أقدم 27 مجند فى الجيش الإسرائيلي على الانتحار ، مع انطلاق حرب غزة الأخيرة ، التى فجرتها كتائب المقاومة يوم 7 أكتوبر الماضي وحتى الآن ، وتعمدت قيادات الجيش ووسائل الإعلام العبرية ، التكتم الشديد على تلك الحالات التي أقدمت على الانتحار ، حتى لا تتسبب فى إرباك الأوضاع داخل الجيش ، فلجأت لأسلوب التضليل الإعلامي فى هذا الملف الخطير وعدم الإفصاح عن العدد الحقيقى للجنود المنتحرين ، أو من حاولوا اللجوء للانتحار.
نتينياهو |
يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلى ، يعلم بهذا العدد
الكبير بين صفوف جنوده الذين أقدموا على الانتحار ، وقام بإبلاغ بنيامين نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلى ، بأن حالات الانتحار بدأت تزداد داخل الجيش الإسرائيلى ،
مطالباً بضرورة اتخاذ خطوات سريعة لإنهاء الحرب على غزة فى أقصر وقت ، مبرراً ذلك بأن طول أمد الحروب ،
يتسبب فى زيادة عدد المنتحرين بين صفوف الجيش الإسرائيلى ، لاصابتهم بحالة من
الاكتئاب والضغط النفسى ، وبدا التكتم على أسباب وفاة هؤلاء المنتحرين داخل الجيش
الإسرائيلى ، هو السبيل لدى الحكومة الإسرائيلية ، التى تعلن عن عدد قليل ممن
قاموا بالانتحار ، وتتدعى أن حالات الوفاة وقعت لأسباب أخرى ، حفاظاً على تماسك الجيش.
بدأت حالات الانتحار داخل الجيش الإسرائيلى ، خلال الحرب
الدائرة حالياً فى غزة ، بداية من يوم 8 أكتوبر ، أى بعد يوم واحد فقط من الهجوم
الذى شنته قوات المقاومة الفلسطينية على المستوطنات بغلاف غزة ، حيث أقدم 4 من
الجنود الإسرائيليين على الانتحار ، من هول ما شاهدوه فى هذا اليوم ، فضلاً عن أن
المنتحرين الأربعة مجند واحد منهم تابع لسلاح المدرعات ، بينما الثلاثة الآخرين ، تابعين لسلاح المشاة
الميكانيكية ، وجنود السلاحين الأكثر إقداماً خلال الفترة الأخيرة على الانتحار.
جنود المدرعات والمشاة الأكثر انتحاراً
توالت عمليات الانتحار بين جنود الجيش الإسرائيلى ، خلال
الأيام القليلة الماضية ، حتى ارتفع العدد إلى 27 منتحراً ، أعلن عنهم أحد الضباط
داخل جيش الاحتلال عبر تويتة له عبر منصة " x " ولكنه هم بمسح التويتة بعد نشرها مباشرةً ، ومع
ذلك تكتم الجيش الإسرائيلى عن هذا العدد ، والذى يتوقع أن يكون أكبر من ذلك بكثير
، واكتفى الإعلام الإسرائيلى بالإعلان أن المنتحرين عددهم 4 جنود فقط على عكس
الحقيقة ، حيث أقدم 9 مجندين بالانتحار يوم 23 أكتوبر الماضى جميعهم من سلاحى
المدرعات والمشاة داخل الجيش الإسرائيلي.
ويرى بعض المحللين ، أن إقدام المجندين التابعين لسلاحى
المشاة والمدرعات بالجيش الإسرائيلى على الانتحار ، يرجع إلى حالة الاكتئاب
والإضرابات النفسية الكبيرة التى يعانى منها جنود تلك الأسلحة ، لدرجة أن أحد كبار
الضباط الكبار بسلاح المشاة ، دخل فى مشادة كبيرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلى
بنيامين نتنياهو أثناء زيارته لمعسكرهم للشد من أزرهم ، حيث قابله الضابط ، بوابل
من السب والاتهامات بأنه يزج بالجيش إلى التهلكة ، واتهمه بأنه وراء إقدام عدد من مجندى المشاة للانتحار ، بسبب
السياسة الخاطئة التى ينظم بها الأعمال داخل الجيش.
وكشف المحللون ، أن السبب الرئيسى فى حالة الاكتئاب
والاضرابات النفسية ، التى تؤدى إلى انتحار جنود سلاحى المشاة والمدرعات داخل
الجيش الإسرائيلى ، يرجع إلى الزج بهؤلاء الجنود للقيام بأعمال لا تمت لهم بصلة فى
مستعمرات الضفة الغربية ، وقيامهم بأعمال تخص الشرطة فقط فى التعامل مع المدنيين
من نساء وأطفال وعجائز ، ومشاهدتهم الجيش الذى تتغنى به الحكومة الإسرائيلية ، وهو
يقوم بقتل الأطفال والنساء ، والتعامل معهم بوحشية ، مما دفع هؤلاء الجنود لفقد
الثقة فى أنفسهم وفى قيادات الجيش ، مما أدى إلى تراجع كبير فى قوتهم القتالية ،
فأصيبوا بالإضرابات ، وظهر ذلك جلياً على عجزهم عن التصدى للمقاومة عند اقتحام
غلاف غزة فى السابع من أكتوبر.
تاريخ الانتحارات وانتحار نتنياهو
كشف بعض المراقبون للحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع
غزة ، أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء ، يمر بضغوطات رهيبة وحالة نفسية مضطربة ،
لما يقابله من معارضات شديدة من قيادات كبيرة داخل الجيش الإسرائيلى ، ورفض القطاع
الأكبر من الشعب الإسرائيلى نفسه لسياسته وطريقة إدارته للمعركة ، نتيجة لذلك يظهر
الجيش الإسرائيلى فى حالة هستيرية فى شن الضربات على قطاع غزة ، لأن انقاذ نتنياهو
يتعلق فى المقام الأول بالسيطرة على غزة ، والقضاء على المقاومة الفلسطينية داخل
القطاع ، لذلك توقع البعض أن يقدم نتنياهو على الانتحار فى حال فشله فى تلك الحرب
وتحقيق الهدف من ورائها .
وأرجع المحللون احتمالية إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلى
على الانتحار فى حال فشله فى تحقيق أهداف تلك الحرب لعدة أسباب ، على رأسها الضربة القوية التى تعرض
لها الجيش الإسرائيلى يوم 7 أكتوبر الماضى ، واقتحام رجال المقاومة لغلاف غزة
والمستعمرات الإسرائيلية ، وإلحاق أضرار كبيرة بكتيبة كاملة ، وانهيار كافة
الأجهزة الرقابية والاستخباراتية ، والمنظومة التكنولوجية للجيش الإسرائيلى ، السبب الثانى الضغوط الكبيرة
التى يتعرض لها من عائلات الأسرى الإسرائيليين ، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التى
تتكبدها الحكومة الإسرائيلية بسبب طول أمد الحرب وحالة الشلل التام التى أصابت
كافة المؤسسات الاقتصادية ، أضف إلى ذلك المجازر التى تسبب بها ضد الأطفال والنساء
، التى لم يشاهدها العالم فى أى حرب سابقة بهذا الشكل الوحشى ، كما أنه أصبح شخصية
مرفوضة لدى الحكومة الإسرائيلية ، وبين قيادات الجيش نفسه.
رغم محاولة الجيش الإسرائيلى التكتم الشديد على حالات الانتحار
بين صفوفه ، إلا أن تاريخ الانتحارات داخل هذا الجيش تؤكد ، أنها ظاهرة منتشرة بين
قواته منذ زمن بعيد ، حيث يعتبر من أوائل
الجيوش فى العالم الذى يقدم جنوده على الانتحار ، فقد كشفت الاحصائيات إقدام من 70
إلى 100 مجند إسرائيلي للانتحار فى العام الواحد ، رغم أن تلك الظاهرة تقلصت بشكل
واضح خلال عام 2020 إلى أنها عادت لتتصاعد مرة أخرى خلال الثلاث سنوات الأخيرة
والجدير بالذكر
أن ظاهرة الانتحار منتشرة داخل المجتمع الإسرائيلى بشكل عام ، لعدة اعتبارات أهمها
على الإطلاق الاضرابات النفسية ، والأوضاع الاقتصادية الصعبة ، غير أنهم شعب دائماً يشعر بأنه غير مهيأ
للاستقرار ، وأن لديهم قناعة بأن دولتهم زائلة لا محالة ، لأن معظمهم يؤمن بأن ما
يرد فى القرآن الكريم عنهم ، سيتحقق حتماً.
من هذا المنطلق ، لا يمكن عزل ظاهرة الانتحار في صفوف الجيش
الإسرائيلى عن انتشار الظاهرة داخل
المجتمع الإسرائيلي نفسه ، فقد كشفت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة
الإسرائيلية ، تسجيل 6312 محاولة انتحار خلال عام 2020، مع تراجع بنسبة 9% عن
العام 2019 الذي سجلت خلاله 6861 محاولة انتحار، بينما زادت تلك الحالات خلال
السنوات الثلاث الأخيرة ، حيث سجل عام 2022 محاولة 7342 مواطن إسرائيلى للانتحار ،
كما سجلت الاحصائيات أنه خلال العشر سنوات الأخيرة ، أقدم 6745 إسرائيلى على
الانتحار ، بواقع 600 مواطن تقريباً فى العام الواحد.
وكشفت الاحصائيات ، أن 60% من حالات الانتحار لأعمار
تبدأ من 18 عاماً حتى 25 عاما، وهي المرحلة العمرية ، المتعلقة بتأهيل
هؤلاء الشباب بشكل إجباري للانضمام لصفوف الاحتياط داخل الجيش الإسرائيلى ، أضف
إلى ذلك فترة السنوات الأولى لهم بين صفوف الجيش ، ويرجع ذلك للحالة النفسية التى
تصيبهم لاعتقادهم بأن انضمامهم للجيش ما هو إلا شهادة وفاة
وأوضحت أحدث
الدراسات ، أن إقدام جنود الجيش الإسرائيلى على الانتحار ، يرجع أيضاً إلى حالة
القلق التى تصيبهم بشأن المستقبل ، مما يصيبهم بالاكتئاب وشعورهم بعدم الانتماء
بشكل كامل ، وهذا ما دفع عدد كبير من
العائلات الإسرائيلية الهروب بأبنائها من الشباب من العيش داخل إسرائيل ، واختيار استكمال
حياتهم فى دول أخرى.
وحتى تتخلص الحكومة الإسرائيلية من ظاهرة الانتحار بين
صفوف الجيش ، أقدمت خلال عام 2005 باستحداث وحدة خاصة بالصحة النفسية، حاولت تطبيق
بعض البرامج للحد من ظاهرة الانتحار بين الجنود ، فضلاً عن الاعتماد على تجنيد
المتخصصين فى الصحة النفسية ، وتوزيعهم على جميع الكتائب ، بهدف المعالجة المباشرة
للاضطرابات النفسية التى تصيب الجنود، ولكن تلك الخطوات فشلت فى الحد من تلك
الظاهرة التى تهدد الجيش الإسرائيلى.