصرفات كل طرف تجاه
الآخر ، ما هى إلا أيام قليلة ويعود ليفكر
كلا منهما فى من سكن روحه وسيطر على قلبه
ويسبح بحرية فى مجرى دمائه ويتحكم فى دقات قلبه.
وحتى أكون أميناً معكم ، أنا كنت لا أؤمن بوجود هذا الحب الروحانى الذى
سمعت عنه كثيراً ، ولكن عندما وقع شخص أعرفه جيداً فى مصيدة هذا الحب الغريب ، وما
سمعته منه من حكايات يشيب لها شعر الرأس ، خارجة عن المنطق والمعقول تماماً ،
لدرجة أنه كان يعرف كل تفاصيل حياة الطرف الآخر وكأنه يعيش معه ، ويتوقع الأفعال
الذى يقوم بها قبل حدوثها بل ويصل به الأمر إلى أن يعرف ماذا يرتدى الطرف الآخر من
ملابس ولونها دون أن يراه ، ويعرف إذا كان
حزيناً أو فرحاً رغم أنه بعيداً عنه ، مما جعله يشك فى وقوعه تحت تأثير سحر من
نوعاً ما ، حتى تأكد بعد أن سلك كل الطرق أنه لا وجود لأى سحر من أى نوع ، ولكنه
أصبح مقيد بسلاسل حب الروح مع الطرف الثانى الذى يبادله نفس الحب ، لذلك فقد قررت أن تكون تفاصيل قصته هذه جزء من
أولى رواياتي التى شرعت فى كتابتها ، والتى سأنشر أجزاء منها بهذا الموقع تباعاً ،
لما تحمله تلك القصة الغريبة من تفاصيل
وأسرار تذهب بك لعالم الخيال بعيداً عن الواقع الذى نعيش فيه.
وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية.