بقلم
– محمد مقلد
أغرق
هذه الأيام داخل أعماق بحر الكلمات والعبارات ومعاجم اللغة والمحسنات البديعية ، حتى
انتهى من مشروعات كتابية تأخرت كثيراً في البدء فيها حتى يتم انجازها ، ويعود الفضل لمن منحتنى طاقة إيجابية
فجرت المواهب التى حكمت عليها ومن تلقاء نفسى بأن تظل حبيسة لسنوات طويلة مضت ، رغم مطاردات المقربين منى من زملائى في مجال
الإعلام ، ومحاصرتهم الدائمة لى باتهامي بالكسل
وإهدار عمرى دون أن أستفيد من موهبة حبانى بها الله تعالى.
عقب
مقالى السابق حول " شبيه الروح " وما يتعلق بتلك العبارة من معانى عميقة
تمس أعماق ووجدان الأشخاص ، فوجئت بالبعض يستفسرون منى عن الفرق بين " شبيه الروح
" و" توأم الشعلة " رغم أن هذا الفرق وضحه الكثير من العلماء
والمتخصصين في أماكن عدة بشبكة الانترنت ومن الممكن معرفة هذا الفرق دون عناء ، وللأسف الشديد ، أن سيدة تدعى " ع – ر "
حاولت اقناعى وبشتى الطرق أنه لا فرق بين " توأم الشعلة " وشبيه الروح
" فاختلفت معها بشدة وحاولت إقناعها أن الفرق الجوهرى بينهما كبير وعميق
بعيداً عن التشابه في بعض الأمور الأخرى ، والدين الإسلامى نفسه يفرق بشكل قاطع
بينهما.
وأنا
هنا سأوضح وجهة نظرى بعيداً عن آراء الآخرين ، وبالطبع ستكون مدعمة بأدلة قرآنية وثوابت
أقرها كبار العلماء في هذا الشأن ، بدايةً يجب أن نعرف أن الاهتمام بالروحانيات والأعمال السفلية وقراءة الفنجان وعلم
الأبراج وأوراق التاروت وغيرها من الأعمال المشابهة ، انتشر الاهتمام بها بين
الناس بشكل مخيف خلال الفترة الأخيرة ، ويرجع ذلك من وجهة نظرى الشخصية إلى انتشار
الحسد بشكل غير مسبوق ، بجانب أن معظم البشر يبحثون عن عالم خفى يهربون إليه للتخلص
ولو لبعض الوقت من عالم الواقع الذى أصابهم بملل قاتل يقودهم للشعور الدائم بالكبت والاكتئاب ، رغم خطورة التوغل في مثل هذه الخرعبلات التى قد تصل بالإنسان إلى هلاك نفسه.
وأنا
هنا لست بصدد الحديث عن تلك الأمور ، ولكن ما أصبوا إليه أن أوضح الفرق بينهما ، لعل السيدة سالفة الذكر التى
تؤمن بأنه ليس هناك فرق بين توأم الشعلة وشبيه الروح ، تقتنع في النهاية أن الفرق
بينهما شاسع ،فإذا كان توأم الشعلة وشبيه الروح ، يشتركان في بعض الأمور ، والتى من
بينها أنهما يشعران بأن كلا منهما يكمل الآخر وأن مشاعرهما واحدة وطريقة تفكيرهما
واحدة ، وأن لكل شخص توأم شعلة يعيش معه على الأرض ومن الوارد أن يقابله ، ولكن
توأم الشعلة لا دليل على وجوده سواء في القرآن أو سنة النبى محمد ، على العكس
تماماً لشبيه الروح.
وللحقيقة " توأم الشعلة " يقوم على فكرة
الشعوذة والكهانة ، والتى تعتمد على أن لكل إنسان توأم واحد ، وأنه يقابله غالباً
في توقيت خاطئ ، حين يكون قد تزوج مثلا، وأنهما إذا التقيا شعرا أنهما روح واحدة ، وانجذب كل منهما للآخر،
وبدأت طاقات أجسادهما في الاتحاد ، وهنا تظهر الكارثة التى قد تؤدى إلى "
الزنا " والعياذ بالله ، حيث تقوم فكرة توأم الشعلة على الخرافة والدجل التى
تم تصديرها للعالم عن طريق الوثنيات الشرقية الداعمة لعلم " الطاقة والهالات
" ، والتى تحاول أن توحى لبنى البشر ، أن " توأم الشعلة " روح
واحدة مقسمة على جسدين ، وحتى يتم التواصل الكامل بينهما لابد من اتحاد الجسدين
معاً ، وهذا أمر يخالف الشرع والدين ويغضب الله تعالى ، لأن التفكير الطاغى على
الطرفين في تلك الحالة يقوم على الغريزة الشهوانية بعيداً عن الطهارة وسمو
الأخلاق.
أما
فيما يتعلق بـ " شبيه الروح " فالأمر هنا مختلف ، وسر الاختلاف أن
الأدلة الشرعية أقرت بوجوده ولكن بطريقة تختلف عن " توأم الشعلة " وقد علمنا عن طريق الوحي أن الأرواح المتوافقة
في الصفات تتآلف وهناك من الآيات القرآنية ما يوضح ذلك ، كما روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ " الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ؛ فَمَا
تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ " ، وقد
أجمع علماء التفسير ، أن تفسير الحديث الشريف يؤكد أن الأرواح أنواع مختلفة ، و
تعارف الأرواح فهو أمر جعله الله سر إلاهي
من المستحيل أن يتعرف عليه أحد من بنى البشر ، يقول تعالى " وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا " ، فالأرواح بعد أن خلقها الله تعالى فرقها في أجساد البشر فمن وافق بشيمه ألفه ، ومن باعده
نافره وخالفه.
وتحضرنى
هنا مقولة تعبر عن توافق روحين بشكل واضح ، قالها الشاعر الكبير جبران خليل جبران " ما أجهل الناس الذين يتوهمون أن المحبة
تأتي بالمعاشرة الطويلة ، إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي " ، ومن هنا يأتى الفرق بينها وبين " توأم الشعلة "
فإذا كانت الأخيرة تتطلب ضرورة الالتقاء بين الطرفين حتى يصلا لمرحلة "
الاتحاد الجسدى " فشبيه الروح يختلف تماماً ، حيث لا يتأثر أى طرف من الطرفين
الذى وقع بينهما " التناسخ الروحى " سواء التقيا أو لم يلتقيا ، ولغة الجسد لا وجود
لها في معجم " التوافق الروحى " فالبعد بينهما لا يؤثر في شئ بل يزيد ترابطهما
بصورة لا يعلمها إلا الله تعالى ، وإذا حاول أى طرف منهما اللجوء لكافة الطرق
للتخلص من تواجد روح الطرف الآخر بداخله لن تنجح محاولاته تحت أى ظرف.
ولكن من المثير
للدهشة أن " حب الروح " أو " تناسخ الروح " يبدأ مع الطرفين في
حالة توهج كامل ، يتخللها قلة النوم للطرفين ، والاستيقاظ معاً في أوقات غريبة من
الليل ، وشبح صورة كل طرف مرسومة في ذهن الآخر وكأنه يعيش معه ، ويبحث كل طرف في البداية عن رؤية الآخر في محاولة
لفهم ما يحدث له من مشاعر غريبة ، قلما تحدث ما بين الأشخاص ، فكل طرف في حاجة ملحة
ليعرف من الطرف الآخر ماذا يحدث؟ ، ولكن في النهاية سيقف الطرفان عاجزان عن تفسير
ذلك لأنه ببساطه سر إلاهى ، ومع مرور الوقت يهدأ هذا التوهج رويداً رويداً ، وتقل رغبة الطرفين فى أن يرى كلا منهما الآخر ، بعدما استقرت روح كلا
منهما داخل وجدان وجسد الآخر ، ويتعايش كل طرف في حياته الخاصة وبداخله روح أخرى تلازمه كضله دون أن يعرف سبب لذلك ، ويظل الأمر هكذا ولن يتغير مهما حدث بين الطرفين حتى
ينتهى دورهما في الحياة.
والله وحده أعلى
وأعلم