الموقف الذى اتخذته حكومة دولة كولومبيا بأمريكا اللاتينية ، ضد السفير الإسرائيلى ، وقرارها بطرده من كولومبيا ، وقطع علاقاتها بشكل كامل مع الحكومة الإسرائيلية ، وضع كل من الإمارات والبحرين والمغرب ، فى موقف مخزى أمام العالم العربى والإسلامى ، باعتبارها الدول العربية الثلاثة الموقعة على اتفاقية ابراهام مع إسرائيل ، والتى تقوم على التطبيع بين تلك الدول وإسرائيل فى كافة المجالات.
الرئيس الكولومبى يذكر الصهاينة باضطهاد النازيين
الرئيس الكولومبى ، غوستافو بيترو ، خرج عبر تصريحات له ، ليؤكد رفضه
الكامل لما يتعرض له الشعب الفلسطينى من إبادة جماعية ، على يد الطيران الإسرائيلى
، وشبه ما يحدث ضد أهالى قطاع غزة ، بما تعرض له اليهود على يد النازيين ، أبان
الحرب العالمية الثانية ، مما أغضب الحكومة الإسرائيلية وتوالت التصريحات
الصهيونية ، التى نالت من الرئيس الكولومبى ، من بينها تصريح لسفير إسرائيل فى
كولومبيا قال فيه " أن ما قاله الرئيس الكولومبى وقاحة وجنون "
الأمر الذى قابلته الحكومة الكولومبية ، بغضب كبير ، وعلى
الفور طالب ألفارو ليفا ، وزير الخارجية
الكولومبي ، السفير الإسرائيلي بمغادرة البلاد فوراً ، وقطع كافة العلاقات
الدبلوماسية مع الحكومة الإسرائيلية ، فيما علقت حركة حماس على هذا القرار ،
ببيان رسمى ، قالت فيه " نُثمّن موقف وزارة الخارجية الكولومبية
بطلبها من السفير الصهيوني مغادرة البلاد ، على إثر انتقاده لموقف الرئيس
الكولومبي المتعاطف مع شعبنا الفلسطيني ضد العدوان، وندعو كافة الدول حول العالم
إلى اتخاذ خطوات مماثلة رفضا لسياسات الاحتلال العدوانية ولحرب الإبادة التي يقودها
ضد شعبنا الفلسطيني في غزة ".
موقف الحكومة الكولومبية من السفير الإسرائيلى ، أصبح
حديث المواطنين فى مختلف دول العالم ، وأخذ
حيز كبير على مواقع التواصل الاجتماعى ، ولاسيما بين الشعوب العربية ، والتى تناول
الموطنون بها هذا الخبر بترحاب شديد ، ووصف الدولة الكولومبية ، بأنها أفضل من
الدول العربية ، وقارنوا بين موقف كولومبيا من القضية الفلسطينية وتصريحات رئيسها
، وبين الدول العربية الموقعة على اتفاقية ابرهام للتطبيع مع إسرائيل ، وخصوا
بالذكر دول الإمارات والبحرين والمغرب ، التى لم تخرج أى دولة منهم ، لتعلن وقف
اتفاقيتها مع إسرائيل اعتراضاً على ما يتعرض له الفلسطينيين فى قطاع غزة لحرب
إبادة.
الإمارات تحاول حفظ ماء وجهها
مع انطلاق عملية " طوفان الأقصى " على مستعمرات إسرائيل بغلاف
غزة ، ورد الطيران الإسرائيلى ، على تلك العملية ، بقصف شديد على قطاع غزة
واستهداف المدنيين ، خرج المسئولون فى الإمارات ، فى بداية الأمر، ليؤكدوا أن من
حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ، رغم أن مسئولى دولة الإمارات العربية ، على علم كامل
بأن " طوفان الأقصى " جاءت للرد على تدنيس الصهاينة للمجلس الأقصى
واقتحامه بأحذيتهم ، ولم يعلق الجانب الإماراتى وقتها على ما يتعرض له المدنيين فى
قطاع غزة من حرب إبادة شاملة.
ولكن مع استمرار الوحشية الإسرائيلية ضد شعب أعزل ، وانتفاض شعوب كل دول
العالم من بينها دول أوربية ، لرفض ما يحدث من إسرائيل ضد الفلسطينيين بقطاع غزة ،
بدأت دولة الإمارات ، تعدل عن موقفها بعض الشئ ، دون أن تعلن بشكل مباشر وصريح ،
إلغاء اتفاقية ابراهام مع العدو الصهيونى ، واكتفت الحكومة الإماراتية فقط ببيان هزيل
أمام مجلس الأمن ، جاء فيه " نعرب عن بالغ قلقنا إزاء الأوضاع الإنسانية
الكارثية بقطاع غزة ، ونؤكد على أهمية الوقف الفورى للأعمال العدائية ، وتوفير
الحماية الكاملة للمدنيين ، ونؤكد على أهمية أن يعمل المجتمع الدولى على تدارك
الأزمة الانسانية الراهنة فى غزة ، وتقديم كافة أوجه الدعم اللازم.
وهو البيان الذى تناوله النشطاء العرب ، عبر مواقع التواصل الاجتماعى
المختلفة ، بشئ من السخرية ، وعلق معظمهم عليه بقولهم " تمخض الجبل فولد
فأراً " وطالبوا حكومة الإمارات باتخاذ قرارات صارمة فى هذا الشأن ، ويتعلموا
من الحكومة الكولومبية ، التى قررت طرد السفير الإسرائيلى من البلاد ، ويقوموا
باتخاذ موقف صارم بإعلان انهاء اتفاقية ابراهام مع إسرائيل ، مؤكدين أن تصرف
الإمارات سوف يدفع البحرين لاتخاذ نفس القرار وربما المغرب أيضاً ، لاسيما وأن
الإمارات هى التى ضغطت على البحرين للتوقيع على اتفاقية ابراهام.
الإمارات تتغنى بتطبيعها مع إسرائيل
وكانت الامارات والبحرين ، من أوائل الدول الخليجية التى
سارعت للتوقيع على اتفاقية ابراهام واعلان التطبيع مع إسرائيل بشكل رسمى ، بعدما
وقعا على الاتفاقية معاً فى سبتمبر من عام 2020 ، وللحقيقة فدولة البحرين كانت
ترفض فى بداية الأمر فكرة التطبيع مع إسرائيل ، ولكن نجحت الامارات فى اقناعها
بتلك الخطوة ، وهو ما تم بالفعل وأصبحت البحرين مضطرة لذلك بمباركة إماراتية ، وهو
ما يكشف سبب تقلص التبادل التجارى والاقتصادى بين إسرائيل والبحرين فى الفترة
الأخيرة
ومع مرور الوقت بانطلاق عملية التطبيع بين
إسرائيل والامارات ، بدأت الأخيرة فى الاعلان عن مزايا هذا التطبيع ، فقد أعلنت
السفارة الإماراتية بإسرائيل من خلال عدة بيانات رسمية ، عن حجم التبادل الاقتصادي
والنجاحات التى حققتها كل من الإمارات وإسرائيل منذ توقيع اتفاقية التطبيع مع
الكيان الصهيونى ، حيث أعلنت أن التجارة الثنائية بين إسرائيل والإمارات 5.6 مليار
دولار ، منذ التوقيع على الاتفاقية ، وأن أكثر من مليون سائح إسرائيلى ، قاموا
بزيارة الإمارات ، و70 شركة إسرائيلية تعمل بدولة الإمارات ، و106 رحلة أسبوعية ما
بين الإمارات وإسرائيل ، وتم توقيع 120 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الجانبين ، بجانب
توقيع أول اتفاقية تجارة حرة ما بين إسرائيل ودولة من دول الخليج.
وكشفت أرقام الجهاز المركزي للإحصاء ، أن التجارة بين الإمارات وإسرائيل في "
2021-2022 " باستثناء الماس والخدمات ، بلغت نحو 2.5 مليار دولار، بينما قفزت
السياحة قفزة هائلة ، فخلال عام 2022 استقبلت الإمارات ، نحو مليون سائح إسرائيلي ، بينما زار 1400 سائح
من الإمارات إسرائيل خلال نفس العام .
فيما اعتمد التعاون بين إسرائيل والبحرين ، بشكل أكبر
على مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني والأسلحة والتدريب العسكري وإدارة
الشركات والتجارة، حيث استغلت الحكومة البحرينية
التقدم التكنولوجى الإسرائيلى ، لاستخدام برنامج التجسس الاسرائيلى "
بيغاسوس " ، لمراقبة المعارضين بالدولة ، وكثفت البحرين من تعاملها مع أجهزة
الأمن الإسرائيلية ، والاتفاق على قيام إسرائيل بتدريب ضباط الاستخبارات البحرينية ، بينما اهتمت
إسرائيل باستيراد الألمنيوم البحرينى ، وذلك عن طريق شركة "البا" إحدى أكبر شركات إنتاج الألومنيوم
في منطقة الشرق الأوسط.
دول رفضت التطبيع مع إسرائيل
بدأت العلاقة
بين قطر وإسرائيل خلال الفترة الأخيرة ، يصيبها الفتور بعض الشئ ، لاسيما بعد فتح ملف التطبيع
الإسرائيلي السعودى ، ويدلل على ذلك ، أن قطر دعت إلى تكثيف الجهود الدولية من أجل اخضاع كافة المنشآت النووية الإسرائيلية لضمانات
الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وانضمام إسرائيل لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية
كدولة غير نووية ، وتم اعلان ذلك من خلال
بيان دولة قطر الذى ألقاه الدكتور عبد العزيز سالمين الجابرى ، رئيس اللجنة
الوطنية لحذر الأسلحة النووية ، أمام
المؤتمر السنوى العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنعقد فى جنيف بسويسرا ،
بشأن القدرات النووية الإسرائيلية
وهناك أيضاً ، دولة الكويت التى أعلنتها صراحةً ، لا
تطبيع مع إسرائيل ، وظلت دوماً رافضة لتلك الفكرة حكومة وشعباً ، لدرجة أنه عندما قام
مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث ، باستطلاع للرأى بشكل عشوائى على عينة من
تغريدات لحسابات خاصة بمواطنين كويتيين على منصة تويتر" x " حالياً ، كانت النتيجة أن ما يصل إلى
أكثر من 95% من الكويتيين يعارضون فكرة التطبيع أو قيام حكومتهم بالتعاون مع
الكيان الصهيونى فى أى مجال ، ما دامت إسرائيل تنتهك حقوق الشعب الفلسطينى ، بل وطرح
البرلمان الكويتى ، فكرة إصدار قانون يمنع بصورة قاطعة أى شكل من أشكال التطبيع مع
الكيان الصهيونى.
وتسبب هذا الموقف الصارم لدولة الكويت فى هذه القضية ،
صدمة كبرى للحكومة الاسرائيلية ، والتى بدأت فى وضع أسباب تحمل وجهة نظرها فقط ، حول هذا
الموقف المتشدد من الجانب الكويتى ، حيث ادعت أن
الكويت مضطرة لذلك بسبب حجم الجالية الفلسطينية الكبير في الكويت ، ومدى
تأثيرها على القرار الكويتى ، ويحاول الإعلام
الإسرائيلي ، الترويج لفكرة حب الكويتيين لإسرائيل ، بإجراء استفتاءات تتضمن آراء بعض اليهود في الكويت ، للترويج لفكرة أن
الشعب الكويتي ليس معاديا لإسرائيل.
وتسير على نفس النهج الكويتى سلطنة عمان ، ولاسيما مع
تقلد السلطان هيثم بن طارق ، أمور البلاد ، واتضح الموقف العمانى بشكل قاطع ،
عندما صوت مجلس النواب العمانى ، على تجريم أي علاقات مع إسرائيل ، حتى ولو كانت
علاقات الكترونية ورسائل متبادلة بين الدولتين.
وعلى النقيض
لموقف السلطان هيثم بن طارق ، من قضية التطبيع مع إسرائيل ، اختار التقارب بصورة
واضحة من دولة إيران، وللحقيقة فإن دولة عمان طوال تاريخها وهى تتخذ طريق الحياد
فى كل القضايا المتعلقة بالمنطقة ، ولا تتدخل على الاطلاق فى شؤون غيرها ، ولم
تقحم نفسها فى أى نزاعات اقليمية ، بل كانت دوماً تتخذ أسلوب حمامة السلام لحل
المشكلات التى تقع بين الدول .
والتاريخ وحده هو الذى يؤكد هذا الموقف من الجانب
العمانى ، فعلى سبيل المثال عندما وقعت الحرب العراقية مع إيران ، فى الفترة من
عام 1980 حتى 1988 ، ظلت عمان هى الدولة الوحيدة داخل مجلس التعاون الخليجي التى اتخذت موقف محايد
طوال فترة تلك الحرب ، ورفضت أن تقاطع مصر
عقب عقد السادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل خلال عام 1979 ، كما أنها الدولة
الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي ، التى حافظت على العلاقات الدبلوماسية مع سوريا ولم
تعلن مقاطعتها أبداً ، فضلاَ عن أنها العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي ، الذي
لم ينضم إلى الحملة العسكرية التي أعلنت عنها المملكة السعودية ، لتوجيه ضربة عسكرية ضد الحوثيين فى اليمن.