بقلم - محمد مقلد
قصة واقعية عاصرتها بنفسى ، ترد على كافة الاستفسارات التى وصلتني ، لا أبالغ أبداً عندما أصنفها كأسطورة من أساطير العشق ، فقد كنت شاهد عيان عليها من مهدها ، بدأت وقائعها منذ 30 عاماً تقريباً ، ومازالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور ، بطلها الدكتور سامر ، والذى استأذنته ليسمح لى بنشر قصته ، ووافق بشرط أن أغير اسمه واسم المدينة التى يقيم فيها ، وذلك لأسباب ستعرفونها خلال المقال ، واستأذنكم بأن سرد هذا القصة سيتضمن بعض الكلمات باللغة العامية لضرورة ذلك ، وسأقوم بسردها على جزأين.
تبدأ تفاصيل تلك القصة ، عندما التحقت بجامعة القاهرة ، وكونت مع بعض
الزملاء بالكليات والجامعات الأخرى مجموعة أو " شلة الجامعة " كما كنا نحب أن نطلق عليها ، كانت الشلة تتكون
من 14 زميلاً ما بين فتيات وشباب يدرسون
فى كليات وجامعات مختلفة ، وجمع بيننا السفر معاً عبر القطار يومياً ، وأعتبر أنا
القائد لتلك الشلة ، وإن كنت لست أفضلهم ، وبالفعل كنا مجموعة مترابطة ، نتقابل
يومياً طوال فترة الدراسة ، نسافر معاً ونتناول الطعام معاً ، ونخرج فى رحلات
ترفيهيه بين الحين والآخر لمعالم القاهرة ، وإن كانت وسيلة الترفيه المحببة لنا ،
الأوقات التى كنا نقضيها على ضفاف النيل ، بحكم أنها رحلة مجانية.
ومن بين زملائنا بالشلة زميل يدعى سامر كان يدرس بكلية طب الأسنان بجامعة
عين شمس ، يتميز بالهدوء ، وخفة الدم ، والأدب والاحترام الجم ، واللباقة فى الحديث ، ومر عامنا الأول بالجامعة
، وبعد مرور شهر من الدراسة من العام الثانى ، بدأت قصة زميلى سامر ، عقب انضمام
عضوة جديدة للشلة تدعى رحاب طالبة بالفرقة الأولى بكلية الألسن ، تتميز بالجمال
الفائق والأنوثة الطاغية ، والأناقة فى ملابسها ، ميسورة الحال مادياً ومن طبقة
اجتماعية راقية.
وكلما اجتمعت الشلة ونحن نتبادل
الحديث ، ألاحظ على زميلى سامر أنه فى
دنيا أخرى وليس معنا على الاطلاق ، عيناه مسلطة دائماً على رحاب ، بنظرات لا يمكن
وصفها وكأنه يرسم ملامحها داخل قلبه بريشة عاشق ، ويسجل صوتها ليعود ليستمع لها
عندما يفترق عنها ، وبدا وكأنه لا يرى غيرها أمامه ، والغريب أنه كان يتهرب من
الكلام المباشر معها ، ويحاول ألا تصطدم عينيه بعينيها أبداً حتى ولو كانت تتحدث
معه ، وكنت أنا الوحيد الذى لاحظت ذلك ولكنى فضلت الصمت .
وقبل أن تنضم رحاب للشلة كان سامر لا يتحدث على الإطلاق عن أسرته ، ولكنه
بدأ مع ظهورها فى التأكيد على أنه يقيم بمنزل فخم بإحدى القرى ، ووالده يمتلك عشرات
الأفدنة ولديهم مشروع كبير بقريتهم ، وفجأة
وبدون مقدمات انقطع سامر عن الجامعة لمدة أسبوع ، وفشلنا فى الاطمئنان عليه لأن
الهواتف المحمولة لم تكن موجودة فى هذا التوقيت ، فقررت أن أتوجه لقريته للاطمئنان
عليه ، وبدأت أسأل عن منزله ، فكانت المفاجئة أنه منزل من الطوب اللبن سقفه من قش
الأرز ، ويتواجد بالقرب من الزراعات ، ولا أخفى عليكم أنا كنت فى موقف صعب للغاية
، فأنا على بعد خطوات من كشف كذب زميل أعتز به لأقصى درجة ، وفكرت فى أن أعود من
حيث أتيت حتى لا يصاب بالإحراج.
ولكنى قررت أن أطرق الباب وأواجه هذا الموقف المخزى ، فشاهدته أمامى وهو
يرتدى جلباب يحتوى على ثقب كبير من الأسفل ، وبمجرد أن رآني أصيب بصدمة جعلته صامتاً
لبرهة ، يتهرب بعينيه من النظر إلى ، واكتسى وجهه بالحزن والألم الذى لا يوصف ،
عموماً تبادلنا السلام ودخلت منزله فوقفت على المستوى الاجتماعي الحقيقى الذى يعيش
فيه ، وقررت بينى وبين نفسى ألا أحدثه فى هذا الأمر على الإطلاق ، فقد تمكنت من
تفسير كذبه هذا وربطه بشعوره تجاه زميلتنا رحاب.
وبدأت أسأله ، طب ما أنت كويس أهو
أمال مبتجيش ليه ، وقبل أن أستكمل حديثى
فوجئت بنهر من الدموع ينهار من عينيه ، وألقى بوجهه بين يديه يحاول أن يوارى دموعه
عنى ، ولكن صوت بكائه كان أقوى من أن يخفى
تلك الدموع ، و أقسم لكم مهما وصفت لن أتمكن من نقل حقيقة ما شاهدت ، لقد هزنى
بكائه وشعرت بقشعريرة تصيب جسدى وانسابت دموعي رغماً عنى وأنا أحتضنه وأسأل "
مالك يا سامر فيه أيه " فنظر إلى والدموع قد كست عينيه ، فقرأت بدون أن يتحدث
، بأنها دموع حارقة اكتوت بنار قلبه قبل أن تنساب من عينيه ، فعلى ما يبدو أنها
دموع شاب وقع فى الحب ، ولكن هل هو حب المراهقة الذى يصيب معظم الشباب فى هذا السن
، أم حب بمعناه الحقيقى ، أم أنا فسرت
الموقف بشكل خاطئ والدموع سببها أمر أخر ، هذا ما سنتعرف عليه فى الجزأ الثانى
الجمعة القادمة بمشيئة الله.
x