بقلم – محمد مقلد
قضيت
خلال الأيام الأخيرة أوقات صعبة للغاية لم أمر بها من قبل طوال حياتى ، في ظل ما مررت به من تجارب وأحداث
مختلفة ، شديدة القسوة على نفسى ، دفعتنى
لأقف أمام المرآة لأحاسب تلك النفس ، وأضع يدى على ما لها وما عليها ، وما اقترفته
في حقى وحق الآخرين ، ووجدتنى أرى وللأسف أمامى شخص غريب عنى ، لم أعهده ، ولم
أتعرف على ملامحه ، شخص غليظ القلب ، وضع أخلاقه ومبادئه التى نشأ عليها تحت حذائه
، لم يرأف قلبه حتى بمن أحب ، دخل بقدمية سيرك الوجوه المتقلبة والأقنعة المزيفة ،
ومحى بأفعاله الغريبة عنه كل معانى الطيبة الفطرية التى تولدت بداخله بفعل نشأته
الريفية بما تحمله من نقاء وطهارة .
وبدأت
استرجع شريط الأحداث التى عشتها خلال العام الأخير ، وأنا أسأل نفسى بدموع تتهاوى حزناً
وألماً على الحال الذى وصلت إليه ، أين أخلاقي
وطباعي التى تربيت عليها ؟ أين أنا أيتها النفس ؟ تركتينى أجالس من يغتابون
الآخرين ، وأشاركهم الغيبة والنميمة على غير عادتى ، لماذا تركتينى أغرق في بحر من
النفاق والكذب وأنت تعلمين أنه بحر غريباً عنى وسيكون له تأثيره القوى على عندما
أفيق من غفلتى ، أين أنا أيتها الحاقدة من وقوفى مع المظلومين في وجه الظلمة
والفاسدين ، لا سامحك الله لقد لوثتى أخلاقى ودنستى العادات التى ظللت أحافظ عليها
دوماً ، فما هو الداعى أذاً أن أصلى وأركع خاشعاً بين يدى الله بعد أن أصبحت تلك
طباعى وأخلاقى ، قمة التكلف والنفاق والكذب.
والآن
تحاولى أن تخففى عنى كم الحزن والأسى وما سببتيه لى من ألم مفجع بسبب تصرفاتك
وأفعالك الشاذة ، وتدعى أننى لا أعيش في المدينة الفاضلة وتطالبينى بأن أفيق من
هذا الوهم ، وأؤمن بأن طباع وصفات البشر والمجتمع الذى نعيش فيه لا يقوم إلا على
الكذب والنفاق والنميمة وتعدد الأقنعة وغلظة القلب وضياع الرأفة والرحمة بالآخرين
، ولابد لى أن أقبله كما هو ، وتتهمينى
أننى السبب لاندماجي بصورة أكبر وسط أفراده وتأثرى بهم ، وما دمت وافقت بإردتى حسب
كلامك على انخراطى بهذا الشكل داخل المجتمع ، فما على إلا أن أكون قوى ، غليظ القلب
، حتى لا تدهسنى الأقدام ويضيع كبريائى وكرامتى وسط تلك الغابة التى يأكل فيها
القوى الضعيف ، ولكن هذا ليس مبرر حتى أفقدك وأرتدى جلباب شخص غريباً عنى تحت أى
ظرف.
هل
أنت نفسى حقاً أم نفس شيطان أحمق ؟ لقد
زرعتى بداخلى " سرعة الغضب " وعدم التريس واللجوء للحكمة والعقل قبل
اتخاذ أى خطوة في الأحداث الصعبة التى أتعرض لها ، حتى وقعت بسببك في أخطاء ما زلت أعانى منها ، وغيرت
من نظرتى لكى أيتها المتكبرة المتعالية على خلق الله ، فلماذا أيتها المتسلطة لم
تكبحى جماح قلمى وهو يقسو بشدة على المرأة التى أطلقت عليها لقب " الأميرة " مع أن كل غلطتها أنها حاولت أن تحفظ كرامتها وسط
المجتمع الذى تعيش فيه ، وأن تثبت أنها على حق باعتبارها أمرأه من حقها أن ترفع
رأسها وسط المجتمع النسائى الذى يقوم على الحقد والغل والكيد المتبادل.
فما الذى كان يضيرك أيتها النفس المتسلطة لو
تركتيها تفعل ما تشاء وتقول ما ترغب فيه ؟ وتنقل الأحداث بالصورة التى ترى أنها
ستخرج بها منتصرة ، فأنا في النهاية الرجل وعلى أن أتحمل ، لماذا
تحولتى لحية تبث سموم الآخرين في أذنى ، للنيل منها والتقليل من شأنها ، رغم أنها
وأقسم برب يوسف من أفضل من عرفت في حياتى عقلاً وحكمة ورزانة ، ولكن ظروف الحياة
قست بصورة كبيرة عليها ، فأثرت بشكل أو بآخر على تركيبتها النفسية ، وبدلاً من أن
نقف بجانبها ونحاول أن نقومها نزيد من
همومها وأحزانها ، وأنا هنا رغم أنفك وأنف الآخرين مدان لها
باعتذار رسمى على كل ما بدر منى تجاهها ، وأقول لها على الملأ " أنا بالفعل في
غاية الأسف " ، وأعرف جيداً أن هناك من سيحاول تفسير ذلك حسب أهواؤه وما يكنه
لها من مشاعر بغيضه ، فآرائهم أصبحت لا تهمنى في شئ ، وأنا أعرف ما أقول وأزن الآن
كل كلمة أقولها بعقلى ، ولن أسمح مرة أخرى بالمهاترات ، ومن يريد أن يقاطعنى بسبب
ذلك فأنا لا يشرفنى معرفة مثل هؤلاء من أصحاب النفوس المريضة.
والمقربين
منى رصدوا بدون عناء مدى تأثرى خلال الفترة الأخيرة بما عانيته بسبب ظلم نفسى ومدى
الحزن والألم الذى سيطر علىً ، بعدما قادتنى لعالم غريب عنى ، فقدت فيه هويتى
وشخصيتى الحقيقية ، وعشت بطباع شخص آخر لم أعرفه ، فهناك عدة أحداث مررت بها جعلتنى أفيق من
غفلتى ، على رأسها بالطبع الحدث الذى ذكرته سالفاً ، لقد شاهدت تصرفات وأمور تحدث
بين أشخاص لا يصدقها العقل ، وشاركت في فعل أحداث ما كنت لأشارك فيها لولا ضعف
نفسى لا سامحها الله ، وأخذت قدماى تنزلق رويداً رويداً حتى سقطت في وحل الانحطاط السلوكى
، فأصبحت إنسان فاسد الأخلاق ، لذلك قررت أن ابتعد لفترة عن الجميع لأعاقب نفسى ، حتى تفيق من غفلتها وتعود لصوابها
وتفتح صفحة جديدة معى ونعود لطريقنا الذى ضاع منا لبعض الوقت على أمل أن يسامحنى
الله على ما اقترفته نفسى خلال تلك الفترة العصيبة ، واعتبرها أيام لم أشعر بها
ولم أعيشها من الأساس.
فالله
تعالى يقول في كتابه الحكيم ، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت
لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم
أولئك هم الفاسقون) صدق الله العظيم ، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طالبنا
أن نبدأ بمحاسبة أنفسنا من غير جلد للذات ولا إحباط ولا يأس ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ( حاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ) لذلك وحتى أنجح في هدفى بالابتعاد بشكل كامل عن البيئة التى أعيش فيها الآن ، لقد
قررت أن أفتح صفحة جديدة مع نفسى والآخرين ، واتمنى ممن يتعامل معى أن يتعامل
بالحسنى ، و يكون حذر وإلا فليبتعد عنى ، حتى يأمن ردة فعلى لأنه وقتها سيكون هو
من أخطأ في حق نفسه وعليه أن يتحمل عواقب ذلك.
اللهم قد
بلغت اللهم فأنت الشاهد