بقلم - محمد مقلد
الحب من أرق المشاعر التى يفرضها الواقع الفطري والغريزة الوجدانية بين الجنسين ، يختلف فى تركيبته وظروفه
والمقدمات التى تؤدى إليه عن مشاعر الفرح والحزن والغضب ألخ ... فالحب شئنا أم
أبينا ، شعور وجدانى يخرج بالطرفان من عالم الواقع لعالم الخيال ، عالم يشعران فيه
وكأن الله تعالى لم يخلق غيرهما على وجه الأرض فالعاشق فى هذا العالم السحرى يشعر
أنه يعيش فى صحراء لا يوجد بها إلا عشيقه فقط ، عينيه لا ترى غيره وأذنية لا تسمع
إلا صوته وقلبه لا يخفق إلا بوجوده ، وأحاسيسه لا تتحرك إلا بالنسمات التى تخرج من
أنفاسه
وحتى يصل المحب إلى درجة العشق ، يعترض طريقه ثلاث مطبات ، فالطريق بالفعل شاق
ومحفوف بالمخاطر ، وأى تعثر فى غالب الأحيان يكون تأثيره قوى ومباشر على النفس البشرية وإن
اختلف التأثير من شخص لآخر ، وحسب الجنس بين الرجل والمرأة ، فالمرأة فى غالب
الأحيان تكون أكثر تأثراً وتشعر وكأن حياتها انتهت عند هذا التعثر ، حتى تساعدها
الأيام وتجعلها تؤمن بأن الحياة مستمرة ولن تقف عند أى شخص مهما كانت درجة محبته
فى قلبها.
المطب الأول يبدأ مباشرة لحظة تبادل النظرات بين الطرفين و التى تعطى إشارة
للقلب لكى يخفق بسرعة شديدة ويستعد ليفتح أبوابه لدخول السعادة والانبهار بالطرف
الآخر ، فالمحب فى هذه المرحلة كون شعوره
بالمظاهر الخارجية وأسلوب كلام منمق معظمه مصطنع فى البداية ، وطبعاً كل طرف فى
هذه المرحلة يغفل عيوب الطرف الآخر
وبدون أن يشعر الطرفان يدخلان معاً نفق المطب الثانى ، باكتشاف كل طرف طباع
وأخلاق وسوك الطرف الآخر ، ويضع كل طرف يديه على مميزات وعيوب من خفق له قلبه ، وهنا
يبدأ صراع نفسى رهيب بين الكفتين ، وإن كان الطرفان يأملان للمميزات أن تكون الكفة
الأرجح ، ويحاول كل طرف إقناع نفسه بالتغاضي عن عيوب الطرف الآخر وكأنها لم تكن
ويحاول التعود عليها .
ويستمر هذا الصراع حتى تنتصر كفة المميزات ، ليصلان معاً للمطب الأصعب والذى يبدأ بسؤال ، وماذا بعد ؟ فقد انتهى كل
طرف من دراسة الطرف الآخر ووقف على عيوبه ومميزاته واستطاع أن يتكيف مع العيوب
ويعتبرها شيء عارض لا يقف حائلاً أمام مستقبل هذا الحب ، الحب الذى وصل هنا لمحطة
العشق بينهما.
سؤال بالفعل قاسى عليهما مرهق لقلبيهما ، مجرد التفكير فيه يخرجهما من عالم الخيال الذى يغلفه النظرات
الساحرة وفرحة القلوب وكلام يعطره الاحساس برائحة زهرة الياسمين ، لعالم الواقع
ليطاردهما نفس السؤال ليل نهار ، وماذا بعد ؟ سؤال عدو لكل العشاق يعتبروه كابوس
مزعج ، يتعمدان التهرب من الإجابة عليه ، فهما فى حلم جميل يتمنيان معه ألا
يستيقظا من النوم أبداً ، حتى لا يطاردهما كابوس الإجابة عن هذا السؤال ، فإجابته بالفعل قاسية عليهما ، تطعن حبهما
بخنجر الفراق دون أن تمحى آثاره الموجعة داخل القلوب.
وبالطبع يختلف هذا الحب عن الحب الذى يأتى بعد زواج الصالونات ، ففى هذه
الحالة لا مجال لوجود سؤال وماذا بعد ؟ فقد قفز الطرفان معاً حاجز المطبات الثلاث
ووصلا إلى المبتغى أولاً ، وعبرا القيود الاقتصادية وعدم التكافؤ واختلاف الطباع
من مميزات وعيوب ، لذلك كشفت معظم الاحصائيات المتعلقة بهذا الأمر أن الحب الذى
يحتل القلوب عقب الزواج يتفوق بمراحل عن الذى يأتى فى مرحلة المراهقة و الشباب ،
ويكفى أنه لا يحتاج إلى الاجابة عن سؤال ... وماذا بعد ؟
x