يوميات - فاهم أفندى
عاد فاهم أفندى من عمله منهك بصورة كبيرة ، يظهر عليه الاكتئاب وعدم الرضا
من أمور مرت عليه فى عمله بالمؤسسة التى يعمل بها ، جعلته ليس على ما يرام ، وبمجرد أن دخل منزله ، جلس
ليستريح دون أن يغير ملابسه ، وألقى برأسه بين يديه المتشابكتين خلفها ، وأخذ ينظر
لأعلى وهو يتنهد بحزن وأسى ، فشرد بذهنه وهويقول لنفسه " فعلاً الرئيس السيسى
عنده حق ، 6 مليون موظف فى مصر لا يعمل منهم إلا مليون فقط "
وبدأ يلعن الوظيفة واليوم الذى اكتوى فيه بنارها ، ويقول لنفسه ، من الذى
جاء بى إلى هذا الهم ، وأين كان عقلى عندما وافقت أن اربط مصيرى ومستقبلى بهذا
الوهم الكبير ، الذى جعلنى أعيش بين تلك
الأوضاع المقلوبة التى يحيط بها الانحطاط
الأخلاقى وضياع المبادئ والقيم ، عالم النفاق والرياء وحب الأنا والعظمة الكدابة ،
واللعب على كافة الحبال ، وارتداء الأقنعة المتعددة ، صراعات ، ضرب من تحت الحزام
، نميمة ، فتنة ، كذب ، لقد اجتمعت كل الأخلاق الذميمة المشينة تحت سقف مكان واحد
، اللهم رحماك.
وإذا هو غارق فى لعن الوظيفة وسنينها ، انتشله من الغرق صوت جرس الباب ، فنهض من مكانه ليفتح
الباب فوجد أمامه صديقه محروس البقال ، الذى بادره ، أوعى تكون اتغديت يا فاهم ،
أنا عارف أنك لسه راجع من شغلك دلوقتى ، أما أنا جايبلك شوية تقطاطيع يا ابنى تاكل صوابعك وراها ، هات العيش وتعالى بقه عشان
نتغدى مع بعض ، وأوعى تنسى المخلل ، وهات مية معاك ، ويا اريت لو عندك حتتين خيار
ولا طمطماية يبقه تمام ، كل هذا وفاهم لم يسمع كلمه واحدة من كلام صديقه محروس وعاد
ليجلس مكانه ، دون حتى أن يرد بكلمة واحدة على محروس.
فشعر محروس أن هناك شئ ما ، وأن صديقه فاهم ليس على ما يرام ، فوضع لفة
التقاطيع على التربيزة ، وجلس أمام فاهم ، وبدأ يستفسر منه عن سبب حزنه هذا ، مالك
يا فاهم فى أيه ، أنت شكلك عندك مشكلة كبيرة ، أنت اتخانقت مع حد فى الشغل ولا أيه
، لا أبداً يا محروس ولا خناقة ولا حاجة ، بس أنا بصراحة اتخنقت من اللى بشوفه فى
المخروبة اللى أنا شغال فيها دى ، ده مش شغل يا محروس دى غابة كله بياكل فى بعضه ،
ولا عاملين حساب أنهم زمايل وبيقضوا مع بعض وقت أكتر من اللى بيقضوه بين أهاليهم ،
حاجة تقرف ، مفيش دين ولا أخلاق ولا قيم يا أخى.
وبدا محروس يشعر أن صديقه فاهم بالفعل وصل لمرحلة خطيرة ، فأخذ يهدأ من
غضبه ، ويحاول أن يخفف عنه ، ما أنت عارف يا فاهم أن احنا فى زمن غريب ، زمن ضاعت
فيه الأخلاق ، فين زمان وأيام زمان ، فقاطعه فاهم بنبرة صوت عالية ، بس مش كده يا
أخى ، المفروض الزملاء فى عمل واحد يسود بينهم الحب والمودة ويكونوا مكملين لبعض ،
يخففون آلام بعض ، يكونوا سند لبعض ، يحبون الخير لبعض ، لكن للأسف العكس هو اللى
بيحصل كله متربص لكله ، كله عايز يوصل على
حساب زمايله.
خد عندك يا سيدى ، بعضهم تلقيه كل همه أنه يخطط ويفنن عشان يوقع زميله فى
الغلط ، ويجرى على الريس عشان يفضحه ، وده كله عشان أيه عشان طمعان فى رضى الريس والمزايا اللى هيخدها منه ، وواحد تانى تلقيه معاك نعامه ، حمل وديع ،
وياخد منك الكلمتين من هنا وجرى برضو على الريس وهاتك يا رغى ، والعيب مش عنده بس
يا محروس ، العيب على اللى بيسمعه وفاتح ودانه لده ولده ، وتلاقى واحد تانى قدامك
يقول فيك أشعار وأول ما تديله ظهرك ، يلعن سلسفيل أبوك.
لأ ومش كده وبس ، في ناس تحسسك أن المكان اللى بتديره ملكهم ممنوع حد يقرب
منه ، ويتصرفون بعنجهية مع زملائهم ، كل
حاجة فى المكان بتاعتهم المكاتب
والكراسى والشبابيك ، حتى المكان نفسه وكأنها الأبعدية اللى سبتهالوا مامى ، والود
وده يطرد كل الموظفين زملائه من المكان عشان يبرطع فيها براحتو ، أنا مش عارف يا محروس ، هى الناس اللى زى دى
مغيبه ، هم مش عارفين أن كل حاجة فى المؤسسة دى ملك للدولة ، ولا سلطان لأحد عليها
مهما كان اسمه ومنصبه ، النهاردة هو موجود وبكره غيره هيبقه مكانه ، أظاهر مرض
التملك والعبط والهبل أصاب عقولهم الفارغة.
بص يا محروس معلش أنا تعبان شوية ، هأخش أريح جوه وبالليل نكمل كلامنا ،
فعلا أنا محتاج أفضفض مع حد عن كل حاجة فى المؤسسة دى ، يمكن ارتاح يا أخى من الهم ده ، وقبل دخوله لغرفة النوم ،
حاول محروس ايقافه ، طيب يا فاهم مش تاكل
لقمة الأول ، فلم يجد إجابة من صديقه ، فنهض من مكانه ليعود للدكان وهو يقول لفاهم
بصوت عالى ، هبقه أعدى عليك بالليل عشان نكمل كلامنا ، وانطلق محروس وهو على السلم
تذكر ما قاله صديقه فاهم، فقال وهو سعيد " ربنا يخللنا البقالة "