بقلم - محمد مقلد
رحم الله الزعيم الليبى معمر القذافى ، الذى لخص نوايا إسرائيل ، بتصريحاته
الجريئة خلال إحدى الاجتماعات الدولية لبحث القضية الفلسطينية ، قال " إن
إسرائيل تخوض حرب وجود لا حرب حدود " و" إن إنفاق المقاومة فى غزة ، هى
خط الدفاع الأول عن الدول العربية ، والقضاء عليها يفتح الطريق لسقوط دولنا تباعاً " ، وحذر
الزعيم الراحل وقتها ، مما نمر به حاليا من تعنت وجبروت العدو الإسرائيلى بمساندة
غير مسبوقة ، من حكام الغرب وكأنه كان يقرأ من كتاب مفتوح.
ولم يلتفت أحد من زعماء العرب ، لتلك التصريحات ، واعتبروه يهزى وسخروا منه
، ومع اندلاع حرب الإبادة التى يشنها الجيش الإسرائيلى على قطاع غزة ، فى مجزرة
حقيقية لذبح الأطفال والنساء بأسلحة محرمة دولياً ، وتدمير البنية التحتية بالقطاع
من مساجد وكنائس ومستشفيات ومدارس وجامعات ومرافق عامة ، فوجئنا بردة فعل حكام
العرب ، الذين استقبلوا تلك المذابح بمواقفهم السلبية التى اعتادوا عليها ، وظهروا
مغيبين عن الواقع الذى يحيط بهم ، والمخاطر التى تنتظرهم ، من عدو متربص ، يتحين
الفرصة للانقضاض والقضاء عليهم.
وللأسف فوجئنا بين الشعوب العربية بمن لا يقدر حجم المصيبة التى ألمت بنا
جميعاً كعرب ، علماً بأن مجرد اهتمامهم بمتابعة قمة السلام الأخيرة ، التى
احتضنتها القاهرة ، وقراءة الملامح التى ارتسمت على وجه الرئيس السيسى ، طوال فترة
انعقادها ، لقرأوا المشهد السياسى بشكل كامل ، والمخاوف التى يحملها هذا الرجل
بداخله ، حول مستقبل الدول العربية والمنطقة بأكملها ، فهو فى النهاية رجل مخابرات
فى المقام الأول.
فقد كان يعتقد أن ما شاهده حكام العرب من مذابح حقيقية وإبادة كاملة لأهلنا
فى غزة ، سيشعل حماستهم ويحرك بداخلهم نخوة العروبة ، ويدفعهم لاتخاذ مواقف أكثر
صرامة ضد العدو الصهيونى ، مواقف تشجعه وتجعله قادر على اتخاذ قرارات قوية لردع
العدو الصهيوني ، ولكنه أصيب بخيبة أمل ، ووجد نفسه أمام حقيقة مفجعة ، حقيقة
تؤكد أن ظهره مكشوف ، والنوايا تحاول الزج بمصر وحدها فى المواجهة ، ويتفرغون هم
للمشاهدة بعيداً عن أى أخطار.
لقد انتظر الرجل قرار رادع من حكام الدول الموقعة على اتفاقية التطبيع مع
إسرائيل " ابراهام " ، قرار يقضى بإنهاء تلك المهزلة ووقف التطبيع بشكل
كامل مع العدو الإسرائيلى ، كان يترقب أن تعلن عدد من الدول العربية مجتمعة ، قطع
العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ، ووقف التعامل مع الادارة الأمريكية ، للضغط
عليهما لوقف تلك المجازر الوحشية ، ملامح السيسى عكست امتناع عدد من الدول العربية
وعلى رأسها الجزائر وتونس ، عن حضور قمة السلام بالقاهرة ، لأنها ببساطة أيقنت أن
الفجوة بين معظم الدول العربية لم تصل بنا إلى أى شئ ، والجميع يلهث وراء سراب لا
جدوى منه.
الرئيس السيسى مع الكلمات التى ألقاها ممثلى الدول الغربية ، خلال قمة
القاهرة ، ارتسم المشهد النهائى بشكل كامل على ملامح وجهه ، ولولا أنه بين ممثلى
دول العالم ، والقمة منقولة بجميع وسائل الإعلام العالمية ، لصرخ فى وجه ممثلى
الدول العربية " فوقوا هنضيع كلنا "
الرجل يعرف أن هذا التصعيد الإسرائيلى ، والتحركات الأمريكية ، وما يحدث
بجنوب لبنان ، ربما يأخذ المنطقة كلها إلى حرب اقليمية شاملة ، تطورها لحرب عالمية
ثالثة بمنطقة الشرق الأوسط أمر وارد ونتيجة مطروحة يشعر بها ويعرف ما ستخلفه من
دمار وانهيار لدول المنطقة ، وتشاهده خلال تلك القمة ، وهو غارق داخل عقله ، يفكر
فى المصير المشؤوم الذى ينتظر العرب والمسلمين ، والعبارة الشهيرة " كل
حلفاؤك خانوك يا ريتشارد " تطارده فى نومه ويقظته.
الرجل فى رقبته أكثر من 100 مليون مواطن ، مسئول عنهم أمام الله ، وأى قرار
سيتخذه سيتحمل وحده عواقبه ، وكان يأمل فى مساندة عربية وتكاتف يجعله يقف على أرض
صلبة ، لإنقاذ أهالينا من الذبح فى غزة ، ولكنهم تركوه ينزلق بقدماه فى مستقبل
يزداد غموضاً ، ومصير لا يعلم مداه إلا الله للمنطقة كلها ، ملامح السيسى يا سادة
بما تحمله من تعبيرات واضحه ، ترسم شهادة وفاة لمعظم حكام العرب.
الوضع بالفعل لا يحتمل أنصاف الحلول ، لقد عزم الغرب على محو دولة فلسطين
من الوجود وتغيير خريطة الشرق الأوسط ، كما أعلنوا هم مع بداية تلك الحرب ، وكأننا
تحولنا برغبتنا لدمى يحركها الغرب كيفما شاء ووقتما شاء ، لقد أسقطت كتائب عز
الدين القسام ، بما فعلته من نصر تاريخى فى السابع من أكتوبر على الجيش الإسرائيلى
، جميع الأقنعة المزيفة عن كل الوجوه ، وكشفت عوراتنا كعرب ، ودقت ناقوس الخطر
الذى يطاردنا ، والتفكك الذى أصاب أمتنا العربية والإسلامية ، لابد أن نرفع القبعة
لتلك الكتائب التى أزاحت الستار لتكشف ما فينا من عيوب وخطايا ، عكستها بوضوح ملامح
الرئيس السيسى خلال قمة القاهرة.
شكراً لكتائب القسام ، التى أضاءت اللمبة الحمراء لكل العرب حكاماً وشعوب ،
لتحديد عدوهم وطريقة تعامله معهم ومع قضاياهم وعقيدتهم ، لعلهم يفيقوا من غفلتهم ، ويغيروا من سياستهم
الخاطئة ، وينبزوا كل الخلافات مهما كانت
، ويختاروا طريق الاتحاد والتعاون بينهم والذى يحولهم من حالة الخنوع تلك ، لقوة
يحترمها الغرب رغماً عن أنفوفهم "
اللهم قد بلغت اللهم فأشهد "