بقلم – محمد مقلد
طوال حياتى وأنا أفضل لنفسى أن تعيش فى هدوء ، بعيداً عن المشاكل
والمهاترات ، أحاول أن أنأى بها عن التعامل مع الآخرين ، وأعتبرها أقرب صديق لقلبى
تهون علىّ وأهون عليها ، نقضى أوقات طويلة نتحدث سوياً ، أحكى لها عن أدق أسراري ،
تخفف عنى حزنى وألمى ، وأنا دائماً أعدها
بأن أحافظ على هدوئها واستقرارها ، وكل المعارك التى خضتها طوال عملى بمهنة البحث
عن المتاعب ، كنت أحرص بصورة كبيرة أن أجعلها بعيدة دائماً ، حتى لا أرهقها معى وأحافظ
عليها من الإصابة بأى أذى.
وعشت سنوات طويلة معها يجمع بيننا الحب والمودة والاحترام المتبادل ، أحاول
قدر الإمكان أن أحافظ علي كرامتها ، أبعدها عن الإهانة أو التقليل من شأنها ، حتى
جاءت التجربة الأخيرة ، تلك التجربة التى خرجت منها بنتائج بعضها ربما يكون مفيد
لكلانا ، والبعض الآخر كان قاسى على نفسى وحدها ، قاسى بصورة صعبة للغاية ، أصابها
بشرخ وألم عميق من المستحيل التخلص منه مهما كان العلاج ، ألم سيظل طوال ما تبقى
من عمرى ينزف الحزن والأسى دون توقف ، لذلك وجدتنى أقف أمامها لا أقوى على مواجهتها
، لا حيلة لى إلا أن أقول لها " أنا
آسف ,, سامحينى ,, حقك علىّ "
ولكن هيهات كيف لها أن تسامحنى وتغفر لى خطأى ، وقد نصحتنى أكثر من مرة ،
أن أكن حريص فى تعاملى مع الآخرين ، لقد قضت أوقات طويلة تحذرنى من الوقوع فى
الخطأ ، وأن أظل كما أنا محافظ على وقارى ومكانتى الاجتماعية التى تعبت كثيراً
طوال حياتها لأفرضها على الجميع ، وأضعها فى صورة محددة تجعل الآخرين يقدرونها
ويكنون لها كل التقدير و الاحترام ، لقد نصحتنى أكثر من مرة أن أتخلص من سرعة
الغضب التى سيطرت على تصرفاتى ، وأن أكون شخص حليم لأقصى درجة ، وأن أتريث فى
اتخاذ القرارات دون انفعال حتى لا أهدد حياتى وأخسر كل شيئ جميل فيها.
نصحتنى بألا أصدق أى شخص ولاسيما فى هذا العصر بسهولة ، ولا أقترب من أحد
مهما كان ، وألا أتعامل مع أى شخص إلا إذا أيقنت أنه حالة شاذة تختلف عن معظم
البشر من أصحاب الذمم الخربة والأخلاق الذميمة ، فنفسى كانت تخشى علىّ من الانخراط
وسط المجتمع والتعامل مع أفراده بحسن نية ، حتى لا أسقط تحت عجلات الوجه القبيح منه وأغرق فى أعماق بئر الرذيلة
وغياب الضمير ، مجتمع سيطر عليه أصحاب الأقنعة المتعددة والوجوه المزيفة التى
تحتاج إلى ثعلب ماكر حتى يستطع التعامل معهم.
لقد نلت قسط كبير من اللوم والتوبيخ من نفسى ، بسبب طريقة تعاملى مع تلك التجربة
القاسية ، فلم يعجبها منى سرعة الغضب التى حولتنى لأسد جائع يلتهم كل من يقابله
دون رحمة أو هوادة ، سرعة غضب جعلتنى أقسو على الطرف الآخر دون أن أضع أمامى أموراً
لا أريد أن أبوح بها ، لقد اتهمتنى نفسى بأننى فقدت صوابى وكنت أتعامل بدون فكر لشخص
فقد عقله تماماً.
وعندما حاولت أن أقنعها أننى كنت
رد فعل ، وأحافظ على كرامتى ومكانتى بين الآخرين ، زاد غضبها منى واتهمتنى بأننى المتسبب
الأول فى تفاقم الأمور وتصاعدها بسرعة كبيرة ، وبدأت تسألنى ، أين حكمتك ورزانتك ؟
أين ذهب عقلك ؟ لماذا تقع فريسة لغضبك بهذا الشكل وتجعله يتحكم فيك ويسيطر عليك
وعلى تصرفاتك لهذه الدرجة ، أفيق مما أنت فيه وعد لصوابك ، وسيطر على نفسك وأقتل
الغضب بداخلك ، وحكم عقلك فى تعاملك مع الآخر ، ووقتها ربما أتناسى ما فعلته
فى حقى ، وأسامحك على اهانتك لكرامتى والتقليل من شأنى ومكانتى أمام الناس ، وحتى
تحقق ما طلبته منك ، سيظل الفراق يحكم بيننا وطريقى يختلف عن طريقك
هداك الله وسدد خطاك على الطريق الصحيح