google-site-verification: google954c7d63ad8cb616.html
عيون الخريف عيون الخريف
recent

أخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

دموع على كتاب التاريخ



دموع على كتاب التاريخ



بقلم - محمد مقلد



الدنيا تغيرت أحوالها ، وكل ورقة نتيجه ننزعها للإعلان عن انتهاء يوم واستقبال يوماً جديداً ، تصيبنا بالخوف والرعب مما سيحمله لنا هذا اليوم من مفاجآت ، تعودنا فى الحقبة الزمنية الأخيرة ، ألا تكون أحسن حالاً مما مضى ، بأحداث غريبة علينا لم نعهدها ونتعود عليها سابقاً ، وأصبحنا جميعاً نترحم على أيام زمان وناس زمان وعادات زمان وأخلاق زمان ، ونقول للزمان أرجع يا زمان.

 

وكل انساناً منا يحاول أن يهرب من الضغوط والصراعات وتعقيدات الحياة المركبة ، ليختلى بنفسه ، فى استراحة محارب ليهدأ من روعه ، ويلتقط أنفاسه قليلاً قبل العودة لاستئناف دوره فى ماراثون الحياه ومشقة إيجاد لنفسه مكاناً وسط هذا السباق الرهيب ، سيكتشف أنه كان داخل حلبة صراع ، يحكمها قوانين صارمة وطباع وعادات بشرية تغيرت بتغير الأخلاق والسلوك العام .

 

ورغماً عنه سيقوم برحلة داخل عقله ، ليجد أمامه كتاب التاريخ الخاص به ، ليطوى صفحاته ، حتى يصل إلى الفصل الأول ويسلط عيناه على سطوره وما تحمله من أحداث ، تحول علامات الحزن والضيق التى سيطرت على تجاعيد وجهه ، لابتسامة خفيفة تحمل له للحظات وبشكل مؤقت ، التفاؤل والأمل وراحة البال والطمأنينة والشعور بالأمان.

فها هى أيام الطفولة تطل برأسها ، لتعود به إلى ذكريات اللعب مع الأطفال فى الشوارع بعيداً عن أى قلق ، فأطفال أى بيت هم أطفال المنطقة بالكامل ، فلا خوفاً عليهم من أى سوء مما نسمع عنه هذه الأيام ، فكل العيون تراقبهم وتحافظ عليهم .

 

وطوى صاحبنا عدة صفحات ليسمع صوت مطربنا الراحل محمد عبد المطلب " رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه أهلاً رمضان " فالمساجد أصبحت مكتظة بالمصليين ، والبهجة والفرحة فى كل بيت ، وتزينت الشوارع بالفوانيس ، وأفران الكنافة الطينية احتلت النواصى بفراشتها المميزة ، وأبواب كل البيوت مفتوحة على مصرعيها ، تعجز عن تمييز مالك  أى بيتاً منهم ، فكلهم أخوة أحباء مترابطين فى نسيج واحد ، ومع تلاوة قرآن ما قبل المغرب ، تخرج الأطباق من كل بيت ، تحتوى على ما لذ وطاب ، لتتبادل الأسر والعائلات الطعام فيما بينهم ، فى مشهد مهيب يشعرنا بمدى ما كان يغرسه هذا الشهر الكريم فى قلوب المسلمين من تآخى وترابط ومودة.

وتهل علينا كوكب الشرق أم كلثوم من بين صفحات كتاب تاريخ صاحبنا ، لتعلن عن حلول العيد بأنشودتها الشهيرة " يا ليلة العيد أنستينا وجددتى الأمل فينا " ويا له من عيد ، يميزه تبادل الزيارات بين الجيران والأقارب ، وتشعر وكأن البيوت يدور فى فلكها قناديل تضئ الدنيا كلها ابتهاجاً ، فى أيام صلة الرحم كانت هى المحرك الرئيسى للمجتمع بالكامل ، وحب الجار لجاره شعار يتمسك به الجميع.

 

وقبل أن يطوى صاحبنا ، عدة صفحات من كتابه ، توقف فجأة ولفت انتباهه ، أنه مع كل خميس من كل أسبوع كانت الزغاريد تملأ معظم الشوارع ، وأفراح الزفاف وعقد القران تسيطر على معظم المدن والقرى ، قبل أن تدخل تلك المناسبة ،  فى أيامنا هذه فى حسبة برمة وتعقيدات مالية وعادات مستجدة وغريبة علينا ، لتصبح حلم يحتاج إلى سوبر مان ليتحول إلى حقيقة.

 

وعندما توقف صاحبنا ، أمام فصل العادات والتقاليد والسلوك الإنساني ، الأخلاقي والديني ، ارتسمت على وجهه علامات الغضب والنقمة ، وبدت المقارنات ما بين ما تضمنه كتاب تاريخه ، وما طرأ عليها من تحولات ، ساهم فيها حب الأنا والمصلحة الخاصة ، ورفع شعار نفسى نفسى ، فانتشرت النميمة والكذب والتضليل ، والضرب من تحت الحزام ، والنفاق والرياء ، والوقيعة بين الناس ، وتحقيق المصلحة بالصعود على أكتاف الآخرين ، وانتشرت المساجد وانخفض عدد المصلين ، والسواد الأعظم أصبح يواظب على فرائض الإسلام شكلاً فقط ، بأفعال تخالف عادات وتقاليد التدين الصحيح ، وتناسوا أن الدين معاملة وأفعال ، والله تعالى يأخذ بما فى الجوهر ، بعيداً عن الشكليات التى يحاول البعض فرضها على نظرة الآخرين لهم ، فيما يخص عقيدتهم .

 

وبينما يستأنف صاحبنا ، تقليب صفحات كتابه ، مر أمامه شريط من العناوين العريضة ، " الدول العربية تستنكر اقتحام المسجد الأقصى بالأحذية " ، " الدول العربية ترفض التوسع فى الاستيطان بالضفة الغربية " ، " الدول العربية تدين وحشية العدو الصهيونى وسقوط عدد من الشهداء فى غارة جوية بقطاع غزة " ، " التطبيع مع الكيان الصهيونى خيانة عظمى للإسلام والعرب "

وبدا كل عنوناً منها يختفى رويداً رويداً ، داخل عقله ليحل محلها عناوين أخرى ، فرضها عصرنا الذى نعيش فيه حالياً ، " المغرب والإمارات والبحرين يعقدون اتفاقية إبراهام للتطبيع مع إسرائيل " ، " الكشف عن اللقاء السرى بين وزيرة خارجية ليبيا ونظيرها فى إسرائيل استعداداً للتطبيع " ، " توقيع مذكرة التفاهم لمشروع الطريق الدولى ، ما بين أمريكا وإسرائيل و السعودية والإمارات والهند ، نقطة انطلاقه ستكون من موانئ إسرائيل "

 

ومع هذا الصراع الرهيب ، داخل عقل صاحبنا ، وهو يقارن ، بين ما كان وما وصلنا إليه ، تسللت أصوات أنين دموعه ، وهى تتساقط دمعه تلاحق الأخرى ، لتلامس صفحات كتابه ، لتعلن عن حزنها ، لما آلت إليه كل عادتنا وتقاليدنا وتديننا ، وأخلاقنا ، و أحوالنا كمسلمين وعرب ، فمد يديه ومسح المياه الحارقة من بين السطور ، وطوى كتابه وأخذ يعد نفسه لمشقة العودة لماراثون الحياة الذى لا يرحم .

 

 

 

 

 

 

 

x

عن الكاتب

عيون الخريف

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عيون الخريف