google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

دقة قلب

 

دقة قلب



بقلم – محمد مقلد



عاش حياته منطوياً بعيداً عن الناس ، ظروف نشأته الأسرية أثرت بشكل واضح على سلوكه وشخصيته ، ونمت بداخله حالة من الخوف دفعته لعدم الانخراط فى المجتمع والتعامل مع الغير ، وظل يصارع هذا المجتمع وإلغاء فكرة التكيف معه ومع أفراده من عقله بشكل صارم .

 

ظل صاحبنا هكذا ، داخل حلبة الصراع مع أعاصير الحياة ، وحيداً منفرداً ، لا يبالى بما يدور حوله ، دائماً ما يفشى بأسراره ومشاعره المتباينة بين الفرح والحزن لنفسه فقط ، حتى أصبحت هى الصديق الأقرب لقلبه.

 

ومع تحرك قطار العمر والوصول لمحطات تدفعه رغماً عنه للتنازل ولو عن جزء ضئيل من عزلته ، وتجبره على التعامل مع فصيل معين من الناس ، فضل أن يظل محتفظاً بسلوكه الانطوائي ، فهو قليل الكلام مهما كانت أهمية موضوع الحوار مع الآخرين ، فلم يجهد عقله للتعبير عن رأيه فى مثل هذه الأمور ويحتفظ به لنفسه ، لا يميل للجدال والاختلاف حتى فى وجهات النظر ، وأسقط من قاموس حياته  العبارة الشهيرة " الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية " فهو رافض للرأى الآخر مهما كانت رجاحته ، فقد سيطرت عليه أنانية التفكير، فما يصدر عن عقله هو الصواب دون نقاش ، وغير ذلك لا يجدى بالنسبة له مهما كانت الآراء من حوله.

 

أنه فاقد الثقة فى المجتمع بالكامل ، لا يثق فى أفراده ، لا يثق فى الأحداث التى تدور من حوله مهما كانت حقيقتها ، نشأته الاجتماعية فرضت عليه أن يعيش خلف أسوار حديدية حصينة ، وأبواب مغلقة جميع مفاتيحها ملقاة فى قعر بئر عميق يستحيل على أى شخص أن يصل إليها.

 

عندما تجده بين الناس ، تشعر أنه شارد الذهن ، أذنية لا تسمع أى شئ من كلامهم ، وعينيه هاربة دائماً منهم ، وعقله لا يستوعب أحاديثهم ، لأنه ببساطة لا يشغل نفسه بهذا كله ، وفى الغالب يكون منشغل بالتفكير فى أمور بعيدة تماماً عنهم ، وكأنه بالفعل معزولاً غير متواجد بينهم ، وربما لو سأله أحدهم عن أى أمر متعلق بحوارهم ، ستجده كان فى عالم آخر ، لا يعرف أى شئ مهما كانت أهمية وقيمة هذا الحوار .


ولكن متى يزيل صاحبنا هذا الخوف الذى ترسخ فى أعماقه ؟ وهل سيظل طوال حياته يعيش وحيداً منفرداً هكذا ؟ فظروف الحياة وديناميكيتها ستضعه بشكل أو بآخر فى حيز معين ، تجعل الاتهامات تحاصره بأنه مغرور ، يحتقر المجتمع بالكامل ويتعالى على أفراده.

 

ومن الطبيعى أن يدخل فى صراع دائم مع نفسه ، نفسه التى ربما تكون قاسية عليه ، ناقمة على تصرفاته الانطوائية ، وتركيبته السلوكية المعقدة ، تحاول معه وتستجديه أن يحطم هذه القيود ، ويفتح تلك الأبواب المغلقة ، ويمنحها الفرصة للانفتاح على الآخرين والتعايش بشكل كامل مع المجتمع وأفراده ، وطرد الخوف من قلبه وتغيير نظرته التى تكونت بداخله لبنى البشر.

 

ووسط احتدام الصراع والهواجس النفسية التى تطارده ، يصل قطار عمره إلى محطة " دقة قلب " فبمجرد أن شاهدتها عيناه خفق قلبه ، وانتابه شعور غريب لم يتعرض له طوال حياته ، ارتسمت أمامه صورتها بوجهها الهادئ ، لتظل تحجب عنه رؤية أى شيئاً آخر ، وعينان تعكس أمواج تصارع بعضها البعض تبتلع من يحاول أن يستغرق برهة من الوقت ينظر إليها ، وروح تمطى جواد يركض بخفة ورشاقة بين أجمل مشاهد الطبيعة.

 

وهنا يبدأ أقوى صراع يتعرض له ، فالنفس رافضة ويتضامن معها العقل ، والقلب يقاوم ، هى تحاول أن تبعده عن طريق سيجلب له المتاعب والمشقة والألم ، وهو يفتح أبوابه ، رافع راية العصيان فى وجه نفسه وقلبه ، لديه إصرار على أن يحتضن فرحته ، ويغير نغمة دقاته لتحمل حروف اسمها ، فتصل نفسه لمرحلة اليأس فى اقناعه ، وتتركه يفعل ما يشاء مع أمنياتها له بحياة سعيدة ولسان حالها يقول له " عش كيفما شئت ولكن أرجوك لا تجلب لى الحزن والألم "    

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف