يتساءل العالم العربى أجمع ، عن أسباب صمت حكومات دول الخليج عما يحدث من حرب إبادة ضد الفلسطينيين في غزة ، وهل هناك أسباب للسلبية التى أصابت تلك الحكومات تجاه القضية الفلسطينية بوجه عام ، حتى بدأ بعض المراقبون يتهمون دول الخليج بأنها تتآمر على القضية الفلسطينية ، وأن تلك المؤامرة لها من الأسباب التى دفعت تلك الدول لهذا الموقف المتخاذل فى القضية الفلسطينية.
التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل لم يتوقف
المثير
للدهشة في هذه القضية ، أن بعض القيادات الحكومية بدول الخليج وعلى رأسها البحرين
والإمارات لم يتوقف دورهم عند سلبيتهم تجاه حرب الابادة ضد المدنيين في قطاع غزة
وحسب ، بل وصلت إلى إعلان رفضهم القاطع للهجوم الذى شنته كتائب المقاومة على
المستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر ، ولم يذكر أحداً منهم أن هذا الهجوم
كان رد فعل طبيعى لاستفزازات الأمن الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين بالضفة الغربية
وتدنيسهم المسجد الأقصى ، والعالم كله شاهد تصريحات ولى عهد البحرين وبيان وزارة
الخارجية الإماراتية ، التى تدور معظمها حول هذا المعنى ، الذى يكشف موقف الدولتين
المؤيد في باطنه لحرب الابادة بقطاع غزة.
القواعد العسكرية الأمريكية ودور المقاومة.
أما
عن الأسباب التى دفعت دول الخليج للتآمر على القضية الفلسطينية ، فهى عديدة ولكن
أبرزها على الإطلاق القواعد العسكرية الأمريكية بمنطقة الخليج والمنتشرة في جميع الدول الخليجية بلا استثناء
، حيث أشارت آخر الاحصائيات في عام 2022 ، أن الولايات المتحدة تمتلك 41 قاعدة
عسكرية بالمنطقة ، وعدد جنودها وصل إلى 46 ألف جندى أمريكى ، وتلك القواعد كما هو
معروف محاطة بفصائل المقاومة والشيعة المنتشرين بمعظم دول الخليج ، ومن هنا بدا
يسيطر الخوف على حكام تلك الدول وفضلوا الصمت عن اتخاذ مواقف أكثر صرامة بطرد سفراء
وممثلى إسرائيل من أراضيهم ، اعتراضاً على ما يحدث في غزة.
حيث
ترى تلك الحكومات أن اتخاذها مثل هذا الموقف تجاه إسرائيل سيجعلها في حالة عداء مع
الولايات المتحدة ، وبالتالى أى استهداف في هذا التوقيت للقواعد العسكرية
الأمريكية سيضع الدولة التى تستضيف القاعدة العسكرية التى تعرضت للاستهداف في موضع
اتهام بأنها ساهمت في هذا الهجوم ، وتجد نفسها فجأة أمام نيران الوحش الأمريكى،
فضلاً عن أن تلك القواعد مزودة بطائرات حربية ومنصات صواريخ وغيرها من الأسلحة
الحديثة ، حتى أصبحت تمثل شوكة في ظهر دول الخليج الضعيفة عسكرياً.
والقواعد
الأمريكية منتشرة بصورة مخيفة بمنطقة الخليج ، منها على سبيل المثال لا الحصر ،
قاعدة " العديد " غرب الدوحة
بدولة قطر ، وهى أهم قاعدة عسكرية أمريكية بالخليج العربى ، وتضم أطول مدرج ومهبط
للطائرات الحربية بالمنطقة ، كما يوجد بقطر قاعدة السيلية العسكرية ، التى تقع على
بعد 15 كيلو من مدينة الدوحة ، وكانت تلك القاعدة مركز القيادة العسكرية الأمريكية
أثناء حربها على العراق ، و في دولة الكويت توجد قاعدة السالم الجوية ، وقاعدة
عريفجان والتى تعتبر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالكويت ، وتضم قوات جوية وقوات
المارينز ، وفى البحرين توجد قاعدة الأسطول الخامس الأمريكى والتى تضم 7 آلاف مجند
أمريكى.
ويوجد على أرض الإمارات قاعدة جبل على ، والتى
تعتبر أكبر قاعدة دعم لوجيستى للقوات الأمريكية بالخليج ، وتضم 5 آلاف مجند أمريكى ، بجانب قاعدة الظفرة
الجوية التى تضم طائرات " أف 35 " الشبحية ، أما في السعودية فحدث ولا
حرج ، حيث تنتشر بها القواعد العسكرية الأمريكية بصورة مريبة ، أكبرها على الإطلاق
قاعدة الملك خالد العسكرية بحفر الباطن ، وتضم قوات أمريكية بحرية وبرية وجوية ،
وفى العراق توجد قاعدة " كى وان " الأمريكية في محافظة كركوك ،وهى عبارة
عن معسكر كبير للتدريب والتأهيل ، وفى سوريا يوجد العديد من القواعد العسكرية
الأمريكية ، على رأسها قاعدة " التنف " قرب الحدود بين العراق والأردن
جنوب سوريا ، وتلك القاعدة دائماً ما تشهد مناوشات بين سلاح الطيران للولايات
المتحدة والدب الروسى
الأذرع الإيرانية والمخطط السعودى
أهم
وأخطر الأسباب التى تؤكد مؤامرة دول الخليج على القضية الفلسطينية ، رغبة تلك
الدول للتخلص من الأذرع الإيرانية بالمنطقة ، والمتمثلة في كتائب المقاومة بقطاع
غزة وحزب الله بجنوب لبنان والحوثيين باليمن وباقى المقاومة في العراق وسوريا
والبحرين ، حيث ترى تلك الدول أن الأذرع الإيرانية تهدد أمنها واستقرار دولهم ،
وأن كتائب القسام بغزة وحزب الله جنوب لبنان والحوثيين باليمن من أخطر الأذرع
الإيرانية التى تهددهم ، وكانت تبحث عن
وسيلة للتخلص منها ، فوجدت ضالتها في حرب الجيش الإسرائيلى على غزة بدعوى التخلص
من المقاومة الفلسطينية ، لأن القضاء على المقاومة بغزة ، ومن بعدها حزب الله سيفتح الطريق للقضاء على
باقى أذرع المقاومة التابعة لإيران في العراق وسوريا والبحرين واليمن.
وتعتبر
المملكة السعودية هى المخطط الأول لهذا التوجه ، لاسيما بعد المعاناة التى تعرضت
لها المملكة على يد جماعة الحوثيين التى استهدفت المنشآت الاقتصادية السعودية
بالصواريخ الموجهة ، والحوثيين تعتبر من أهم الأذرع الإيرانية ، وهذا ما دفع
الولايات المتحدة وإسرائيل لاتهام إيران بأنها وراء اختطاف الحوثيين لسفينة
إسرائيلية في البحر الأحمر وسحبها للموانئ اليمنية ، وكل هذه التطلعات دفعت لاتفاق
سري بين عدد من دول الخليج برعاية السعودية مع العدو الإسرائيلى ، يقضى بمباركة
الجيش الإسرائيلى للقضاء على المقاومة في قطاع غزة ، لتكون البداية للقضاء على
الأذرع الإيرانية في لبنان والعراق واليمن والبحرين وسوريا ، وهذا ما يفسر الموقف الإسرائيلى المتشدد
والتأكيد على أن حربهم مستمرة على قطاع غزة حتى يتم تطهير القطاع من المقاومة حسب
زعمهم.
والموقف
السعودى من عملية التطبيع مع الكيان الصهيونى ، يؤكد المؤامرة بشكل عام على القضية
الفلسطينية ، حيث أكدت وسائل إعلام غربية ، بأن محمد بن سلمان ولى عهد السعودية ،
أكد للإدارة الأمريكية ، بأن المملكة لم تغلق الباب في وجه التطبيع مع إسرائيل ،
وأنها فقط تنتظر التخلص من المقاومة بغزة ، وتنفيذ شروطها العسكرية التى من بينها
الحصول على نفس الأسلحة التى تحصل عليها إسرائيل ، لتعلن بشكل رسمى توقيعها على
الانضمام لاتفاقية إبراهام التى تقوم على التطبيع مع الكيان الصهيونى ، حيث ترى
المملكة أن القضاء على الأذرع الإيرانية يساعد على التطبيع مع دولة الاحتلال دون أى تهديد خارجى.
الاستثمارات الخليجية مع إسرائيل
ومن
الأسباب أيضاً التى توضح الموقف السلبى لقادة دول الخليج تجاه
الحرب على غزة ، حجم استثمارات عدد من تلك الدول مع الإدارة الإسرائيلية ، لاسيما
الدول الموقعة على اتفاقية إبراهام ، وتعتبر السعودية على رأس دول الخليج التى لديها مشروعات
استثمارية مشتركة مع الكيان الصهيونى ، فقد كشف من قبل جاريد كوشنر صهر ومستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد
ترامب، أن الحكومة السعودية سمحت له باستثمار أموالها في شركات إسرائيلية ، بعدما قدم
له محمد بن سلمان نحو 2 مليار دولار لهذا
الغرض ، وكشفت وسائل إعلام عبرية أن ولى العهد السعودى يضخ استثمارات حكومية في شركات التكنولوجية
الناشئة الإسرائيلية عبر صناديق أمريكية كبيرة.
وتبلغ التجارة الثنائية بين إسرائيل والإمارات 5,6
مليار دولار ، منذ التوقيع على اتفاقية ابراهام ، وأن أكثر من مليون سائح إسرائيلى يقومون بزيارة الإمارات سنوياً ، و70 شركة إسرائيلية تعمل بدولة الإمارات ، و106
رحلة أسبوعية ما بين الإمارات وإسرائيل ، وتم توقيع 120 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين
الجانبين ، بجانب توقيع أول اتفاقية تجارة حرة ما بين إسرائيل ودولة من دول
الخليج.
وكشفت
أرقام الجهاز المركزي للإحصاء ، أن
التجارة بين الإمارات وإسرائيل في " 2021-2022 " باستثناء الماس
والخدمات ، بلغت نحو 2.5 مليار دولار، بينما قفزت السياحة قفزة هائلة ، فخلال
عام 2022 استقبلت الإمارات ، نحو
مليون سائح إسرائيلي ، بينما زار 1400 سائح من الإمارات إسرائيل خلال نفس العام .
فيما
اعتمد التعاون بين إسرائيل والبحرين ، بشكل أكبر على مجالات التكنولوجيا والأمن
السيبراني والأسلحة والتدريب العسكري وإدارة الشركات والتجارة، حيث استغلت الحكومة
البحرينية التقدم التكنولوجى الإسرائيلى ،
لاستخدام برنامج التجسس الاسرائيلى " بيغاسوس " ، لمراقبة المعارضين
بالدولة ، وكثفت البحرين من تعاملها مع أجهزة الأمن الإسرائيلية ، والاتفاق على
قيام إسرائيل بتدريب ضباط الاستخبارات
البحرينية ، بينما اهتمت إسرائيل باستيراد الألمنيوم البحرينى ، وذلك عن طريق
شركة "البا" إحدى أكبر شركات
إنتاج الألومنيوم في منطقة الشرق الأوسط.
x