بقلم - محمد مقلد
النظرة للحب تختلف من عصر لعصر ، ومن شخص لآخر ، وفى كثيراً من الأحيان من
بيئة لأخرى ، فالحب منذ خمسين عاماً على سبيل المثال يختلف عما نشهده هذه الأيام ،
والحب فى المدينة فى الغالب يختلف عنه فى القرية ، ويختلف أيضاً حسب أعمار المحبين
، فحب المراهقة من المستحيل أن يقارن بالحب الذى يولد فى العقد الثالث أو الرابع
من العمر.
والأشخاص الذين يقعون فى شباك الحب ، تختلف نظرتهم له وتعاملهم معه كلاً حسب تركيبته العاطفية والنفسية ومدى سيطرة
الغريزة الحيوانية عليه ، ومن هنا يمكن أن نقسم العشاق أو قل المحبين ، إلى ثلاثة
شرائح ، فهناك فصيل من الجنسين يقع فى الحب الظاهرى ، الذى يعتمد على شكل المحب
ومظهره وواجهته الاجتماعية ، وهذا النوع من الحب أضعفهم على الإطلاق لأنه ينشأ على
مكونات عامة تتواجد فى أشخاص آخرين ، فالمرأة جميلة الوجه هناك من هى أجمل منها ، والأناقة
والمظهر والواجهة الاجتماعية أيضاً دراجاتها متفاوتة من شخص لآخر.
من هنا نجد أنه حب هش أساسه ضعيف ، قابل للانهيار فى أقرب وقت ، لأنه قام
على أمور غيرة ثابتة ومتغيرة بين الأشخاص ، فهو فى النهاية حب شهوانى يسيطر علية
الغريزة الحيوانية لذلك يحاول صاحبه إخراج تلك الغرائز وتفريغ عقده النفسية تجاه
من يحب والتباهى بأن حبيبه على قدر من الجمال والمظهر اللائق أو صاحب واجهة
اجتماعية معينة.
أما النوع الثانى من الحب ، فهو الذى يجمع الأمرين معاً ، الجمال والأناقة
من ناحية ، والشعور بأحاسيس ترتبط بالحب من ناحية أخرى ، وتلك النوعية من الحب نستطيع
أن نطلق عليه " الحب الوسطى " الذى يرتفع درجات قليلة عن الحب الظاهرى ،
وعمر هذا الحب يكون أطول عن سابقه ، وفى بعض الأحيان ينجح فى الاستمرار حتى يصل
لمرحلة الارتباط ، والأرجح أنه يفشل مثله مثل الحب الشكلى أو الظاهرى.
أما أقوى أنواع الحب على الإطلاق وأكثرهم تماسكاً ، الحب الوجدانى أو
الروحانى ، فهو نوع غريب جداً من الحب ، لا يتعلق على الإطلاق بقضية الارتباط من
عدمه ، قلما نجده هذه الأيام ، حب الأساطير الذى سمعنا عنه ولم نعاصره ، ظهر بشكل
واضح فى قصص حب " قيس وليلى ، كثير وعزة ، أبونواس وجنان ، جميل وبثينة
" وغيرهم ، وهذا الحب دائماً ما يأتى خلال العقد الثالث أو الرابع من العمر ،
بعدما يصل الانسان إلى مرحلة الاتزان النفسى والعقلى ، والانضباط الحسى والشعورى.
أنه حب روحانى يصل لدرجة أن المحبين لا يتذكرون ملامح بعضهم البعض ، بعدما سيطرت عليهم أحاسيس روحانية
ترتبط برباط قوى بين قلبيهما يجعلهما على اتصال دائم مهما باعدت المسافة بينهما ،
حب لا يعرف الطريق للغريزة الشهوانية على الإطلاق ، حب لا تستطيع أن تحدد له لغة
محددة " فالصمت بينهما يكفى ، وتلاقى العيون يعبر عن كل مشاعر العشق ، وتواصل
الأرواح رسائل قوية تزيد من أحاسيس الحب بينهما ، فهو فى النهاية حب نادر جداً ،
لا يسقط فى فخه إلا من عرفوا المعنى الحقيقى للحب.
هذا هو الحب الذى عبر عنه الشاعر جميل لحبيبته بثينه بقوله
أبلغ بثينا أنى لست ناسيها ...... ما عشت حتى تجيب النفس داعيها
بانت فلا القلب يسلو من تذكرها ... يوماً ولا نحن فى أمر نلاقيها