كيف تمكنت من إجراء حوار مع طبيب بن لادن بدون مقابل؟
رأى الدكتور فضل فى جماعة الإخوان والسلفيين وموقفه من مرسى.
لماذا عارض اغتيال السادات؟ وسر خلافه مع الظواهرى
بدأت أولى خطواتى فى العمل الصحفى والإعلامى عام 1999 ، وحتى أكون صادق
معكم ومع نفسى ، كنت لا أميل على الإطلاق لهذه المهنة لما تحمله من مشقة وتعب بل
وخطورة أيضاً ، حتى جاء اليوم وعدلت عن هذه الفكرة ، وقررت أن أخوض المغامرة بعدما تيقنت أنه لا طريق أمامى إلا العمل بتلك المهنة الشاقة ، فلجئت لأخى وصديق الدراسة والصحافة منير أديب ، والذى يعتبر الآن من
كبار المحللين السياسيين فى مصر كلها ولا سيما فيما يتعلق بملف الإرهاب الدولى ،
وعملت بالفعل بصحيفة آفاق عربية الناطقة بلسان جماعة الإخوان
الإرهابية كمراسل لمحافظة السويس ، ثم تنقلت فى العمل بالصحف المختلفة ، منها
الحقيقة والنبأ والوقائع وغيرها ، حتى التحقت للعمل بصحيفة الوطن خلال عام 2008.
وطل علينا عام 2011 واندلعت انتفاضة يناير ، وكان هذا العام هو عام الخير
لى فى العمل الصحفى ، ففى شهر سبتمبر من هذا العام ، ترك مدير مكتب الوطن بشمال
سيناء العمل بالصحيفة ، فأقحمت نفسى وأصبحت مسئول عن نقل أخبار الصحيفة من شمال
سيناء ، ومن هنا بدأت اهتم بملف " الإسلام السياسى " لأن كما تعلمون أن
تلك الفترة شهدت نشاط ملحوظ للجماعات الإرهابية على أرض الفيروز ، وحققت نجاحات
متتالية فى هذا الملف ، تخللها أحداث وأسرار ربما لم يعرفها أحد سيكون لها مكان
آخر فى هذا الكتاب لسردها بشئ من التفصيل.
وخلال عام 2013 ومع وصول جماعة الإخوان لسدة الحكم فى مصر ، وإخراج قيادات
الجماعات الجهادية من السجون على يد الرئيس الإخوانى الراحل محمد مرسى ، حققت
نجاحات فى ملف " الإسلام السياسى " لم أكن أتوقعها ، حتى أصبحت من أشهر
الصحفيين العاملين فى هذا الملف فى مصر كلها ، رغم أننى مقيم بمحافظة السويس
بعيداً عن أضواء القاهرة ، لدرجة أن مسئولى صحيفة الوطن فى هذا التوقيت طلبوا منى
الاستقرار معهم بالقاهرة وتعيينى بالصحيفة والالتحاق بالنقابة لأعمل معهم بقسم
" الإسلام السياسى " بشكل رسمى ، ولكن ظروف تعيينى كموظف بشركة بترول
حال دون ذلك ، ورفضت العرض وكان ذلك من أسوأ القرارات التى اتخذتها طوال حياتى.
طبيب بن لادن وأخطر حوار
وكانت هناك موضوعات صحفية فى ملف الإسلام السياسى ، ربما كانت علامة مميزة
فى تاريخى الصحفى ، وأحدثت لى نقلة فى هذا الشأن وأصبحت معروف بشكل كبير حتى
لوكالات الأنباء العالمية ، وعلى رأسها بالطبع الحوار الذى نجحت فى إجراءه مع سيد إمام الشهر بالدكتور " فضل " هذا
الرجل الغامض الذى كان يعمل طبيباً جراحاً بمحافظة بنى سويف ، وتاريخه فى ملف
الإرهاب يعرفه القاصى والدانى ، فبجانب أنه كان الطبيب الخاص لبن لادن زعيم "
تنظيم القاعدة " لسنوات عديدة ، كان أول مؤسس لجماعة تنظيم الجهاد فى مصر ،
وفقيه بالنسبة لتلك الجماعة حتى أصبح يطلق عليه لقب " مفتى الجهاد فى العالم
".
وهذا الرجل ظل يحيط به الغموض فى السنوات الأولى لعمله
الجهادى ، فقد كان حريصاً بشكل كبير إلا يكون له أى ظهور أعلامي ، وتعددت أسماءه ما بين " سيد إمام "
و" الدكتور فضل " و" عبد القادر بن عبد العزيز " وتضاربت الأنباء عن حقيقة شخصيته وصلاحياته
التنظيمية والعلمية ودوره الحقيقى سواء داخل التنظيم الذى اسسه فى مصر أو تنظيم
القاعدة نفسه ، لدرجة أن معظم الكتب
والدراسات التى أعدت عن تنظيم الجهاد لم تشر الى اسمه أو أى دور له داخل التنظيم ،
لاسيما وأنه نفسه كان حريص كل الحرص أن يعمل فى سرية تامة ويكون بعيداً عن دائرة
الضوء.
وحرصه الشديد
على أن تكون أدواره داخل تنظيم الجهاد غير معلنة ، وابتعاده بصورة واضحة عن الإعلام
بكافة أشكاله ، جعل معظم أعضاء التنظيم أنفسهم لم يعرفوا حقيقة الأسماء المتعلقة به والتى كانت
تنتشر بين الحين والآخر من خلال تسريبات عبر وسائل الإعلام المختلفة ، وظل اسم سيد
إمام لسنوات طويلة من حياته غير معروف سواء للأجهزة الأمنية أو أعضاء التنظيم ،
فقد تعمد سيد إمام أن يتعامل داخل التنظيم بأسماء حركية ، منها " دكتور فضل
" بجانب اسم آخر أشتهر به بين أوساط الجهاديين بأفغانستان وهو " عبد
القادر بن عبد العزيز " والذى أطلق
عليه عندما تقلد منصب المسؤول عن اللجنة الشرعية لتنظيم الجهاد ، ولم يكتشف
الجهاديون بمصر أو المتابعون لملف تحركات الجهاديين بأفغانستان أن الاسمين لشخص
واحد يعمل طبيباً جراحاً.
عموماً هذا الرجل أنا كنت لا أعرفه ، وبدأت أتعرف على شخصيته وكل ما يتعلق
به ، من صديقى منير أديب ، ففى أحد الأيام كنا جالسين على أحد المقاهى بالقاهرة ،
فإذا بمنير يخبرنى بأنه يريد السفر لبنى سويف للقاء الدكتور فضل لإجراء حوار معه ،
ولكنه متردد لأن هذا الرجل يرفض أى حوارات إلا إذا حصل مقابل ذلك على مبلغ كبير من
المال ، فكان يعشق المال بشكل غير طبيعى
لدرجة أنه حصل على 120 ألف جنيه من صحيفة المصرى اليوم لنشر المراجعات الخاصة به
على صفحاتها ، وكان رجل حاد الطبع لأقصى
درجة قليل الكلام متقوقع داخل نفسه ، ووقتها لا أدرى لماذا طلبت رقم هاتفه من منير
، والذى فوجئ بطلبى ، وأكد لى أن تواصلى مع الدكتور فضل شبه مستحيل ، عموماً حصلت على الرقم ومن هنا
بدأت مغامرتى مع هذا الرجل الغامض و المخيف.
وتركت منير فى هذا اليوم ، وأنا بداخلى إصرار على إجراء حوار مع الدكتور
فضل تحت أى ظرف ، لأن مثل هذا الحوار سينقلنى نقله كبيرة فى عالم الصحافة ، فاتصلت
به لأكثر من مرة ، حتى رد علىً فى النهاية ، ففوجئت برجل بالفعل حاد الطبع ، بدا
فى حديثه معى وكأنه متأذى من هذا الاتصال ، فعرفته بنفسى ، وطلبت منه إجراء حوار
صحفى معه ، فتحول الرجل فجأة وقال لى بالحرف الواحد " حوار أيه ده ، أنت
عارفنى كويس ، أسأل المسئولين عندك بجريدتك عنى وأنت تعرف أننى لا أعمل أى حوارات
إلا إذا حصلت على مقابل لذلك ، فسألته وكم تطلب ، ففوجئت به يطلب مائة ألف جنيه
على الأقل ، بصراحة شديدة ضحكت بينى وبين نفسى دون أن يشعر بذلك ، وأنا أقول لنفسى
ده أنا مفيش فى جيبى عشرة جنيه من الأصل.
عموماً بعد أن استفقت من صدمة المبلغ المطلوب ، بدأت استخدم معه أسلوب
الاستعطاف لعل وعسى ، فقلت له أنا صحفى صغير أبدأ خطواتى الأولى فى هذه المهنة ،
يا ريت تساعدنى وتقف معاية ، اعتبرنى ابنك ، فتعصب بصورة أرهبتنى ، وقال لى بالحرف
الواحد " ولا ابنى ولا غيره " وأغلق الهاتف فى وجهى ، وأنا فى قمة الحزن
والإحباط ، وإذا بى منهمك فى كتابة أحد الموضوعات ، فرن هاتفى المحمول ، فنظرت
لأستكشف من المتصل ، فكانت الصاعقة التى أذهلتني ، أنه الدكتور فضل ، فرديت مسرعاً
، ففوجئت به يوافق على الحوار ويطلب منى أن أتوجه لمحافظة بنى سويف لإجراء الحوار
، وحتى أكون أمين معكم ، كنت لا أمتلك المال الكافى للسفر لتلك المحافظة البعيدة ،
فطلبت منه إجراء الحوار عبر الهاتف وإرسال صورة شخصية له على الميل الخاص بى ،
فوافق واستأذنته فى تسجيل الحوار ، وبالفعل انهيت حوارى معه وأرسلته للصحيفة.
رد فعل مسئولى " الوطن " وخبايا الحوار
وبدأ الجميع داخل الصحيفة يشككون فى الحوار ، وأننى قمت بفبركته من وحى
خيالى ، وبدأ الأستاذ أسامة خالد مدير التحرير وقتها يتواصل معى للتأكد من صحة
الحوار وأننى أجريته بالفعل وهو لا يصدق أننى توصلت لهذا الرجل الذى يلهث خلفه
كبار الصحفيين بقسم الإسلام السياسى دون جدوى ، وأنه وافق على إجراء الحوار معى
وأنا حتة مراسل لا راح ولا جه دون أن يحصل
على مليم واحد منى ، وعندما أخبرته أننى سجلت الحوار ، وافق على نشره بعد موافقة
الأستاذ مجدى الجلاد رئيس تحرير الصحيفة وقتها ، والذى تواصل معى هو الآخر للتأكد
من صحة الحوار ، وبالفعل فى اليوم التالى تم نشر الحوار والذى احتل صدر الصفحة
الأولى ، وصفحة كاملة بالداخل.
حوار الرجل معى كان غريباً بعض الشئ ، ويحمل معلومات وأفكار شاذة بعيدة كل
البعد عن صحيح الإسلام ، ولكن الغريب أنه كان يكره جماعة الإخوان الإرهابية بصورة
كبيرة ، لأنهم من وجهة نظره لم يطبقوا
الحاكمية واللجوء للشريعة الإسلامية فى الأمور المتعلقة بالحكم ، وكًفر من خلال
الحوار كل رئيس يصل للحكم ولا يطبق الشريعة ، وقال بالحرف الواحد أن تلك الجماعة
ترفع شعار " نفسى نفسى ومن بعدى الطوفان " وهو بالفعل محق فى ذلك ، وخير
شاهد ما تعرضت له البلاد عقب ثورة 30 يونية والتخلص من حكمهم على يد الشعب المصرى
، وأكد الدكتور فضل فى حواره أن جميع التيارات الإسلامية ترتدى أقنعة وعندما تزيل
عنهم تلك الأقنعة يخرج لك جماعة الإخوان ، وعندما سألته ما دمت تكفر الحاكم لماذا
رفضت الخروج على الرئيس الراحل حسنى مبارك؟ فجاء رده أنه يكفر كل حاكم لا يطبق
الشريعة فهناك فرق بين تكفير الحاكم والخروج عليه ، لذلك رفضت الخروج عليه لأن
" المفسدة وقتها ستكون أكبر من المصلحة "
وأعترف الدكتور فضل فى حواره ، أن أكبر خطأ وقعت فيه جماعة الجهاد فى مصر
هو اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات ، بعدما تبين له أن العنف المسلح الذى تبنته
جماعة الإخوان وجميع التيارات المنبثقة من عباءتها لم تفلح فى تغيير النظام
باستخدام العنف وإراقة الدماء ، وتطرق الدكتور فضل إلى الحديث عن خلافه مع أيمن
الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة السابق ، وذلك خلال عام 1992 عندما أصدر كتابه «الجامع فى طلب العلم الشريف» ورصد فيه أخطاء
الجماعات الإسلامية فى مراجعاتهم وأسباب فشل العنف ، فلم يعجب الكتاب أيمن الظواهرى
الذى سطا على الكتاب حسب كلام الدكتور فضل ، وحذف ما يقرب من نصفه وغيّر الغلاف بكتاب جديد
وضع اسمه عليه ، وأطلق عليه اسم «التعرية» لمهاجمة أفكار الدكتور فضل فى هذا الكتاب، الأمر الذى دفع الأخير إلى تأليف
كتاب آخر جديد تحت اسم «تعرية التعرية» للرد على الظواهرى.
ولم يعترف الدكتور فضل فى حواره بمراجعات الجماعة
الإسلامية ، واعتبرها مخالفة تماماً لما ورد بوثيقته الخاصة بالمراجعات ، حيث رأى
أن مراجعات الجماعة الإسلامية لنبذ العنف قامت على مبدأ التبرير، فمثلاً حسب كلامه معى ، كتبهم
القديمة كانت تقوم على هذا المبدأ كما حدث فى تبريرهم لمجزرة مديرية أمن أسيوط عام
1981، أما كتبهم الحديثة فكانت تبريراً للمصالحة مع النظام حتى لا يتعرض أعضاء
الجماعة للهلاك، لا سيما وأنهم لم يقبلوا «المراجعات ونبذ العنف» إلا بعد القضاء
على أفراد جناحهم العسكرى، وأوضح أنه كشف فى كتابه «الجامع فى طلب العلم الشريف»
عدة أخطاء وقعت فيها الجماعة الإسلامية فى مراجعاتها موجودة حتى الآن ، أما وثيقته
فقد أكد أنه لم يعتمد فيها على التبريرات ،
واهتم فيها برصد أسباب نبذ العنف دون أى
مزايدات، ووضع «الجهاد» فى صيغة معينة له شروط خاصة للقيام به، لا سيما أن العمل المسلح
لم يحقق الهدف منه حسب كلامه.
الحوار بالفعل طويل ويحمل معتقدات وأفكار ما أنزل الله
بها من سلطان ، ولكن رد فعل الحوار فاق ما كنت أتوقعه ، حيث تناقلت الحوار جميع
وسائل الإعلام والوكالات العالمية ومعظم القنوات الإخبارية فى العالم ، وتلقيت وقتها اتصالات متعددة من قنوات محلية وعالمية للتعليق على ما ورد بالحوار ، وبدأت أعرف
طريق الشهرة بالفعل و أحصل على دولارات لأول مرة فى حياتى من خلال بعض المداخلات
بالقنوات الفضائية .