القراءة المتأنية للخطاب الأخير للرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية ، تؤكد أن الرجل يعيش فى ضغوط رهيبة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول الغرب وعلى رأسها بريطانيا ، بهدف موافقته على تهجير الفلسطينيين بقطاع غزة إلى داخل سيناء ، هذا التهجير الذى أعلنت عنه من قبل عدد من التقارير البريطانية قبل 50 عاماً ، فهذا التهجير ليس وليد اليوم كما يتوقع البعض ، ومن كلام الرئيس السيسى يتضح أن التهجير هو السبيل الوحيد لانتصار إسرائيل فى هذه الحرب ، وتحول إلى مسألة حياة أو موت للحكومة الإسرائيلية.
الرئيس السيسى أعلن رفضه القاطع لتهجير الفلسطينيين |
فقد كشفت وكالة "بي بي سي" عن وثائق سرية بريطانية ، تفضح النوايا الاسرائيلية فى تهجير الفلسطينيين منذ 52 عاماً ، حيث كانت إسرائيل تخطط لاستغلال احتلال سيناء عام 1967 وقيامها باحتلال غزة ، لترحيل الفلسطينيين بالقطاع إلى مدينة العريش ليكونوا بعيدين عن الحدود الإسرائيلية بعد تحويل غزة إلى منطقة إسرائيلية وتحت سيادتها.
صعوبة قضية التهجير ، أن الحكومة الإسرائيلية ترى أنه فى حال نجاحها فى تهجير الفلسطينيين من القطاع لداخل سيناء ومن الضفة الغربية للأردن ، هو الوسيلة الوحيدة لحفظ ماء وجهها أمام شعبها أولاً وأمام العالم ، فى ظل الخسائر المادية والعسكرية التى تكبدتها إسرائيل من جراء حربها على غزة وعدم تحقيقيها أى انتصار يذكر
خسائر إسرائيل
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد كابوس 7 أكتوبر ، لم تحقق إسرائيل أى تقدم ملموس ، بل على العكس فقدت التعاطف الشعبى العالمى تجاهها فى ظل حرب الإبادة التى تشنها على الأطفال والنساء بقطاع غزة ، والمشاهد البشعة التى دفعت شعوب العديد من الدول الأوربية للانتفاضة ضدها والتعاطف مع الفلسطينيين ، فى الوقت الذى تحقق فيه كتائب المقاومة الفلسطينية الانتصار تلو الآخر باستهداف آليات الجيش الإسرائيلى وجنوده وإلحاق خسائر فادحة بهذا الجيش منذ بداية التوغل البرى ، فضلاً عن اعتراف إسرائيل والولايات المتحدة بشكل رسمى بحركة حماس ، بالتفاوض معها على تبادل الأسرى فتحولت أمام العالم من حركة إرهابية كما تصنفها أمريكا وإسرائيل ، لحركة تدافع عن أرضها وأرض شعبها ، وتجلس على مائدة المفاوضات مثلها مثل غيرها من الكيانات الشرعية.
كما تكبدت إسرائيل خسائر نفسية بين جنودها ، الذين فوجئوا بأنهم فى حرب يواجهون فيها قوة لا يستهان بها ، يخرج عناصرها من مناطق لا يتوقعوها ، حتى وصلت الأمور مع الجنود الإسرائيليين أنفسهم لحالة من الخوف والاضطراب النفسى جعلتهم يطلقون النيران على بعض زملائهم وقتلهم بطريق الخطأ ، وهو ما كشفت عنه عدد من وسائل الإعلام العبرية ، حتى الأنفاق تحولت إلى مصدر رعب لهم بعدما تحولت لقنابل موقوتة تحصد أرواحهم فى حال محاولة اختراقها ، وجاء ايهود باراك رئيس وزراء إسرائيل السابق ، ليعلن بأن النفق المتواجد تحت مجمع الشفاء بغزة من صنع إسرائيل ، ليزيد من الخسائر الإسرائيلية ، لاسيما عقب اعلان قيادات الجيش الإسرائيلى أنهم استهدفوا المستشفيات لوجود أنفاق لحماس تحت أرضها ، أضف إلى ذلك الخسائر المادية التى لحقت بدولة إسرائيل من جراء تلك الحرب حتى الآن.
التهجير هو الحل
الحكومة الإسرائيلية ترى أن التهجير القسرى للفلسطينيين من قطاع غزة والضفة هو السبيل الوحيد لها ، لتشعر بأنها حققت انتصار من جراء تلك الحرب ، لذلك جاءت الضغوط الرهيبة على الرئيس عبد الفتاح السيسى من جانب الولايات المتحدة ودول الغرب للموافقة على تهجير الفلسطينيين لداخل سيناء ، ومن المتوقع أن تشهد فترة الهدنة بين إسرائيل والمقاومة تكثيف الضغوط والمفاوضات على مصر للموافقة على التهجير.
الولايات المتحدة استخدمت كل السبل للضغط على الرئيس السيسى ومصر لقبول تهجير الفلسطينيين لسيناء ، بدأت تلك الضغوط بعرض مميزات مالية واسقاط جزء من الديون المصرية بصندوق النقد بل وتسهيل الحصول على قروض جديدة لحل الأزمة الاقتصادية داخل مصر ، إلا أن القيادة السياسية المصرية رفضت هذا الأمر بصورة صارمة ، فعادت الضغوط لتطلب من مصر قبول تهجير الفلسطينيين لسيناء لفترة 3 أشهر فقط حتى يتمكن الجيش الإسرائيلى من القضاء على حركة حماس ، مقابل أيضاً بعد الامتيازات المالية وهو ما رفضته مصر أيضاً ، وجاء الاقتراح الثالث بأن يتم شراء الوحدات السكنية بالمدن الجديدة داخل مصر للفلسطينيين فى غزة وتهجيرهم إليها مع إسقاط نصف الديون المصرية بصندوق النقد الدولى ، فكان الرد المصرى لا يختلف عن الردود السابقة ، والآن خرج اقتراح جديد بأن تستقبل تركيا والسعودية والإمارات والبحرين الفلسطينيين على أراضيهم.
وهذا ما يؤكد بأن التهجير هو الأمل الوحيد لإسرائيل لحفظ ما وجهها والخروج بأى مكاسب من هذه الحرب ، وهو ما دفع الرئيس السيسى خلال تصريحاته الأخيرة ، بإعلان أن تهجير الفلسطينيين لمصر أو أى مكان آخر خط أحمر ، وأن مصر لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية بأى حال من الأحول ، وأوضح السيسى أن الفلسطينيين لو خرجوا من أراضيهم لن يعودوا إليها مرة أخرى ، وشدد على أن سكوت مصر على ما يدور فى ملف التهجير ليس ضعف ولا تهاون من جانبها ، ولكن سيكون الرد حاسم فى الوقت المناسب فى حالة اصرار إسرائيل على هذا الأمر.
x