google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

ملعون أبو الوظيفة

 




يوميات فاهم أفندى

 


عاد فاهم أفندى كعادته يومياً فى الفترة الأخيرة من عمله مهموماً ، يسيطر الحزن عليه بصورة جعلته لا يرى من حوله ، ولم يلق حتى السلام على محروس البقال أعز أصدقائه ، وكأنه لا يراه ،  وبمجرد أن دخل منزله ، ألقى بجسده المنهك على أول كرسى قابله ، وسقطت رأسه رغماً عنه بين كفيه ، وعينيه تراقب شيئاً ما بين قدميه ، فإذا به جرس الباب يلاحقه ، فنادى بصوت مكبوت دون أن يعدل من وضعه ، تعالى يا محروس الباب مفتوح.

 

فدخل محروس وفوجئ بصديق عمره فى تلك الوضعية التى تعكس مدى ما يشعر به من ألم ومرارة ، فبادره بالسؤال ، أيه مالك يا فاهم يا أخويا ؟ وكرر سؤاله عدة مرات ، دون أن تسمع أذنيه أى إجابة من صديقه ، فاقترب منه ورفع رأسه وهو يكرر نفس السؤال ، مالك يا... ، وقبل أن يكمل سؤاله هذه المرة تسمر لسانه بعدما فوجئت عيناه بدموع صديقه وهى تتمايل ببطئ على خديه ، يييييا أنت بتعيط يا فاهم ، أيه اللى جرى يا فاهم مالك.

 

وبعد أن تخلص فاهم من دموعه ، بدأ يعيد بعض الذكريات مع محروس ، فاكر يا محروس أول يوم أتوظفت فيه ، فاكر أنا قلتلك أيه وأنت كنت فرحان قوى ، قلتلك وقتها أنا مش بتاع وظيفة ده مجتمع غريب عليه وخايف منه ، فقاطعه محروس أيوه فاكر ، ووقتها قلتلى دى حبسه يا عم وكلها قرف ووجع قلب وطبيعة شخصيتك مش هتتأقلم على جو الوظيفة خالص ، وعايزه تعامل خاص مع بشر مختلفة فى الطباع والأخلاق ، وأنا ساعتها شجعتك وقلتلك  ياعم خليها على الله هو حد طايل.

 

كويس إنك فاكر كل حاجة يا محروس ، أهو اللى كنت خايف منه لقيته وأسوأ مما كنت أتوقع ، بصراحة يا محروس ملعون أبو الوظيفة لو كانت بالشكل ده ، أنا فى حياتى مشفتش كده أبداً ، عارف المشكلة فين يا محروس ، المشكلة أن معظم الموظفين فى الشركات والمديريات المختلفة  وغيرها مبيعملوش حاجة خالص ، وقاعدين ساعات طويلة مش وراهم غير النميمة والوقيعة بين زملائهم ، وأساتذة فى نصب المؤامرات والحيل ومش عارف ليه.

 

المصيبة يا محروس أنك عشان تتأقلم فى جو الوظيفة ده ، لازم تكون مؤهل ليها وتتمتع ببعض الصفات الخاصة عشان تقدر تكمل سنوات سجنك فيها ، فأنا من وجهة نظرى إنها سجن كبير بيضيع نص عمر الإنسان على الفاضى ، فقاطعه محروس قائلاً ، صفات ، صفات أيه دى ..... ، فرد عليه فاهم بقوله ،  خد عندك يا سيدى ، أول حاجة لازم تكون بارع  فى ارتداء أقنعة الرياء ، وتبقه استاذ فى النفاق والكذب ، وأوعى تنسى أنك تكون متميز فى النميمة ونقل الكلام والتجسس على زملائك ،  وأنا لو مسئول أغير مسميات رؤساء الأقسام ومديرى الإدارات الخاصة بالوظيفة  ، فيكون هناك مدير إدارة النفاق ، ومدير إدارة الكذب وخدمات التضليل ، ورئيس قسم العصافير ، ومدير إدارة الضرب من تحت الحزام ، ورئيس قسم التلقيح بالكلام ، ومدير إدارة دلعنى يا.

 

حديث فاهم أفندى جعل محروس البقال فى حالة ذهول الدهشة تكسو وجهه ، فسأل صديقه وهو منزعج ، بجد الكلام اللى أنت بتقوله ده يا فاهم ...... بجد ، بجد أيه يا محروس ده اللى أنت سمعته ده ميجيش واحد فى المليون من اللى الواحد بيشوفه ، يا راجل دى وصلت أن بعضهم عشان يثبتوا أنهم أصحاب حق بيقسموا بالله وبكتابه وهم على يقين بأنهم كذابين ، شفت وصلت لحد فين يا محروس ، يا أخى ملعون أبو الوظيفة اللى توصلنا لكده ، وواحد تانى تلقيه لسه كان قاعد ياكل مع زميله ويدوب يسيبه ويمشى وأول واحد يقابله تلقيه بيقطع فى فروته ولا أكنه كان قاعد معاه أصلاً ، هو فى أسوأ من كده يا أخى.

 

أنت عارف يا محروس ، الخيبة الكبيرة ، أنك ممكن تكون فى مكتبك مع زملائك ، وهاتك يا ضحك وهزار مع بعض ، ويدوب تطلع من باب المكتب تلاقى سيمفونية التقطيع فيك شغالة ، ولما ترجع تلقيهم بصوت لا يكاد يخرج من أفواههم " خلاص خلاص ، عشان جاى أو جاية "  وخد عندك بقه أساليب التلقيح بالكلام  بين زملاء المؤسسة الواحدة ، لا يا أخى وتلقيهم فى توجيه الاتهامات لرئيس شركتهم أو وكيل الوزارة بتاعهم زى القطر ، وكأنهم ملائكة سقطوا غفوة من السماء ، يا محروس يا أخويا ده فى حاجات تانية كتير عيب الواحد يتكلم فيها ، هبقه أقولك عليها بعدين.

 

المشكلة يا محروس ، أنا لما دخلت عالم الوظيفة كنت بأحاول قدر المستطاع أن أحافظ على طباعى ومبادئ شخصيتى لأقصى درجة ، ولكنى وللأسف فشلت وسقطت مثلى مثلهم فى الوحل ، وتشوهت صورتى وضاعت سمعتى التى كنت أعيش عليها ، وعندما استفقت مما أنا فيه ، بدأت رحلة اعادة نفسى التى ضاعت منى وسط أدغال تلك الغابة التى لا ترحم ، ولكن كيف وأنت مجبر أن تعيش وسط هؤلاء ، ومجبر أن تشاهد وجوه لا تريد أن تراها ، وتتعامل مع شخصيات أنت تعرف جيداً مدى كذبهم ونفاقهم ، وهذا لا يمنع أن هناك شخصيات بالفعل محترمة ولها مبادئ ما زالت تحافظ عليها ، ولكنهم قلة للأسف الشديد.

 

أنت عارف يا محروس ، أنا كنت بأحلم أن الزملاء فى المؤسسة الواحدة يجمع بينهم الحب والمودة والاحترام المتبادل ،  والتمسك بمبدأ " حب لأخيك كما تحب لنفسك "  ، فزملاء الوظيفة يقضون مع بعضهم البعض أوقات طويلة ربما تفوق الأوقات التى يقضونها مع أسرهم وعائلتهم ، ويؤمنون بأن كل شئ نصيب وكل ما يحدث لهم كله من تقدير الله سبحانه وتعالى ،  وأثناء حديث فاهم أفندى ، ابتسم محروس ابتسامة غريبة ، ونهض من مكانه ، وقال لصديقه " عن أذنك يا فاهم الدكان لوحده " ، وأثناء مغادرته ، نظر له فاهم وهو يتمتم ، يا بختك يا محروس.     

    

 

    

  

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف