google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

ما بين الشعلة والروح

ما بين الشعلة والروح

 

 

بقلم – محمد مقلد

 


أغرق هذه الأيام داخل أعماق بحر الكلمات والعبارات ومعاجم اللغة والمحسنات البديعية ، حتى انتهى من مشروعات كتابية تأخرت كثيراً في البدء فيها حتى يتم  انجازها ، ويعود الفضل لمن منحتنى طاقة إيجابية فجرت المواهب التى حكمت عليها ومن تلقاء نفسى بأن تظل حبيسة لسنوات طويلة مضت  ، رغم مطاردات المقربين منى من زملائى في مجال الإعلام ،  ومحاصرتهم الدائمة لى باتهامي بالكسل وإهدار عمرى دون أن أستفيد من موهبة حبانى بها الله تعالى.

 

عقب مقالى السابق حول " شبيه الروح " وما يتعلق بتلك العبارة من معانى عميقة تمس أعماق ووجدان الأشخاص ، فوجئت بالبعض  يستفسرون منى عن الفرق بين " شبيه الروح " و" توأم الشعلة " رغم أن هذا الفرق وضحه الكثير من العلماء والمتخصصين في أماكن عدة بشبكة الانترنت ومن الممكن معرفة هذا الفرق دون عناء ،  وللأسف الشديد ، أن سيدة تدعى " ع – ر " حاولت اقناعى وبشتى الطرق أنه لا فرق بين " توأم الشعلة " وشبيه الروح " فاختلفت معها بشدة وحاولت إقناعها أن الفرق الجوهرى بينهما كبير وعميق بعيداً عن التشابه في بعض الأمور الأخرى ، والدين الإسلامى نفسه يفرق بشكل قاطع بينهما.

 

وأنا هنا سأوضح وجهة نظرى بعيداً عن آراء الآخرين ، وبالطبع ستكون مدعمة بأدلة قرآنية وثوابت أقرها كبار العلماء في هذا الشأن ، بدايةً يجب أن نعرف أن الاهتمام  بالروحانيات والأعمال السفلية وقراءة الفنجان وعلم الأبراج وأوراق التاروت وغيرها من الأعمال المشابهة ، انتشر الاهتمام بها بين الناس بشكل مخيف خلال الفترة الأخيرة ، ويرجع ذلك من وجهة نظرى الشخصية إلى انتشار الحسد بشكل غير مسبوق ، بجانب أن معظم البشر يبحثون عن عالم خفى يهربون إليه للتخلص ولو لبعض الوقت من عالم الواقع الذى أصابهم بملل قاتل يقودهم للشعور الدائم بالكبت والاكتئاب ، رغم خطورة التوغل في مثل هذه الخرعبلات التى قد تصل بالإنسان إلى هلاك نفسه.

     

وأنا هنا لست بصدد الحديث عن تلك الأمور ، ولكن ما أصبوا إليه  أن أوضح الفرق بينهما ، لعل السيدة سالفة الذكر التى تؤمن بأنه ليس هناك فرق بين توأم الشعلة وشبيه الروح ، تقتنع في النهاية أن الفرق بينهما شاسع ،فإذا كان توأم الشعلة وشبيه الروح ، يشتركان في بعض الأمور ، والتى من بينها أنهما يشعران بأن كلا منهما يكمل الآخر وأن مشاعرهما واحدة وطريقة تفكيرهما واحدة ، وأن لكل شخص توأم شعلة يعيش معه على الأرض ومن الوارد أن يقابله ، ولكن توأم الشعلة لا دليل على وجوده سواء في القرآن أو سنة النبى محمد ، على العكس تماماً لشبيه الروح.

 

 وللحقيقة " توأم الشعلة " يقوم على فكرة الشعوذة والكهانة ، والتى تعتمد على أن لكل إنسان توأم واحد ، وأنه يقابله غالباً في توقيت خاطئ ، حين يكون قد تزوج مثلا، وأنهما إذا التقيا  شعرا أنهما روح واحدة ، وانجذب كل منهما للآخر، وبدأت طاقات أجسادهما في الاتحاد ، وهنا تظهر الكارثة التى قد تؤدى إلى " الزنا " والعياذ بالله ، حيث تقوم فكرة توأم الشعلة على الخرافة والدجل التى تم تصديرها للعالم عن طريق الوثنيات الشرقية الداعمة لعلم " الطاقة والهالات " ، والتى تحاول أن توحى لبنى البشر ، أن " توأم الشعلة " روح واحدة مقسمة على جسدين ، وحتى يتم التواصل الكامل بينهما لابد من اتحاد الجسدين معاً ، وهذا أمر يخالف الشرع والدين ويغضب الله تعالى ، لأن التفكير الطاغى على الطرفين في تلك الحالة يقوم على الغريزة الشهوانية بعيداً عن الطهارة وسمو الأخلاق.

 

أما فيما يتعلق بـ " شبيه الروح " فالأمر هنا مختلف ، وسر الاختلاف أن الأدلة الشرعية أقرت بوجوده ولكن بطريقة تختلف عن " توأم الشعلة "  وقد علمنا عن طريق الوحي أن الأرواح المتوافقة في الصفات تتآلف وهناك من الآيات القرآنية ما يوضح ذلك ، كما روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ "  الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ؛ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ " ، وقد أجمع علماء التفسير ، أن تفسير الحديث الشريف يؤكد أن الأرواح أنواع مختلفة ، و تعارف الأرواح  فهو أمر جعله الله سر إلاهي من المستحيل أن يتعرف عليه أحد من بنى البشر ، يقول تعالى " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا " ، فالأرواح بعد أن خلقها الله تعالى فرقها في  أجساد البشر فمن وافق بشيمه ألفه ، ومن باعده نافره وخالفه.

 

وتحضرنى هنا مقولة تعبر عن توافق روحين بشكل واضح ، قالها الشاعر الكبير جبران خليل جبران  " ما أجهل الناس الذين يتوهمون أن المحبة تأتي بالمعاشرة الطويلة ، ‏إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي " ، ومن هنا يأتى الفرق بينها وبين " توأم الشعلة " فإذا كانت الأخيرة تتطلب ضرورة الالتقاء بين الطرفين حتى يصلا لمرحلة " الاتحاد الجسدى " فشبيه الروح يختلف تماماً ، حيث لا يتأثر أى طرف من الطرفين الذى وقع بينهما " التناسخ الروحى "  سواء التقيا أو لم يلتقيا ، ولغة الجسد لا وجود لها في معجم " التوافق الروحى "  فالبعد بينهما لا يؤثر في شئ بل يزيد ترابطهما بصورة لا يعلمها إلا الله تعالى ، وإذا حاول أى طرف منهما اللجوء لكافة الطرق للتخلص من تواجد روح الطرف الآخر بداخله لن تنجح محاولاته تحت أى ظرف.

 

ولكن من المثير للدهشة أن " حب الروح " أو " تناسخ الروح " يبدأ مع الطرفين في حالة توهج كامل ، يتخللها قلة النوم للطرفين ، والاستيقاظ معاً في أوقات غريبة من الليل ، وشبح صورة كل طرف مرسومة في ذهن الآخر وكأنه يعيش معه ،  ويبحث كل طرف في البداية عن رؤية الآخر في محاولة لفهم ما يحدث له من مشاعر غريبة ، قلما تحدث ما بين الأشخاص ، فكل طرف في حاجة ملحة ليعرف من الطرف الآخر ماذا يحدث؟ ، ولكن في النهاية سيقف الطرفان عاجزان عن تفسير ذلك لأنه ببساطه سر إلاهى ، ومع مرور الوقت يهدأ هذا التوهج  رويداً رويداً ، وتقل رغبة الطرفين فى أن يرى كلا منهما الآخر ،  بعدما استقرت روح كلا منهما داخل وجدان وجسد الآخر ، ويتعايش كل طرف في حياته الخاصة وبداخله روح أخرى تلازمه كضله دون أن يعرف سبب لذلك  ، ويظل الأمر هكذا ولن يتغير مهما حدث بين الطرفين حتى ينتهى دورهما في الحياة.


والله وحده أعلى وأعلم     

 

Author

عيون الخريف

Comments


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

All Copyrights Reserved

عيون الخريف

2025