شخصيته القوية وعدائه للغرب حوله لزعيم شعبى
إبراهيم
تراورى ، أو بوتين أفريقيا كما لقبه البعض
مؤخراً ،رئيس المجلس العسكرى البوركينى ، ذاك الضابط الصغير ، الذى لم يتعدى عمره الـ35
عاماً ، أبهر العالم كله بشخصيته الواثقة ، وإقدامه ، وجرأته التى غابت عن معظم قيادات دول أفريقيا السمراء ،
والذى أبى مع مجموعة من زملاءه داخل الجيش البوركينى ، أن يظل أبناء وطنه يدفعون
دمائهم وتشريدهم ، ثمناً للهجمات
الإرهابية التى تتعرض لها بوركينا ، يوماً وراء الآخر ، دون أن يكون هناك ردة
الفعل من رئيس المجلس العسكرى والرئيس المؤقت السابق ، بول هنرى ، ودون أن تتدخل
القوات الفرنسية الموجودة بالمنطقة بدعوى محاربة الإرهاب
وأعلن
بوتين أفريقيا وزملاءه ، أن زمن الاستعمار الفرنسى ، الذى نهب ثروات أفريقيا
بالكامل ، لابد أن ينتهى ، فقادوا انقلاباً عسكرياً في سبتمبر 2022 ، وأطاحوا
بالرئيس المؤقت هنرى ، وتقلد تراورى ، مقاليد الأمور ببوركينا ، بشكل مؤقت ، ولاقى
هو ومجموعته ترحيب شعبى كبير من أبناء بوركينا ، الذين وجدوا فيه ، الزعيم الذى
سيخلصهم من الفساد الذى استشرى في مؤسسات الدولة البوركينية ، وحالة الجوع والفقر
التى أصابت القطاع الأكبر منهم .
ووصلت مجموعة تراورى لمبتغاها ، ونجح الانقلاب ،
وعلقوا العمل بالدستور ، ومجلس النواب المؤقت ، و أعلنوا إغلاق الحدود البرية
والجوية ، وفرض حظر التجوال من الساعة التاسعة مساءً حتى الساعة الخامسة فجراً ، وبرروا
انقلابهم ، بأن هنرى لم يف بوعوده ، عقب انقلاب يناير 2022 ، وتقلده منصب رئيس
المجلس العسكرى ، والرئيس المؤقت للبلاد ، ولا سيما فيما يخص أمن المواطنين ،
والتصدى للجماعات الإرهابية ، التى انتشرت بصورة مرعبة خلال الأيام القليلة التى
سبقت انقلاب سبتمبر ، وراح ضحية تلك العمليات العشرات من الجنود والمدنيين ، ونزح
أعداد كبيرة من البوركينيين للبلاد المجاورة هرباً من الإرهاب.
تراورى ما بين لقب بوتين أفريقيا واستلهام روح سانكارا
وعقب
وصول تراورى للسلطة في بوركينا ، كشفت تصرفاته وتصريحاته ، التى تميزت بالجرأة والشجاعة
، والآراء السديدة ، عن مولد زعيم أفريقى جديد يحمل طموحات القارة الأفريقية
بالكامل ، وليس بلاده فقط ، حتى وجد فيه ، الشعب البوركينى ، الذى التف حوله وأيده
عقب الانقلاب ، صورة مكررة للزعيم سكاندرا ، الذى حكم البلاد في الفترة من عام
1983 حتى عام 1987 ، حيث تعرض للاغتيال ، نتيجة لآرائه في الغرب ولاسيما فرنسا
ووصفه لهم بالدول الاستعمارية ، ومن هناك حاصرت الاتهامات فرنسا ، بأنها التى خططت
لقتله على يد أحد العسكريين بالجيش البوركينى.
وجاءت
كلمة تراورى ، التى ألقاها في القمة الروسية الأفريقية ، التى انعقدت في يوليو الماضى ،
بمدينة بطرسبرغ بروسيا ، لتعكس شخصيته الحقيقة ، وتكشف أن آراءه تشبه لحد كبير
آراء بيوتين ، وتطلعاته للقارة السمراء ، لا تختلف عن تطلعات بيوتين بالنسبة
لروسيا ، ومن هنا بدأ معظم وسائل الإعلام تطلق عليه ، لقب " بوتين أفريقيا
" ، فالرجل لم يخص بلاده فقط خلال كلمته ، بل تحدث باسم القارة الأفريقية
بالكامل ، وطالب قادة أفريقيا ، بأن يكونوا على قدر المسئولية بالنسبة لشعوبهم ،
وأكد أن الرجل الذى لا يناضل من أجل مستقبله ، غير جدير بالإشادة ، وطالب القادة
الأفارقة ، أن يتخلصوا من التبعية للغرب ، وأن يكثفوا جهودهم ، لتحقيق آمال وطموح
الشعوب الأفريقية .
بوتين
أفريقيا ، لقب لم يحصل عليه تراورى من فراغ ، فالرئيس الروسى نفسه ، خلال لقاءه به
، أكد أنه يرى نفسه في هذا الشاب ، ويرى طموحات القارة ، الأفريقية ، تتحقق على يد
مثل هؤلاء الشباب ، الطامح للتخلص من سيطرة الغرب الاستعمارية ، وتوفير الحياة
الآدمية المستقرة الآمنة لكل الشعوب الأفريقية ، فضلاً عن إعلان روسيا بأنها ستدعم
بوركينا فاسو ، وأى دولة أفريقية تبحث عن تحررها من الغرب الاستعمارى.
تراورى
الذى أصدر قرارات ، عقب نجاح الانقلاب ، تعكس أنه بالفعل الزعيم الملهم للقارة
السمراء ، حيث قرر طرد القوات الفرنسية من بوركينا وإغلاق السفارة الفرنسية ،
وأعلن أن روسيا هى الشريك الحقيقى في العلاقات مع بوركينا ، بل ووصل به الأمر إلى
أن طلب من الرئيس بوتين ، إنشاء محطة طاقة نووية لتوليد الكهرباء في بوركينا ، ورد
الرئيس الروسى بإعادة فتح السفارة البوركينية في روسيا ، لبداية عهد جديد مع
بوركينا.
أحلام تراورى للقارة الأفريقية
كشف
المراقبون ، أن شخصة إبراهيما تراورى ، تميل بشكل واضح وصريح ، إلى التخلص من الإمبريالية
الغربية ، وتكوين وطن أفريقى متماسك يواجه التوجهات الاستعمارية ويحقق لشعوب
القارة الأفريقية ، الحياة الآدمية ، واتضحت شخصية الرجل بصورة كبيرة ، عقب تلويح
فرنسا ومجموعة دول الإيكواس ، بتوجيه ضربة عسكرية ضد الانقلابيين في النيجر ، حيث
أعلن على الفور ، أن أى تدخل من أى قوة عسكرية ، داخل النيجر سيكون الرد جاهز من
الجيش البوركينى ، وشدد على أنهم لن يتركوا النيجر تواجه أى تدخل عسكرى وحدها.
وأكد
المراقبون ، أن المصادر المقربة من تراورى ، تؤكد أن الرجل يبحث عن اتحاد قوى بين
الدول الأفريقية ، يستطيع الدفاع عن نفسه ومواجهة أى خطر من دول الغرب ، ويحلم
بالوحدة الأفريقية في جميع المجالات ، ولاسيما في المجال الاقتصادى والعسكرى ، حيث
يحلم الرجل بعمل سوق أفريقية مشتركة ، يهدف إلى زيادة حجم التبادل التجارى
للسلع والمواد الخام بين الدول الأفريقية ، وتكثيف الجهود لتحقيق الاكتفاء الذاتى
، للشعوب الأفريقية ، خاصةً فيما يخص ملف الغذاء ، فضلاً عن تكاتف الدول الأفريقية
عسكرياً لدحر الإرهاب ، وتطهير القارة الأفريقية منه ، ولا تعتمد الدول على أى
تدخل غربى لانهاء هذا الملف ، لأن تراورى يرى ، أن تلك الدول لا يهمها القضاء على
الإرهاب بقدر ما يهمها المقابل من نهب وسرقة ثروات الشعوب الأفريقية.
ويرى
تراوى ، أن القارة الأفريقية ، قارة غنية بثرواتها الطبيعية والمعدنية ، مما
يجعلها عرضه لأطماع الغرب ، ويحلم بأن تستغل الدول الأفريقية تلك الثروات وتساعد
بعضها البعض لتنميتها وتنمية الجانب الصناعى ، لتحقيق طفرة تساهم في حل مشاكل
البطالة بالدول الأفريقية ، ويتطلع تراورى بصورة كبيرة إلى اهتمام الدول الأفريقية
بالزراعة ، لما لديها من مقومات زراعية ، طبيعية وبشرية ، تجعلها بالفعل تحقق
الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الغذائية ، ويجعلها قارة تعتمد على انتاجها ، ولا
تلتفت للغرب إطلاقاً في هذا الملف ، وقضايا أخرى عديدة يحلم تراورى بتحقيقها
بالقارة السمراء ، لتنميتها ووضعها في المكانة التى تليق بها ، وتجعلها قادرة على
التصدى لأطماع الغرب ، ولكن هل بالفعل يستطيع تراورى تحقيق تلك الأحلام ؟ أم
ستحاول المعوقات التى سيخلقها الغرب أن تعرقل مسيرته؟
من هو بوتين أفريقيا ؟
إبراهيم
تراوري ، أو بوتين أفريقيا كما يحب أن تلقبه بعض وسائل الإعلام ، ضابط برتبة نقيب ، ولد
خلال عام 1988 في بلدة بوندوكي بمحافظة موهوم، شمال غرب العاصمة واغادوغو لعائلة
مسلمة من قبائل ديولا.
انطلقت
مسيرة ترواري التعليمية من القرية الريفية بوندوكى ، حيث حصل على الشهادتين الابتدائية والإعدادية ، ثم
انتقل إلى مدينة بوبو ديولاسو ، والتى
تعتبر العاصمة الاقتصادية ببوركينا فاسو ،
وثاني أكبر مدينة بالبلاد بعد واجادوجو ،
وفيها تمكن خلال علام 2006 من الحصول على
شهادة الثانوية العامة ، شعبة العلوم
الطبيعية .
والتحق
تراورى بجامعة "جوزيف كي زيربو" في العاصمة البوركينية واجادوجو وحصل منها على البكالوريوس في
الجيولوجيا ، وفي عام 2010 التحق بالأكاديمية العسكرية "جورج نامونو"
وتخرج منها عام 2012 برتبة ملازم ثان ، وشارك في الانقلاب
العسكرى مع العقيد بول هنرى ، وأطاحوا بالرئيس المدنى المنتخب ، روك كابورى ، ومن
وقتها أصبح تراورى ، عضواً بارزاً في المجلس العسكرى للجيش البوركينى ، حتى قاد
الانقلاب في سبتمبر ، وأصبح على رأس السلطة