بقلم – محمد مقلد
النفس هى أخطر عدو للإنسان ، فهى المتحكم الأول فى تصرفات وطباع البشر ، لذلك يعانى كل من تسيطر نفسه على إرادته ، وتحوله لتابع لها ، عكس ما هو طبيعى بأن يكن الإنسان هو المتحكم فى نفسه يطوعها كيفما يشاء ووقتما أراد.
ودائماً ما يدخل الإنسان طوال الوقت فى حديث مع نفسه ، ربما يصل لحد الصراع
فى بعض الأحيان ، وفى الغالب تنتصر النفس على صاحبها ، وتتحكم فى طباعه وتصرفاته
وسلوكه وأخلاقه ، ومع انتصار تلك النفس تجدها ضعيفة مستسلمة لشيطانها الذى يوجهها
فى طريق من اختياره هو ، فيبدو الإنسان وقتها مسلوب الإرادة ضعيف أمام نزواته
ومتاع الدنيا.
وحوارات البشر مع النفس لها أشكال وصور متنوعة تولدها المواقف والأحداث
المتتالية خلال الحياة ، فها هو انسان مسلم ، استيقظ من نومه مع آذان الفجر ،
فيهمس لنفسه " لما أقوم أصلى الفجر " فيعارضه شيطان نفسه " بس الجو
برد كده ممكن تتعب " ويظل الحوار لفترة لم تطول تنتهى لعودته للغرق فى النوم
واعلان انتصار النفس وتنفيذ إرادة شيطانها.
وليس ببعيد أن تقود النفس صاحبها لارتكاب الجرائم والقضاء على مستقبله ،
فها هو شخص أخطأ آخر فى حقه ، وتميل طباعه لرفع شعار " المسامح كريم "
ولكن وللأسف الشديد يبدأ شيطان نفسه ببث السموم فى أذنه ، ويطارد مسامعه بعبارات
وجمل من نوعية " خيبة عليك أزاى تسيبه يهزقك كده " ، " أنت مش راجل
وهتفضل طول عمرك جبان وضعيف " ، " لو سكت هياخد على كده وهتبقه ملطشة
لكل الناس "
وتبدو تلك العبارات كالسهام
الموجهه لعقله حتى يصاب بالشلل التام ، ويغيب عن الوعى والإرادة الإنسانية ، فتبدأ
مرحلة الأخذ بالثأر بمحو عبارة " المسامح كريم " من ذهنه ، ويدخل فى
الصراع الذى ربما يقوده للتعدى على الطرف الآخر ، ووقتها أما أن يصيبه بعاهة
مستديمة أو يتسبب فى مصرعه ، ولا يفيق إلا وهو خلف القضبان يحاكم بسبب نفسه التى
سيطر عليها شيطانها.
وصورة أخرى من صور سيطرة الشيطان على النفس ، نجدها فى موظف حكومى لا يمتلك
إلا راتبه فقط ، يقضى احتياجاته ومتطلبات أسرته بالكاد ، النزاهة والشرف دائماً
عنوان يضعه أمام عينيه ، ومع ضغوط الحياة التى لا تنتهى والاحتياجات الأسرية التى
تتزايد يوماً تلو الآخر ، يبدأ الشيطان يقود نفسه فى رحلة تهدف إلى تعديل العنوان
من " النزاهة والشرف " إلى " طريق الحرام "
رحلة تقوم على حصار عقله بقذائف تحتاج شخص شديد الإيمان لمواجهتها ، "
أنت هتفضل فقرى لحد أمتى " ، " وبعدين ابنك الكبير عايز مصروفات الجامعة
" ، " والبنت محتاجة لبس " ، " والواد الصغير محتاج فلوس
الدروس " ، " أنت هتفضل حارم ولادك كده " ، " زوجتك بدأت تلوى
بوزها من قلة الفلوس " ، " عاجبك الحياة اللى أنت عايشها دى " ،
" هى مرة واحدة وبس ، وبعدين مرة تفوت ولحد يموت "
ولأول مرة يفاجئ صاحبنا بأنه محاصر ، وكل الطرق مغلقة فى وجهه إلا الطريق
الذى اختارته نفسه بوسوسة من شيطانها ، فيخالف ضميره ويبيع ذمته ، ويزين له
الشيطان حياته الجديدة حتى يصل إلى مرحلة " مرة واحدة لا تكفى " فيتمادى
فى الحرام ، ويصبح أمامه أحد طريقين لا ثالث لهما ، أما أن يسقط ويضيع كل شئ ، أو
يستمر فى طريق شيطان نفسه فى انتظار عقابه مع زوال الدنيا ووقوف الجميع أمام
محكمة من لا يغفل ولا ينام.
وهذا رجل آخر معروف بين جيرانه وأصدقائه بأنه شديد الاحترام ، يقدر الجميع
أخلاقه والتزامه ، وطيبته المفرطة جعلت من زوجته القبطان الذى يقود أمور المنزل ،
حتى حقوقه الشرعية لا يحصل عليها إلا فى الوقت الذى تحدده تلك الزوجة المتسلطة ،
وجارته المطلقة منذ سنين خلت ، فاتنة الجمال رائعة الجسد، عاش لفترة ليست بالقصيرة
يقاوم مطارتها له ، فهو لا يقبل أن يغرق فى بحر الرذيلة ، ويفقد احترامه لذاته.
وليس غريباً فى حالته تلك ، أن ينتهز شيطان نفسه تكثيف تلك المطلقة من
ملاحقتها ، ليزين له الطريق ، ويحاول اقناعه بأن هذا من أبسط حقوقه فى الدنيا ، وأن
الضرورات تبيح المحظورات ، فالشئ الذى تمنعه عنك زوجتك ، ستجده عند هذه المطلقة
بدون حدود ، حتى يسلم فى النهاية بأنه بالفعل مضطر للسقوط فى بئر الرذيلة ، بسبب
تصرفات زوجته ، ويسقط صاحبنا فى بحر العسل ، بحر غرقت بين أمواجه أخلاقه ومبادئه ،
التى عاش طوال عمره يحافظ عليها ويتمسك بها.
فأى انسان يمنح للشيطان الفرصة حتى يسيطر على نفسه ، فمن البديهى أن يقوده
لطريق الضياع واللاعودة.