بقلم – محمد مقلد
إنما الأعمال بالنيات ، ولا يعلم النوايا إلا الله تعالى ، ولكن وللأسف
الشديد وصل الذكاء الوهمى لعدد كبير من البشر لدرجة أن يفسروا ما فى نوايا الغير
بالشكل وبالطريقة التى توافق آرائهم وترضى غرورهم ، ومن هذا المنطلق أصبح من
المستحيل أن تقنع أحد بنيتك الحقيقية فى أى قضية أو موضوع معين ، فمثل هؤلاء سيطر
عليهم الحقد والغل وسواد القلوب وما أكثرهم فى هذا العصر ، ومن هنا أنت لست مضطر
إلى أن تحاول أن تثبت لهذه النوعية من أشباه البشر ما داخل نيتك ، وما عليك إلا أن
تقول ما تصبوا إليه بالفعل ولا تنتظر أراءهم و تترك الحقد والغل يأكل قلوبهم.
والتشكيك فى النوايا يدفع الإنسان إلى معادلة صعبة ميزانها دائماً مختل
فهناك أيادى تعبث فى كفتى الميزان حتى لا تتساوى تحت أى ظرف ، أنها معادلة تجعلك
دائماً فى حيرة من أمرك ، فإذا واجهت فى حياتك أى مشكلة مهما كان نوعها ، وأدت بك
إلى نوع من أنواع الخصومة ، تجد نفسك أمام أمرين ، ففى حالة سكوتك يفسرالبعض هذا
السكوت بشكل خاطئ ، وتتهم بالضعف وقلة الحيلة والخوف وغيرها من الصفات والاتهامات
التى تثير بداخلك النخوة والاعتزاز بالذات ، وإذا تحدثت ودافعت عن ذاتك ، تفاجئ
بنفس الأشخاص ممن اتهموك بالضعف يفسرون
كلامك هذه المرة بشكل مغاير تماماً ، وكأنهم فى كل مرة يقتحمون نيتك ويفسرون تصرفك
حسب ما يرون هم وكأنهم جهابذة مطلعين على ما فى القلوب وداخل النوايا.
ومن الطبيعى أن يختلف تعامل الأفراد مع مثل هذه الحالات ، فمنهم من لا يميل
للسكوت مهما كانت نتيجة كلامهم لأن تلك طبيعتهم لا يصمتون على الاساءة أو مجرد
التلميح لهم بالإساءة ، وكاتب هذا المقال من هذه النوعية ، فهى صفة جينية من الصعب
تغييرها بين يوم وليلة ، وهناك فريق آخر يميل بشكل واضح للصمت التام ومثل هؤلاء
لديهم قناعة واضحة بأن السكوت كفيل بأن ينهى أى خصومة مهما كانت الاساءة التى
يتعرضون لها على يد خصومهم ، وهو أمر
بصراحة شديدة لا أميل له ولاسيما فى هذا العصر الذى نعيش فيه ، لأنك فى النهاية
ستصبح ملطشه لكل من هب ودب ، وهو أمر غير مقبول بالمرة ، وبين هاذين الفريقين يوجد
فريق رمادى ، يدعى الصمت وأن السكوت من ذهب ، وألسنتهم وأفعالهم لا تتوقف عن
محاصرة خصمهم ، ومع أنهم يعلمون علم اليقين أنهم مكشوفين وتصرفاتهم مفضوحة أمام المحيطين بهم ، إلا أنهم يستمرون على نفس
النهج وكأنهم يعيشون وحدهم فى هذه الحياة لا يراهم أحد.
أما بالنسبة لما يتعلق بفلسفة جحا والتى يعلمها الجميع ، تلك الفلسفة التى تقوم على مقولة " وأنا مالى خلينى فى حالى
" وجدتها من وجهة نظرى فى وقت من
الأوقات أزمة حقيقية يمر بها مجتمعنا وجعلته
مجتمع مفكك كل فرد فيه لا يهمه إلا نفسه وفقط ، ولا دخل له بأزمات ومشاكل الآخرين
، وبصراحة شديدة أنا كنت مخالف تماماً لفلسفة جحا هذه فى بداية الأمر ، ولكن فى
الفترة الأخيرة ، أرفع القبعة لجحا على تلك الفلسفة ففى هذا الزمن إذا أقحمت نفسك
فى مشاكل الآخرين ربما تخرج أنت صاحب ومؤجج تلك المشاكل ، وأنا وللأسف الشديد أقول
ذلك وأنا فى قمة الحزن والأسى على الحال الذى وصلنا إليه ، وإذا لم نفيق مما نحن
فيه سنجد أنفسنا نسير فرادى داخل مجتمع سيصبح أسمه غريب عن معناه.
اللهم قد بلغت اللهم فأنت الشاهد