كتب – محمد مقلد
تواصل الحكومية الأثيوبية تعنتها ضد كلا من دولتى مصر
والسودان ، عقب خروج آبى أحمد رئيس الوزراء الأثيوبى خلال الساعات الأخيرة
بتصريحات نقلها التليفزيون الرسمى فى دولة أثيوبيا ، أعلن من خلالها أن بناء سد النهضة على النيل الأزرق اكتمل رغم
التحديات التي واجهت بلاده ، والآن يمكننا الإعلان عن اكتمال سد النهضة بنسبه 100%
بحلول ديسمبر المقبل ، واصفاً ذلك بالإنجاز التاريخي والذي يمثل نموذجا للعالم
وأفريقيا.
وأكد رئيس الوزراء الأثيوبى فى تصريحاته ، أن نسبة إجمالي المياه المحتجزة في بحيرة السد
بلغت 62,5 مليار متر مكعب ، متوقعا أن تبلغ المياه المحتجزة في بحيرة سد النهضة حتى
ديسمبر المقبل ما بين 70 إلى 71 مليار متر مكعب من إجمالي السعة الكلية للسد 74
مليار متر مكعب ، مضيفاً أنه سيتم تشغيل 3 توربينات أخرى في ديسمبر المقبل ، ليبلغ
إجمالي التوربينات 7 توربينات، فضلا عن القيام بحجز 900 مليون متر مكعب يوميا منذ
الأسبوع الماضي ، وكشف آبى أحمد أن حجم المساحة التي تغطيها المياه تبلغ 210
كيلومترات ، فيما وصل عمق المياه إلى 130 مترا .
بينما قال سليشي بقلي رئيس لجنة التفاوض الإثيوبية عبر حسابه الخاص
على موقع تويتر ، إن بلاده انتهت من بناء
السد الخرساني، باستثناء اللمسات النهائية لأعمال التشطيب ، مؤكداً أنه تم تشغيل
توربينين بقدرة 400 ميجاوات لكل منهما ، وأنهم يواصلون العمل لتحقيق قدرة إجمالية تبلغ 5150
ميجاوات مما يجعلها أكبر محطة مائية في أفريقيا”.
الدور الإسرائيلى وراء التعنت الأثيوبى
من المعروف لدى الجميع ، أن إسرائيل منذ سنوات طويلة وهى
تحاول السيطرة الاستثمارية على عدد من الدول الأفريقية ، لتحقيق أطماعها الاقتصادية
والسياسية بالمنطقة ، وعلى رأس تلك الدول أثيوبيا ، والتى بدت بالنسبة لإسرائيل
على رأس الدول الأفريقية التى لابد من إقامة علاقات قوية معها ، لما لها من موقع
جغرافى ممتاز يجعلها تسيطر على منابع نهر النيل ، وبالتالى تضرب إسرائيل بتلك
العلاقة عدة عصافير بحجر واحد ، على رأسها الحصول على حصة من مياة النيل وهو الحلم
الذى راود إسرائيل عبر التاريخ ، فضلاً عن محاولة إخضاع السلطات المصرية والضغط
عليها بورقة المياه لتحقيق مكاسب سياسية ، بجانب خلق مصدر جديد للطاقة ربما تستفيد
منه إسرائيل فى المستقبل على اعتبار أن نهر النيل من أهم مصادر الطاقة .
من هنا بدأت إسرائيل منذ زمن بعيد التوغل داخل أثيوبيا ،
لتحقيق هدفها المتعلق بنهر النيل ، فارتفعت صادرات إسرائيل التكنولوجية إلى
إثيوبيا بنسبة 500% وبدأ يتوافد بشكل دورى على إثيوبيا رجال أعمال إسرائيليين ،
مما ساهم فى تطوير العلاقة التجارية بين إسرائيل وأثيوبية ، والدليل على قوة تلك
العلاقة ، أن عدد الأثيوبيين المقيمين فى إسرائيل وصل إلى 128 ألف نسمة ، هذا بجانب مساندة إسرائيل لأثيوبيا خلال حربها مع أرتيريا ، ومدها بالأسلحة اللازمة لتلك الحرب
، حتى يأتى اليوم التى تطالب فيه برد الجميل.
المثير للدهشة أن مخطط إسرائيل وطمع اليهود فى مياه
النيل يعود إلى ما قبل تأسيس دولة إسرائيل نفسها ، ويتضح ذلك من خلال المشروع الذى
تقدم به تيودور هرتزل زعيم الحركة الصهيونية خلال عام 1903 ، وهو المشروع الذى
يقوم على بناء مستوطنات سيناء وتوطين
اليهود فى مدينة العريش ، ولكن المشكلة الوحيدة التى كانت تعرقل هذا المشروع ،
توفير المياه لتلك المنطقة، فقدم هرتزل إلى
بريطانيا مقترح بمد أنبوب على عمق كبير
تحت قناة السويس لضخ مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء ، إلا أن بريطانيا رفضت هذا
المقترح لأنه سيؤثر على زراعة القطن فى مصر ، الذى كانت تستفيد منه بريطانيا بصورة
كبيرة.
وفى عام 1974 قدم المهندس الإسرائيلي اليشع كالي ، مشروعٍ تضمن
نقل جزءٍ من مياه النيل يقدّر بـ1% سنوياً ، لتزويد المستوطنات الإسرائيلية في النقب وقطاع
غزة والضفة الغربية ، عن طريق مد أنابيب تحت قناة السويس يصل طولها إلى 200 كلم ،
أما فى عام 1977 قدم الخبير الإسرائيلي
ارلوزوروف، مشروعٍ تضمن شق 6 قنوات تحت قناة السويس تعمل على دفع المياه العذبة من
النيل إلى إلى مركز رئيسى للمياه ، يستخدم فى نقل المياه صحراء النقب.
إسرائيل تدير مشروع المياه بأثيوبيا
وبدا الدور الإسرائيلى فى إدارة المياه فى أثيوبيا يتضح
جلياً ، عندما خرج بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالى ، خلال عام
2016 بتصريحات أمام البرلمان الأثيوبي أثناء
زيارته للعاصمة أديس ابابا ، أعلن من خلالها أن إسرائيل تدعم مشروعات المياه
الخاصة بأثيوبية ، إشارة إلى سد النهضة ، تلك التصريحات التى تزامنت مع افتتاح المرحلة
الأولى من السد على مياه النيل .
كما أعلنت آينا
تشيلين ، نائبة المدير العام للشؤون
الأفريقية في وزارة الخارجية الإسرائيلية ، فى ديسمبر من عام 2019، عن استعداد تل
أبيب لتقاسم تجربتها الواسعة في إدارة المياه مع أديس ابابا ، وجاءت تصريحاتها بعد
أيام قليلة من إعلان رافائيل موراف السفير الإسرائيلي فى إثيوبيا ، أن السلطات
الإسرائيلية تسعى إلى تطبيق نظام الري
الحديث في إثيوبيا.
ومن هذا المنطلق أصبحت إسرائيل شريك غير معلن عنه لإدارة ملف المياه فى
أثيوبيا وبالتالى السيطرة على قرارات الحكومة الأثيوبية فيما يتعلق بسد النهضة ،
ومنح أثيوبية القوة لاستكمال التخزين الخامس فى ديسمبر المقبل دون الالتفات
للتحذيرات المصرية والسودانية ، مما يؤكد أن أى مباحثات فى هذا الشأن لن تأتى
ثمارها ، ويوضح أن الصراع ما بين مصر والسودان من جانب وأثيوبيا وإسرائيل بدورها
الخفى من جانب آخر ، سيكون على أشده فى المستقبل القريب فيما يتعلق بملف المياه.