بقلم – محمد مقلد
عندما تقلد المهندس كريم بدوى حقيبة وزارة البترول ، تلقيت الخبر وأنا
يسيطر علىً حالة من الاندهاش ، وتساءلت بينى وبين نفسى ، هل جاء هذا الاختيار بسبب
صداقته القديمة للمهندس مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء ، أم هناك أمر آخر غامض
وراء هذا الاختيار الغريب ، فالرجل كما تعرفون قضى سنوات عمله فى شركة معظم
أعمالها خارج مصر ، وبحكم هذا العمل لم يتواجد داخل الوزارة أو الهيئة فى أى منصب
، فهو بعيد تماماً عن مطبخ صناعة القرار بوزارة البترول ، والذى تعودنا أن يخرج منه الوزير الذى يتقلد
أمور هذا القطاع الحيوى.
وبصراحة شديدة تخوفت على الرجل من هذا العالم الغريب الذى وجد نفسه فجأة
وبدون مقدمات يعيش بداخله ، ولكن مع الساعات الأولى
للمهندس كريم بدوى داخل وزارة البترول ، بدأت جميع الأسئلة والاستفسارات التى
تزاحمت فى عقلى تتبخر بإجابات شافية ، كلها تدور بأنه بالفعل " الرجل المناسب
فى المكان المناسب " ولكن هل فى التوقيت المناسب ؟ ، هذه هى المعادلة الصعبة
، فمصر كما تعلمون مثلها مثل معظم دول العالم تعانى بصورة واضحة من مرض مزمن فى
جسدها الاقتصادي.
ولا أخفى عليكم سراً أننى تواصلت مع المهندس كريم بدوى فى اليوم الخامس له
داخل الوزارة ، وكان همى الأول أن أوضح له أن شركات القطاع العام التابعة للوزارة تحتاج لنظرة واسعة منه وانتفاضة شاملة ، لاسيما
فيما يتعلق بالهيكل الوظيفى ، فالرجل كما نعلم كانت أعماله منصبه فقط على ما يتعلق بالحفر والاستكشاف ، وبالفعل وجدت استجابة
سريعة لم أكن أتوقعها ، سواء كانت استجابة بسبب طلبى أو حتى كانت منه هو شخصياً ، فهذا
أمر لا يشغل بالى على الإطلاق ، الأهم هنا النتيجة ، حيث طلب بعض الأمور غير منوط بى ذكرها ، تتعلق
بشركات القطاع العام ولاسيما التى تعمل بمجال التكرير ، ووقتها عرفت أننى أمام
وزير بنكهه أوربية يختلف عن سابقيه ، يريد أن يعرف كل كبيرة وصغيرة عن الشركات
التابعة للوزارة فى أقصر مدة ممكنة لاسيما الشركات التى تعمل فى مجال لم يعمل فيه
من قبل ، وغير ملم بكل خفاياه وأسراره.
لقد أثبت بدوى صحة وجهة نظرى ، بأنه وزير بنكهه أوربية ، ليس لأن مراحل
تعليمه كانت أمريكية ولا حتى قضاءه معظم سنوات عمله بدول أوربية ، ولكن طريقة عمله
داخل الوزارة ، هى التى أكدت تلك الصفة ، فهو كما تابعنا جميعاً يكره وبشدة أن يظل
أى مسئول مهما كان منصبه داخل شركات الوزارة حبيس المكتب المكيف ، بل يميل إلى
الطريقة الأوربية ، التى تقوم على ضرورة أن يتواجد المسئول وسط العمال وقراره يكون
لهم بشكل مباشر ومن موقع العمل نفسه ، وليس من داخل المكاتب المكيفة ، ويا حبذا أن
يرتدى المسئول نفس الزى الذى يرتديه العمال ، ويكون قريب منهم يشعر بما يقدمونه من
جهد وعرق للقيام بعملهم ، ويكون شريك مباشر لهم فى انجاز تلك الأعمال.
وفى الدول الأوربية كما هو معروف ، الحلقة الأولى والأهم داخل الشركات
الانتاجية فى أى مجال سواء بترول أو غيره ، تتمثل فى العمال ، الذين يقع على
عاتقهم انجاز العمل وزيادة الانتاج ، لذلك وجدنا المهندس كريم بدوى كلما زار موقع
أو شركة ، يتصدر حديثه عن أهمية العامل جميع تصريحاته ، ويشدد بشكل واضح على ضرورة
الاهتمام بالعامل ، والعمل على حل مشاكله حتى يتفرغ لإتقان عمله ، واخضاعه لدورات تدريبية بأسلوب علمى تنمى من
قدراته لتواكب كل ما هو حديث وجديد فى مجال عمله
، لأن العامل وبكل بساطة من وجهة
نظر هذا الوزير الأوروبى ، أهم ترس داخل مكينة قطاع البترول ، لذلك أيقنت أن بدوى
سيكون نقطة فارقة فى وزارة البترول , فكل خطواته جعلتنى أراهن على نجاحه بصورة غير
مسبوقة ، والأيام بيننا ، وسوف يكون هذا المقال مرجع لمراهنتى تلك ، سواء استمريت فى عملى بالقطاع ، أو حتى نجحت فيما أسعى إليه حالياً وبقوة لتركه والعودة لعملى الإعلامى الذى أعشقه.
وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية