بقلم – محمد مقلد
الذكاء العاطفي هو مهارةُ خاصة لا يتمتع بها كل أفراد المجتمع ، فالذكاء العاطفى موهبة يكتسبها الإنسان من الخبرات التى يتعرض لها يومياً من خلال الأحداث المختلفة التى تمر عليه ، وهو بلا شك يحمل أنواع مختلفة للتعامل مع الآخر ولكن ما أقصده الآن في هذا المقال ، الذكاء العاطفى في الحب ، الذى يساعد صاحبه على فهم انفعالات الطرف الآخر واستنتاج ما يفكر فيه من خلال تصرفاته وايماءاته والحركات اللاإرادية التى تصدر عنه ، فيحرص صاحب هذا الذكاء على تجنّبِ ما يتسبّب في امتعاض ونفور الطرف الآخر قدر المستطاع.
فالذكاءُ
العاطفي بوجه عام خبرةٌ عملية تتراكم وتتكرّس بالممارسة الشخصية أو عن طريق
مراجعة تجارب الآخرين ، وتعضدها المراجعةُ النقدية لأسلوب التحدّث والسلوك
والمواقف المتنوعة عندما يعاشر الإنسان إنسان آخر داخل المجتمع ، والفرق يكون واضح
وكبير بين من يتمتع بالذكاء العاطفى في الحب وغيرهم ممن صعب عليهم الوصول لتلك
الدرجة من الإدراك العقلى والحسى ، وينجح
الذكى عاطفياً في تفسير كل المواقف والتصرفات التى يقوم بها الطرف الآخر في
العلاقة الغرامية.
وفى
حال وقوع خصام أو تباعد بين طرفى العلاقة الغرامية ، هنا يظهر دور الذكاء العاطفى
في تفسير مواقف وتصرفات أى طرف من الطرفين ، فعلى سبيل المثال إذا أظهر أحد
الطرفين عدد من المواقف أو الأقوال التى تبين فى ظاهرها أنها تبعث برسالة كره وعدم
قبول الطرف الآخر ، فالشخص العادى هنا يأخذ تلك التصرفات بأنها حقيقة مسلم بها
ويعتقد أن الطرف الآخر يكرهه بالفعل ، مع أن تلك التصرفات في غالب الأحيان تدل على
شدة الحب ، فليس من الضرورى في هذه الحالة أن أحاديث الإساءة مقصودة بهذا المعنى
ولكن تصدر من أحد الطرفين بسبب غضبه من الطرف الآخر في موقف ما أو ظرف مر بينهما.
والذكاء
العاطفى يختلف بشكل كبير عن التواصل العقلى والحسى بين طرفى العلاقة الغرامية ،
وأى طرفين لا يصلا لتلك المرحلة إلا إذا تعديا مرحلة الحب الظاهرى ووصلا لمرحلة العشق
الوجدانى ، فالحب الظاهرى كما هو معروف يقوم على أمور شكلية تعتمد على المظهر
والشكل وملامح الوجه والجسد لدى المرأة ، فهو هنا أقرب لحب الشهوة الجنسية بعيداً
عن لغة الأرواح ، وفى غالب الأحيان ينتهى هذا الحب لأنه اعتمد على اساسات واهية
غير راسخة داخل وجدان المحبين.
أما
العشق الوجدانى فيعتمد في المقام الأول على تواصل الأرواح بين المحبين ، حتى يصلا
معاً إلى عدم إلمام كل طرف بملامح وجه الطرف الآخر ، بل وتصل معهما الأمور على عدم
جدوى أن يتقابلا معاً حتى ينمو العشق في قلبيهما
، والغريب هنا أنهما كلما تباعدا تزداد درجة العشق في قلبيهما ، وتقوم
وسيلة التواصل بينهما رغم الابتعاد على هذا الحبل الحسى الذى نشأ بينهما بفعل التقارب
العقلى والفكرى وذوبان الأحساسيس والمشاعر الوجدانية بينهما ، وهذه النوعية من
الحب قليلة للغاية في هذا العصر الذى سيطرت عليه حالة التجمد واللهث وراء المادة.
أما
أغرب شئ يحدث مع من يصلا لدرجة العشق الوجدانى ، أن تصرفاتهما وطريقة تفكيرهما
ربما تكون واحدة في غالب الأحيان ، وميلوهما ونظرتهما للحياة والمحيطين بهما واحدة
أيضاً ، وفى حال الانفصال بينهما لسبب أو لآخر ومهما كانت طبيعة الأزمة بينهما فمن
المستحيل أن يضيع العشق من قلبيهما حتى لو انفصلا دون رجعة ، ويظل الحبل الحسى
بينهما متواصل يفعلان أشياء متقاربة في نفس الوقت ، يغضبان ويفرحان ويتشائمان
ويتفاءلان في آناً واحد ، يخطان بأيديهما
عبارات وجمل متقاربة ، وكل طرف منهما يشعر بما يمر به الطرف الآخر دون أن يراه أو تنقل له أخباره.
وهذا الأمر الغريب جعل البعض يتهم القرين في
تفسير تلك الظاهرة ، والقرين كما نعلم هو شيطان من الجن متواجد تحت الأرض يلازم
الانسان في حياته حتى يجبره على المعصية ، وقد ذكر في القرآن الكريم في قوله
تعالى ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا
أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) كما روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها
قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم "أو معي شيطان؟ قال نعم، قلت ، ومع كل إنسان، قال ، نعم، قلت ، ومعك يا رسول الله؟ قال ، نعم! ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم"
فقد رأى بعض المفسرين
أن التواصل العقلى والفكرى بين العاشقين في حال الانفصال بينهما ، ربما يقع عن طريق مساعدة قرين كل طرف من طرفى
العشق ، وهذا الأمر مردود عليه بأن القرين من المستحيل أن يعرف ما يفكر فيه صاحبه
ولكن يطلع على تصرفاته بعد وقوعها ، فيما خرج بعض علماء النفس ليفسروا تلك الظاهرة
وفقاً لتطابق الصفات السلوكية والعقلية بين الطرفين ، مما يجعلهما يفكران ويتصرفان
بشكل متشابه معظم الوقت ، عموماً مهما كان التفسير فتلك الظاهرة الغريبة بين
العاشقين لا يعلم سرها إلا الله تعالى وعلى جميع العلماء ألا يجتهدوا في هذا الأمر
ويتركوها لله وحده حتى لا تزيد من الخرافات وأمور الشعوذة الغير مقبولة.
اللهم قد بلغت اللهم فأنت الشاهد