المملكة العربية السعودية ، ضربت كرسى في الكلوب ، وبعثرت كل الأوراق الأمريكية والإسرائيلية ، بعد تراجعها عن فكرة التطبيع مع الكيان الصهيونى ، في قرار جرئ ومفاجئ ، لقى ترحاباً واستحساناً ، من كل الشعوب العربية وعلى رأسها مواطنى المملكة نفسها ، ولكن ما هى الأسباب التى دفعت المملكة السعودية لاتخاذ هذا القرار المفاجئ ، بعد أن كانت كل الطرق تؤدى إلى التطبيع لا محالة ولاسيما عقب قمة العشرين في الهند
بن سلمان |
مسئولو
المملكة العربية السعودية ، فطنوا إلى عدة أمور تهدف لها كل من أمريكا وإسرائيل من
أجل التطبيع ، وتيقنوا أن الولايات المتحدة لا تبحث إلا عن مصلحة إسرائيل في هذا
الملف ، وأن خطوتها في التطبيع مع إسرائيل ، وهى قلب الأمة الإسلامية وحاضنة
للحرمين الشريفيين وبيت الله الحرام ، ستكون سقطة مدوية لن يغفرها لهم التاريخ ، فضلاً عن شعورهم بأن هناك عدم رضا لدى
المواطن السعودى ، لخطوة التطبيع مع الكيان الصهيونى.
وتأتى
القضية الفلسطينية على رأس الأسباب التى دفعت المملكة السعودية ، لإخبار الولايات
المتحدة ، بتوقف أى مفاوضات تخص التطبيع مع إسرائيل ، وإغلاق هذا الملف بشكل نهائى
، لاسيما بعدما تبين من تصريحات المسئولين بإسرائيل ، أنهم رافضين لأى حلول خاصة
بالاعتراف بالكيان الفلسطينى ، وتنفيذ بعض البنود الخاصة باتفاقية أوسلوا ، والتى
التزم بتنفيذها الجانب الفلسطينى واعترف بدولة إسرائيل ، بينما لم تعترف إسرائيل
حتى الآن بالدولة الفلسطينية ، ذات الكيان المستقل.
وكان اعتراف جبهة التحرير الفلسطينية ، من خلال
تلك الاتفاقية بدولة إسرائيل ، بمثابة طريق حجة اعتمد عليها الكيان الصهيونى
للتوسع أكثر في الأراضى الفلسطينية ، وزيادة المستوطنات بصورة تؤكد أن إسرائيل
تريد محو فلسطين نهائياً من على الخريطة ، حتى سيطرت إسرائيل على 78 % من الأراضى
الفلسطينية ، وتركت للفلسطينيين ، 23% فقط ، تزاحمهم عليها ، وتفرض قوانينها على
سكانها .
وهذا
ما عبر عنه بشكل واضح ، الأمير فيصل بن فرحان ، وزير الخارجية السعودي ، في تصريحات للتلفزيون الرسمي ، الذى أكد من خلالها ، أنه لا يوجد حل للصراع
الإسرائيلي الفلسطيني بدون دولة فلسطينية مستقلة
، مشدداً على أهمية إعادة حل الدولتين إلى الواجهة ، ولا يخفى على أحد أن تلك
رسالة واضحة من المملكة السعودية ، بأن حل
القضية الفلسطينية ، يعتبر شرط أساسى قبل أى تطبيع مع الكيان الصهيونى.
الولايات المتحدة والملف النووى
المسئولون
بالمملكة السعودية ، لمسوا بأنفسهم ، أن الرئيس الأمريكى بايدن ، يبحث من وراء
التطبيع مع إسرائيل عن مصلحته الخاصة ، حيث كان يعول على تلك الخطوة كدعاية
انتخابية قوية له ، تساعده خلال الانتخابات الرئاسية المزمع إجراءها ، في نوفمبر
من عام 2024 ، فضلاً عن أن الشروط التى
وضعتها السعودية قبل الموافقة على عملية التطبيع ، والمتمثلة في إنشاء مفعل نووى
سلمى ، وعمل اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة ، بجانب تسليح المملكة بنفس
نوعية الأسلحة التى تحصل عليها إسرائيل ، لم يتم البت فيها من الجانب الأمريكى ،
ولاحظ ولى العهد السعودى محمد بن سلمان ، أن الولايات المتحدة تماطل في هذا الملف ، وأن
بايدن كان يخطط لتوقيع اتفاقية إبراهام أولاً ، لإعلان التطبيع بين السعودية
وإسرائيل ، والشروع في بناء الخط التجارى الدولى المزمع إنشاءه ، وإن كان مستقبل
المشروع نفسه أصبح شديد الغموض بعد موقف السعودية الأخير من ملف التطبيع مع الكيان
الصهيونى .
ومن
أهم الأسباب التى دفعت المملكة السعودية ، للتراجع عن فكرة التطبيع مع إسرائيل ، بل وطبع
الخرائط التعليمية ، لا تتضمن دولة إسرائيل ، أنها تلقت معلومات مؤكدة ، بأن
الولايات المتحدة الأمريكية ، تخطط لتأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط ، حيث
رأت أن التطبيع مع إسرائيل ، سوف يعود بها للخلف خطوات في علاقتها مع إيران ، عقب
اتفاق تاريخى بين الدولتين ، والذى عقد بالصين ، بعد صراع دام 7 سنوات كاملة ،
والسعودية لا تريد أن تعود الأخطار التى كانت تتعرض لها المملكة عن طريق الحوثيون في
اليمن والموالين بصورة كبيرة لإيران ، فضلاً عن شعور السعودية ، بأن علاقاتها مع
مصر بدأت تتوتر بصورة كبيرة ، من جراء مباركتها لعدد من خطوات الولايات المتحدة
وإسرائيل ، التى يتضح أنها ضد مصر ومؤامرة عليها ، وهذا واضح من خلال استبعاد مصر من
مشروع الممر التجارى العالمى.
هذا
بجانب ، أن بعض خبراء السياسة في إسرائيل نفسها ، خرجت عنهم تصريحات نشرت في عدد
من وكالات الأنباء العالمية ، وبالتحديد في الأول من سبتمبر ، أكدوا من خلالها أنه
لولا مصر لكان من السهولة توجيه ضربات
عسكرية لدول الخليج ، مؤكدين أن الجيش المصرى هو الوحيد القادر على مواجهة أى
أخطار خارجية ضد منطقة الخليج.
رد الفعل الإسرائيلي واقتحام المسجد الأقصى
وبمجرد أن أعلنت المملكة العربية السعودية ، وقف أى مفاوضات خاصة بالتطبيع مع إسرائيل ، بدأت إسرائيل تحمل السلطة الفلسطينية المسئولية ، حول توقف تلك المفاوضات ، متهمين إياها بمغالاتها في الطلبات الخاصة بالقضية الفلسطينية ، حتى توافق السعودية على التطبيع ، وبدت حكومة إسرائيل وكأنها في نكبة حقيقية بعد القرار السعودى.
نيتنياهو |
فقد خرجت كل وسائل الإعلام الإسرائيلية ، المقروءة والمسموعة والمرئية ، لتعبر عن مدى قلها من وقف السعودية التطبيع مع دولتهم ، وأكدت أن قضية التطبيع بين إسرائيل والسعودية ، تعتبر الأهم في تاريخ إسرائيل ، وعلى رأس الملفات التى تبحث حكومة إسرائيل على انجازها قبل انقضاء العام الحالى 2023
وبدأت
الحكومة الإسرائيلية ، الرد على الجانب الفلسطينى المتهم الأول لديها بوقف
مفاوضاتها مع السعودية ، بأن سمحت لعشرات المستوطنين باقتحام المسجد الأقصى ، ودهسه بأحذيتهم ، بعد طرد كل
الفلسطينيين منه بالقوة والتعدى عليهم ، بدعوى أنهم يحتفلون بالعام اليهودى الجديد
، وكل ذلك تحت حماية واضحة من الشرطة الإسرائيلية ، التى واصلت مخططها بالتضييق
الكامل على دخول الفلسطينيين للمسجد الأقصى خلال الأيام الأخيرة ، وطرد أى فلسطينى
لم يتحققوا من هويته من داخل المسجد ، فضلا عن قيام الجيش الصهيونى ، بغارات جوية متلاحقة شرق قطاع غزة ، بدعوى
ملاحقة عناصر من المقاومة ، واعتقال 4 فلسطينيين من بينهم طفل لا يتعدى عمره الـ
12 عاماً ، من مخيم العروب بشمال محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية ، بعد شن حملات
مداهمة وتفتيش لمنازل الفلسطينيين بالمنطقة
وقامت
قوات الاحتلال أيضاً ، باقتحام بلدة عناتا بالقدس المحتلة ، وإطلاق قنابل مسيلة
للدموع على عدد كبير من الطلاب مما أسفر عنه إصابة العشرات منهم باختناقات ، وذلك بدعوى
تفريقهم ، مع أنهم حسب بيان وزارة التعليم الفلسطينية ، كانوا مسالمين ومتواجدين
بالقرب من مدارسهم ، ولا يقوموا بأى تظاهرات من أى نوع ، مما اضطر معه الطلاب لمغادرة الفصول الدراسية بفعل كثافة الغاز
المُستخدم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ويتوقع
المراقبون ، أن ترفع إسرائيل من وتيرة تشديد الخناق على الفلسطينيين أكثر وأكثر
خلال الفترة المقبلة ، لاسيما بعد اصرارها
على اغلاق معبر بيت حانون ، شمال قطاع غزة ، بسبب التظاهرات ، والتأكيد على عدم
فتحه إلا بعد هدوء تلك الاحتجاجات التى اندلعت بالقطاع تندد بأفعالهم .