محمود ابن الـ 38 عاماً ، الحاصل على بكالوريوس هندسة قسم كهرباء ، مثله مثل أى شاب فى مصر ، كان يتطلع لبناء مستقبله ، وتكوين أسرة يستكمل معها حياته ، ولكن أحواله المادية وظروفه المعاشية ، وقفت حائلاً أمام تحقيق آماله وطموحه ، وعلى الفور فكر كما يفكر معظم الشباب فى السفر للخارج لبناء مستقبله ، والعودة لتحقيق حلمه.
استكمل محمود أوراقه الخاصة بالسفر بالسلف والدين ، وكان وقتها يبلغ من
العمر 26 عاماً ، واختار وجهته للمملكة العربية السعودية ، وعمل فى عدة أعمال مختلفة ، معظمها أعمال شاقة ،
وظلت الغربة تأكل فى أيامه ، حتى أهلكت 12 عاماً من عمره ، وخفف عنه آلام كل هذه
الأعوام ، أنه نجح خلالها فى تكوين ثروة لا بأس بها ، ساعدته فى خطبة إحدى فتيات
قريته ، واشترى شقته ، وجميع ما يلزم لحياته الزوجية التى يتطلع ويحلم بها.
وحدد محمود مع أهل خطيبته موعد الزفاف ، وبدأ فى اعداد أوراقه والاستعداد
للعودة من السعودية لمصر حتى يتزوج ، واشترى بعض مستلزمات الفرح من مدينة الرياض السعودية ، قبل أن يستقل
الطائرة فى طريق عودته لأرض الوطن ، والسعادة تكاد تقضى عليه من فرط الفرحة ، بعد أن تحول حلمه
الذى كان مستحيلاً ، إلى حقيقة الآن أمام عينيه ، ودار شريط أيام القحط والفقر فى
مخيلته فى الطائرة ، وأخذ يحمد الله على
نعمه وعلى ما وصل إليه.
وبمجرد أن نزل محمود من الطائرة ، هاتف خطيبته ، وأخبرها بوصوله ، وبعد
كلمات الترحيب والشوق واللهفة ، طالبها بأن تتركه يذهب لمنزله لرؤية والدته وشقيقه
الأصغر ، ويستعد لعقد القرآن ، المحدد بعد خمسة أيام من عودته ، وقضى محمود الأيام
التى تسبق زفافه ، فى سعادة غامرة ، فمع صباح كل يوم كان يذهب لمنزل خطيبته ،
ويصطحبها معه فى جولة بالأسواق لشراء بعض الاحتياجات لبناء منزلهم الجديد ، وكان
لا يبخل فى شراء كل ما تطلبه خطيبته.
وفى صبيحة يوم الزفاف ، استيقظ محمود من نومه ، والسعادة تكسو وجهه والفرح
يكاد يرقص أمام عينيه ، وهو يحدث نفسه ، أخيراً جاء اليوم الذى انتظرته كثيراً ،
ويردد ، ألف حمد وشكر ليك يا رب ، وظل يحمد الله ، وتروى والدته ، أن وجه محمود
فى هذا اليوم ، كان يشع نوراً وكأن وجهه تحول لمصباح يضئ كل ما حوله ، وعند الساعة
الثالثة عصراً ، أخبر محمود والدته بأنه سينام قليلاً من الوقت ، حتى يستطيع أن
يقاوم السهر مع حفل زفافه ، دخل محمود حجرته وألقى بجسده على سريره ، وكانت المرة
الأخيرة ، فقد كانت مشيئة الله تعالى ، إلا يزف محمود فى الدنيا ، وأن يؤجل زفافه ليوماً لا يعلمه إلا الله تعالى .
دخلت والدة محمود عليه حجرته ، وهى تناديه ، يلا يا حوده يلا يا حبيبى ، عشان تجهز
نفسك ، ولكن محمود كان قد ترك أحلامه وسنواته التى أكلتها لهيب الغربة ، وترك
الدنيا ومن عليها وأسلم روحه لبارئها ، وبرواية والدته فوجئت بوجهه مبتسماً ،
ونسيم غريب ينتشر حول وجهه ، وبعد صراخها وعويل كل أفراد أسرته وأسرة خطيبته على
فراق هذا الشاب الطيب ، بدت قصة محمود عبرة بأن المستقبل وحده بيد الله .