بقلم - محمد مقلد
الانسان عندما يصل لمرحلة النضج العقلى ، يبدأ فى اختيار الوسيلة التى يتعامل بها مع الآخر ، وتتشكل طبيعته وشخصيته وفقاً للمواقف التى يتعرض لها والصعاب التى تواجهه ، ولا نغفل هنا الظروف الاجتماعية والبيئة المحيطة وتأثيرها على سلوكه الأخلاقي وطريقة تعامله مع الأخرين ، ولكل انسان تجربته الاجتماعية والسلوكية بما تحمله من نجاحات واخفاقات ، وسعادة وحزن ، وراحة وتعب ، فهى الحياة المتقلبة دائماً ، وأصعب ما فى تلك التجربة التعامل مع الآخر بنظرية " ناس وناس " فكل انسان تفرضه عليك ظروف الحياة للتعامل معه ، له صفات وسلوك خاصة به ، ولك أن تختار أما التعامل معه بطريقتك أنت وهنا يقع الخلاف ، أو بالطريقة التى يريدها هو بما تحمله من نفاق وكذب .
وكل منا ممن وصل قطار عمره للعقد الرابع ، سيجد نفسه أمام أصعب اختبار
يتعرض له فى حياته ، فالسلوك العام وطباع البشر أصابها تغير كامل مثلها مثل التغير
المناخى الذى أرق كل دول العالم ، فالناس ممن كنت تتعامل معهم منذ عشرين عاماً
مثلاً تختلف اختلاف جذرى عمن تتعامل معهم هذه الأيام ، حتى المشاعر نفسها تبدل
حالها وأصبحت أكثر جموداً بأحاسيس مزيفة ، فالحب على سبيل المثال كان يميزه الصمت
يعتمد على دقات القلوب ونظرات العيون ويكفى المحب رؤيته لحبيبته أو حتى المرور
أمام منزلها دون أن يراها ، حب عفيف يحركه الوجدان ، ينظر إلى القلوب والمشاعر
الصادقة التى تجعل المحب يتمنى السعادة لمحبوبته ، حتى ولو حكم عليه قاضى النصيب
أن ترتمى بين أحضان غيره ، أما الآن فالحب معظمه شهوانى سيطرت عليه الغريزة
الحيوانية ، لا يمس القلوب بقدر ما يبحث عن أمور بعيدة كل البعد عن المشاعر والأحاسيس
النبيلة ، ونتيجته كوكتيل من أغانى الفراق والخيانة واللى باعك بيعه وغداً سأنتقم.
وبالنسبة للصداقة فحدث ولا حرج ، فالماضى كان يسمح لنا بأن نعثر على صديق
بما تحمله هذه الكلمة من معانى الصدق والثقة والإخوة ، صداقة تخلصك من أى اكتئاب
أو كبت فبجانبك من يحمل معك الهموم والحزن والآلام ، ويكفى أنه يقاسمك أسرار شديدة
الخصوصية لا طاقة لك أن تتحملها وحدك ، أما فى هذا العصر فيكفى أن أذكر لكم بعض الصفات
المحددة عن معنى الصداقة ، خد عندك مثلاً " الخيانة – حب الأنا – المصلحة –
الحسد – النفسنه " الصداقة ظلت كلمة تتصدر معجم الحياة ، حتى جاء الزمن
وأزالها من كافة المعاجم دون رجعه.
التعاملات والعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع قتلها عصر التكنولوجيا
بخنجره المسموم ، أنظروا أين وصلت العلاقات الأسرية وصلة الأرحام التى انقطعت
أوصالها ، فلا تندهش لأخت تحقد على أختها ، وأخ يتخاصم مع أخيه ، وابن يطرد والده
أو والدته لإرضاء ست الحسن والجمال ، حتى المناسبات تغيرت معالمها واختفت الطقوس
الجميلة التى كانت تميزنا عن باقى شعوب العالم العربى والإسلامي ، نحن وصلنا يا
سادة إلى عصر نحتاج لكل فرد نتعامل معه كتالوج خاص به ، فتصعبت علينا الحياة ،
وأصبحت معقدة وأكثر مشقة ، وحتى تهرب من هذا الجحيم ، ما عليك إلا أن تتقوقع داخل
نفسك ، تحدثها ، تعيش معها ، تصاحبها ، تحبها ، وتشكو لها همومك وأحزانك ، فعش لنفسك وأترك الحياة لمن يستطع أن يتحمل
تقلباتها.
x