بقلم – محمد مقلد
طباع البشر وسلوكهم يختلف من شخص لآخر ، وهى طبيعة فطرية خلقها الله تعالى
داخل كل انسان ، وبالتالى فالنظرة للحب والوقوف على معناه الحقيقى يختلف أيضاً بين
الأفراد ، وكل فرد ينظر إليه من منظوره هو ، طبقاً لتركيبته الاجتماعية والبيئة
التى نشأ فيها ، والطبقة الاجتماعية التى أثر
فيها وتأثر بها ، فالبعض ينظر للحب من منظور سطحى أساسه أمور شكلية لا علاقة لها
بالقلوب على الإطلاق ، وهذه النوعية يسيطر عليها الغريزة الحيوانية والشهوانية
بصورة أكبر.
ولكن وعلى الرغم من صعوبة تولد المشاعر الحقيقة للحب فى العصر الذى نعيش
فيه الآن ، والذى سيطرت عليه أمور مادية قتلت كل المشاعر الوجدانية داخل معظم
البشر ، واقتصر دورهم فى الحياه على أنهم موجودين وفقط ، مثلهم مثل غيرهم وكأنهم
آلات تحركها الأحداث اليومية الرتيبة التى
تمر عليهم ، إلا أنه ورغم كل هذه الصعوبات المعيشية ما زال موجود بيننا قطاع من البشر رغم قلة
وجودهم ، لديهم إيمان كامل بوجود الحب بمعناه
الحقيقى ، الذى يقوم على مشاعر يصعب على الكثير منا فهمها.
وهذه النوعية من البشر ، دائماً ما يتولد بداخلهم صراع مستمر ما بين القلب
والنفس ، وهو وللحقيقة يكون صراع شرس للغاية يؤثر على صاحبه بصورة كبيرة ، وفى
غالب الأحيان تنتصر النفس على القلب ، لاعتبارات تتعلق بالكرامة وربما الغرور
والكبرياء وعزة النفس ، ورغم ذلك هناك حالات نادرة جداً ، ينتصر فيها القلب على
النفس ، وليس من الضرورى أن يكن الحب هو السبب الرئيسى فى انتصار القلب على النفس ، ولكن هناك مواقف واعتبارات أخرى ربما تكون
أقوى فى ترجيح كفة القلب على النفس.
وهناك نماذج تمثل هذه النوعية من البشر ، الذى يصل الحب لأحد الطرفين إلى
حالة الصراع الشرس بين القلب والنفس ، ويخرج منها القلب منتصراً لأسباب متباينة ،
ربما لا تتعلق بالحب فى المقام الأول ، وهذا النموذج بالذات له أمور متعلقة بخصائص
وصفات وسلوك الطرفين ، ودائماً ما تبدأ القصة بينهما باكتشاف كل طرف منهما ، أن
هناك صفات مشتركة بينهما مثل المعنى الحقيقى للمشاعر ، وطريقة التفكير ، وعزة
النفس والكرامة ، والنظرة للمجتمع وأفراده ، والبحث عن ما هو أفضل لخريطة المستقبل
لكلاهما
ولكن للأسف من الممكن أن تسيطر صفة " الأنا " على أحد الطرفين ، فمن هنا
تستطيع أن تكتشف أن معظم أوقاتهما كانت تمر بينهما فى مشادات ومناوشات وعراك تصل
لحد الخصام الذى لا يدوم لأكثر من دقيقة واحدة ، لأن الطرف المصاب بـ " الأنا
" يحاول باستمرار أن يثبت للطرف الآخر أنه مرغوب
فيه ، وتصل معه الأمور إلى نسج قصص من وحى الخيال حتى يجبر الطرف الآخر للتمسك به
أكثر.
ومع المتعة التى يشعر بها الطرفان بعد
كل عراك وخصام ، وحالة الشد والجذب بينهما بصفة مستمرة ، فمن الطبيعى أن ينفجر الوضع
بينهما لاسيما إذا تدخلت عوامل خارجية ، ومن هنا الطرف المصاب بـ " الأنا
" يحاول قدر الإمكان أن يحافظ على
كرامته ومكانته بشتى الطرق ، باستخدام أساليب وتصرفات غير محسوبة بالمرة ، فمن هنا
يبدأ الطرف الآخر الدفاع عن كرامته ومكانته والرد على كم الإهانات التى تعرض لها
وهو يسأل نفسه ، لماذا يحدث كل ذلك ؟ ويظل يبحث عن إجابة لهذا السؤال حتى يفطن
أخيراً ، أن هناك " كلمة واحدة " هى السبب الرئيسى لتفاقم الأوضاع بهذا الشكل
الغير مقبول.
ومن هنا يبدأ الصراع بين قلبه ونفسه ، فنفسه تطلب منه أن ينتقم لكرامته
وإهانته ، وأن يثبت للجميع أنه على صواب ، وأن الطرف الآخر هو من أخطأ فى حقه ،
فتنتصر النفس لبعض الوقت ، حتى يأتى الوقت الذى يتدخل فيه القلب ، والذى يحاول
بشتى الطرق أن يجنب النفس حتى يحاول اقناعه بالعدول عن رأيه ، ويستخدم فى سبيل ذلك
إعادة بعض اللحظات والمواقف الجميلة التى جمعته بالطرف الآخر، فيحتدم الصراع لأقصى
درجاته ، ولكن فى النهاية يخرج القلب منتصراً ، ولكنه انتصر فى منافسه شريفة تجعله
يحتضن النفس ويتفقان أن يبدأن صفحة جديدة ، ويتفقان أنها كانت تجربة قاسية ودرس مستفاد لما هو قادم .