بقلم - محمد مقلد
استيقظت من نومك على صوت آذان الفجر ، فأخذت تنهض من
فراشك استعداداً للصلاة ، فباغتك بالهمس فى أذنيك ، يا عم نام هتصحى تعمل أيه ،
صلاه أيه دلوقتى بس ، نام ... نام يا رجل ، والصباح رباح ، أنت تعبان ، ريح جسمك
الساعتين دول ، أنت وراك شغل الصبح .
صراع الحوار صب فى صالحه ، ونجح فى اقناعك بكلامه ، فعدت
لتغرق فى نوماً عميقاً ، وكأنك لم تنم منذ فترة طويلة ، وقبل وقت العمل بساعة ،
انهيت حمامك وارتديت ملابسك ، وإذا بك تغلق باب منزلك ، فورد بخاطرك أنك نسيت
الصلاة ، فنظرت لساعتك ، أكثر من نصف ساعة على موعد العمل ، والوقت يسمح بالصلاة
، فهممت بالعودة لأداء الصلاة ، فقفز على رأسك واخترق عقلك ، أنت لسه هتدخل البيت
تانى وتصلى ، أنت كده هتتأخر على شغلك ،
يا عم مش مهم صلاة الصبح النهاردة ، الأيام جايه كتير ، وللمرة الثانية ينتصر عليك
ويقنعك باستئناف المسير إلى عملك دون أن تصلى.
وبينما تجلس فى الميكروباص فى طريقك للعمل ، فوجئت بمن
يهز كتفك برفق ، تسبقه كلماته " لو سمحت ، بعد اذن حضرتك ، قول للسوق اتنين
معاك من العشرة ، وبمجرد أن توجهت يديك لالتقاط العشر جنيهات ، حاصرك صاحبك بجملة
اعتراضية ، أيه ده .. أنت بتعمل أيه ، هو أنت شغال عنده ، هو أنت كمسرى ، ميوصل هو
الفلوس للسواق بمعرفته ، وما أن انتهى ، حتى صرخت فى وجه الرجل ، وأنا مالى يا
عمنا ، هو أنا كمسرى ، هو أنا شغال عندك ، ده أيه الناس دى ، فبادره الرجل
بالاعتذار " خلاص .. خلاص أنا متأسف ".
دخلت مكان عملك ، فشاهدت بأم عينك الأتربة تكسوا مكتبك ،
فأخذت تخرج المناديل من درج المكتب لتنظيفه ، فارتسمت صورته يضحك ضحكته الخبيثة ،
ليكتب لك عبارات بين ثتايا التراب المتناثر ، " يا سلام ، أنت هتنضف المكتب
بنفسك ، يعنى الفراش ده بيعمل أيه هنا ، ومنضفوش ليه ، لازم تتصرف معاه عشان متتكرش
تانى " وبصوتك العالى ، أنت يا زفت أيه التراب ده ، أنت مستنى مين ينضف القرف
ده ، أمال أنت بتعمل أيه هنا بالظبط.
وإذا بالرجل الذى قارب على الستين ، يطأطأ رأسه ، والله
أنا كنت لسه هنضفه ، فقاطعته بعنجهيتك ، طب مستنى أيه ، روح هات أى حاجة نضف بيها
المكتب ده ، ده أنت قلتك أحسن.
التقطت جورنالك لتتصفحه كعادتك اليومية ، فإذا بزملائك
يتحدثون فيها بينهم عن أمور تخص العمل ، وتطرقوا للحديث فى حق مديركم ، بينما أنت
تائه بين الصفحات ، لا تلتفت لحديثهم ، فجأة صوته الجهورى يطرق طبلة أذنيك ،
" أصحى شوية ، وأسمع بيقولوا أيه ، فرصتك جت لحد عندك ، أنت كده هتبقه فرخة
بكشك عند المدير ، ولم يمر إلا ساعة واحدة ، حتى صدر القرار بمكافئتك ، وتوقيع
الجزاء على زملائك ، وأنت تواسيهم على ما ألم بهم.
توجهت رافعاً الرأس بكل فخر وعزة للخزينة ، لتصرف
المكافأة ، وصرت مشغولاً بعد النقود ، فاكتشفت مائة جنيه زائدة عن مبلغ المكافأة ،
فشرعت فى العودة سريعاً للخزينة لإعادتها ، فتسمرت قدماك ، وسمعت صوته يهمس برفق
" نعم .. أنت هترجع أيه ، ده حقك ، ده رزق جالك من السما ، عايز ترفسه برجلك
يا حمار ، حط الفلوس فى جيبك بلاش عبط " فعدت لمكتبك ، بعدما اقتنعت أن
المائة جنيه من حقك ، وليس من المنطق إعادتها لموظف الخزينة ، الذى سيتحمل خطأه ،
وسيدفع ثمن انعدام ضمير رجل سلم عقله ونفسه لشيطانه.
غادرت العمل واتجهت لكافيه وسط البلد ، لتحتسى قهوتك ،
قبل العودة للمنزل لتناول الغداء مع زوجتك وأبنائك ، فاخترقت رائحة البرفان فتحتى
أنفك ، فأسرعت عينيك لتتحسس مصدره ، فوجدتها إمرأة متوسطة الجمال ، ملابسها تبرز
مفاتن جسدها ، تجلس بالقرب منك ، ونظراتها تعبر عن ما بداخلها ، فمر أمامك شريط
يذكرك أن لديك بنتين ، وكما تدين تدان ، فوجه صاحبك لكمة قوية ، أسقطت ضميرك
مغشياً عليه تحت قدميك ، " صحصح فوق ، أنت بشر ودى فرصة متتعوضش ، وجت لحد
عندك ، ألحق نفسك قبل ما تمشى ، قوم كلمها وخلص ، هو فى أحسن من كده ، بلا عندى بنات
بلا خيبة.
فعدت لمنزلك بعد
أربع ساعات كاملة ، رائحة البرفان تفضحك ، وتكشف تفاصيل فيما قضيت هذا
الوقت ، بعدما وقعت فى فخ شيطانك ، فتهربت عيناك من لقاء زوجتك ، وهى تسأل عن سبب
تأخرك ، وتبادرك بالعبارة المنزلية المعتادة ، هجهز الأكل ، يكون خلصت حمامك وصليت
المغرب ، فصدمتها بردك ، لأ لأ أنا تعبان
هتدخل أنام شوية ، فتوجهت فى صمت لحجرتك ، وألقيت بجسدك المنهك لتغرق فى نوم عميق
، بينما صاحبك يجلس بجوارك يراقبك وأنت نائم ، ويتحسس بيديه شعر رأسك وهو يغنى لك بصوتاً خافت " نام يا حبيبى نام "