كلنا مرضى نفسيون

 

بقلم - محمد مقلد

معظمنا للأسف الشديد ينظر للمرضى النفسيين على أنهم وباء لابد أن نبتعد عنه ، حتى من يشعر بأن تركيبته النفسية مصابة بخلل ما ، يخجل بصورة كبيرة أن يعرض نفسه على طبيب نفسى ، خوفاً  من مطاردة  صفة " مجنون " وهرباً من نظرات الناس من حوله ، مع أنه فى حقيقة الأمر مرض مثله مثل أى مرض آخر ، وربما يكون من أخطرها على الاطلاق ، لأنه فى النهاية يصل بصاحبه إلى أمراض عضوية أخرى.

 

وفى حقيقة الأمر ، إذا نظرنا بصورة أعمق لتفسير المرض النفسى ، سنصطدم بأن كل المواطنين بلا استثناء مصابون بمرض نفسى وبدرجات متباينة من شخص لآخر ، فالشخص مثلاً الذى يشعر بشكل دائم أنه ضعيف ، تسيطر عليه عقدة نفسية طوال حياته بأنه ضعيف ومع الوقت تتعقد تركيبة تلك العقدة بداخله وتتحول لمرض نفسى بالفعل وصفة ملازمة  تجعله دائماً يهرب من أى مواجهة أو عراك ، بسبب تلك العقدة التى أحكمت قبضتها على تركيبته النفسية.

 

والشخص البخيل الذى يحكم على أمواله بأن تظل دائماً سجينة جيوبه ، ولا يفرج إلا عن القليل منها ولأسباب قهرية ، لديه أيضاً مرض نفسى يفسره حبه الجم للمال وعدم سهولة التفريط فيه تحت أى ظرف ، وكلنا شاهدنا عبقرية الفنان الراحل فريد شوقى فى تجسيد دور المريض بالبخل فى مسلسل " البخيل وأنا " والذى أدى به فى النهاية إلى مفارقة الحياة.

وهناك من لديه عقدة العظمة والكبرياء التى تقوده للغرور ، وهذه النوعية يسيطر عليها المرض النفسى سيطرة شبه كاملة ، وعادة ما يبتعد عن أى شخص يحاول أن يكشف له ما أصابه من كبرياء وغرور ، لأنه فى النهاية مريض نفسى ، ليس من السهولة علاجه بمجرد الكلام ، ولكنه بالفعل فى حاجة لأخصائى نفسى ليتلقى علاجه بالطريقة الصحيحة.

هذا وقد أثبتت معظم الدراسات التى أجريت فى هذا الشأن ، أن النساء المصابات بعقد نفسية عددهن يفوق الرجال بثلاثة أضعاف ،  فهناك على سبيل المثال نساء أنعم الله عليهن بقدر من الجمال والأناقة ، فيسلط الشيطان عليهن أنفسهن ، فيجعل المرأة من تلك النوعية تصاب بمرض نفسى يصل بها إلى حد أنها تشعر أن حسين فهمى نفسه لا يليق بها وبجمالها ، وفى الغالب هذه النوعية من المرضى النفسيين من النساء يتأخرن بصورة كبيرة فى الارتباط والزواج ، و يكونن مرهقات ومتعبات لأزواجهن ، وفى معظم الأحيان تتسبب بمرضها النفسى هذا فى الانفصال ، وتفاجئ أن قطار الحياة وصل بها إلى المحطات الأخيرة ، وتصطدم بواقع زوال جمالها وضياع أنوثتها ورشاقتها بفعل عوامل الزمن ، ووقتها لن تجد الوقت لتندم على ما فات ، فتزيد عقدتها النفسية وتتطور بصورة مرعبة تصل بها إلى مرض نفسى خطير يغلفه الاكتئاب العام ومن الممكن أن تفكر فى التخلص من حياتها.

 

وهناك أيضاً نساء لديهن عقد نفسية بأن كل المحيطين بهن يسلطوا  الضوء عليهن ويحسدهن على ما هن فيه من نعم وأن الجميع ينظر لهن ويراقب حياتهن ، فتظل المرأة من تلك النوعية  طوال الوقت  فى صراع نفسى يدفعها للجوء لأمور الشعوذة والدجل ، وتطور العقدة النفسية لهذه النوعية ، يمثل خطراً حقيقياً على حياتهن.

 

وخلاصة القول ، أننا جميعاً بما فينا كاتب هذه السطور مرضى نفسيين فالصفات السيئة أو التى تعارض منطق الحياة ما هى إلا عقد ومرض نفسى يلازم صاحبه طوال حياته ، ولكن بعضهم يمتلك من الانضباط النفسى ما يجعله يتفوق على تلك العقدة ويسيطر عليها ، والبعض الآخر تتغلب العقد النفسية على درجة انضباطهم ، وتأخذهم لطريق يهدد حياتهم ويجعلها دائماً حياة غير مستقرة.