بقلم – محمد مقلد
الفساد كلمة تحمل معانى متفرعة ، فليس بالضرورة أن يتعلق
الفساد بسرقة المال العام ، أو مخالفة القوانين واللوائح ، أو نهب حق من حقوق
الدولة ، فهناك أنواع أخرى ومتنوعة من الفساد ، منها على سبيل المثال لا الحصر ،
الفساد الأخلاقى والفساد الوظيفى ، والفساد التربوى.
فالفساد فى المجمل سلوك منبوذ ، من شأنه أن يؤثر على
استقرار الدول فهو يشبه السوس الذى ينخر فى عظام أى كيان ومع الوقت ينهار ،
لانتشار السوس فيه بشكل مريب دون أن يجد من يقضى عليه قبل فوات الأوان ، وفى
النهاية يحّمل العامة من الناس القيادة السياسة ورموز النظام فى أى دولة مسئولية
انهيار الاقتصاد بها ، علماً بأن مثل هؤلاء المفسدين هم ركن أساسى فى هذا
الانهيار.
والغريب أن نجد البعض يحاول أن يلقى بالمسئولية على
القيادة السياسية فى نظام أى دولة ، لتركهم مثل هؤلاء المفسدون يعبثون فى مقدرات
الدولة دون حسيب أو رقيب ، ولكن هؤلاء جانبهم التوفيق فى رأيهم هذا ، فبأى منطق
نطالب الكبار بترك مسئولياتهم الجسام التى تمس أمن واستقرار البلاد ، والتفرغ
لمطاردة أوكار الفساد والقضاء على أصحاب الكروش المنتفخة ، ممن استحلوا الحرام وفضلوا
مصلحة جيوبهم الشخصية على المصلحة العامة للدولة.
فهى مسألة معقدة تتعلق فى المقام الأول بالضمير ، ولكن
أى ضمير الذى سيحاسب هؤلاء ويجعلهم يرتدعون عن طريق الشيطان هذا ، بعدما أصبحت
هناك مقابر جماعية ، معلق عليها لافتة مكتوب عليها " مقابر الضمير ".
ومن هذا المنطلق ومع تولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم فى
مصر ، بدأ الرجل يفكر فى القضاء على أوكار الفساد ، لأنه يعلم جيداً أن انتشار
الفساد فى المؤسسات والشركات والهيئات المختلفة ، يمثل أكبر عدو يواجهه اقتصاد أى
دولة فى العالم ، لذلك قرر أن تكون هناك إدارة داخل كل وزارة ، أطلق عليها اسم
" ادارة المراقبة والمتابعة " تكون مهمتها مراقبة أعمال كل شركة أو
مؤسسة أو حى ، واصدار تقرير مفصل شهرياً حول أعمال تلك الجهات مالياً وادارياً ،
ورفع تلك التقارير للوزارات المختصة لاتخاذ اللازم ، إلا أنه وللأسف الشديد أصيبت
معظم تلك الإدارات بتقاعس واضح فى أداء واجبها المنوط بها.
ولا يخف على أحد ، أن هناك علاقة وثيقة بين الفساد
الوظيفى والفساد المالى ، وهو ما أميل أن أطلق عليه اسم " الفساد الوظيمالى
" لأن تلك النوعية من المفسدين يستغلون وظائفهم فى نهب أموال الدولة ، أو
إهدارها بإهمالهم وسوء إدارتهم ، ويتفنون فى مخالفة اللوائح والقوانين ، لتحقيق
مصالحهم الخاصة ومصالح المقربين منهم ، فهؤلاء حولوا مؤسسات الدولة لعزب خاصة بهم
يفعلون فيها ما شاءوا وقتما شاءوا ، بعدما فرضوا سيطرتهم عليها بشكل كامل وكأنها
من أملاكهم الخاصة.
وتعتبر " بطانة السوء " فى أى مؤسسة أو جهة حكومية ، هى الذراع
الشيطانى الذى ينسج خيوطه العنكبوتية على المسئول الأول بتك الجهات ، ويتحول بقدرة
قادر ومع تكثيف جرعة بث السموم من هؤلاء الثعابين ، إلى تابع لهم ينفذ أوامرهم
وكأنه مرؤوس لهم وليس العكس ، وفى سبيل تحقيق هدفهم هذا ، أما أن يورطوه فى أى أمر
خاطئ ليكن تحت رحمتهم ، أو يغروه بالمال الحرام حتى يسقط معهم فى بئر الفساد ، ومن
هنا يصبح القرار داخل المؤسسة قرارهم ، والرأى رأيهم ، وريداً رويداً يتحول إلى
خيال مآتة وجوده مثل عدمه.
فأى مسئول يريد أن يحقق النجاح للمؤسسة التى يديرها ، فلابد له أن يتخلص من " بطانة السوء " ويبعدهم عنه ، ويعتمد على الخبرات من أصحاب السمعة الطيبة ، الذين يرجحون الصالح العام للمؤسسة والدولة دائماً على مصلحتهم الشخصية ، ولكن للأسف الشديد ، انتشرت بطانة السوء بشكل مريب خلال الفترة الأخيرة فى معظم المؤسسات والهيئات ، وتمكنوا من السيطرة واحكام قبضتهم الحديدية على كل شئ ، حتى تحولوا إلى طاعون تأن منه جسد الدولة بالكامل.
وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية.