الملف الفلسطينى يعرقل الاتفاق وأمريكا تكثف ضغوطها
قضية
التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل قضية بالفعل شائكة ومعقدة ، رغم وجود دول
عربية تطبع مع الكيان الصهيونى بشكل علنى ، وعلى رأسها بالطبع الدول التى وقعت على
اتفاقية إبراهام وهى المغرب والبحرين والإمارات العربية المتحدة ، ولكن الولايات
المتحدة الأمريكية تسعى بكل الطرق على تقريب وجهات النظر بين كلا من السعودية
وإسرائيل ، حتى تنضم السعودية لاتفاقية إبراهام والتى تقضى بالتطبيع مع الكيان
الصهيونى ، لما تمثله السعودية من أهمية كبرى لها تأثيرها القووى بمنطقة الشرق الأوسط .
المصالح الأمريكية والتطبيع السعودى الإسرائيلى
يرى
الرئيس الأمريكى بايدن ، أن نجاح مساعى الادارة الأمريكية ، في عقد اتفاق تاريخى
للتطبيع ما بين إسرائيل والسعودية ، سيكون بمثابة ضربة قوية لكل معارضى الرئيس
الأمريكى في الداخل والخارج ، وستكون تلك الاتفاقية أفضل دعاية انتخابية له في
انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة فى نوفمبر من العام المقبل ، لذلك تكثف الادارة الأمريكية
من جهودها ، لعقد تلك الاتفاقية ، والاعلان عنها بشكل رسمى ، بعدما أصبحت هى الحل
الوحيد أمام بايدن لتحسين صورته أمام شعبه والمسئولين الأمريكان ، بعد أن خسر العديد
من القضايا الخارجية ، التى وضعته في مأزق حقيقى.
يأتى
على رأس الخسائر الخارجية ، التى تعرض لها الرئيس بايدن ، ما حدث في دول الساحل
بالغرب الأفريقى ، وخروج الدولة وراء الأخرى من تحت السيطرة الأمريكية وحليفتها
فرنسا ، عقب عدة انقلابات عسكرية ، أعلنت رفضها للتواجد الفرنسى الأمريكى ، وعقدت تلك الدول بعد الخروج من العباءة الفرنسية الأمريكية ، اتفاقيات مع الجانب الروسى والصينى ، هذا بجانب الضربة القوية التى تعرض لها بايدن
منذ أيام قليلة ، بعد تسريب لقاء وزيرى الخارجية في إسرائيل وليبيا والذى عقد في
العاصمة الإيطالية روما ، حيث كان بايدن يأمل في نجاح مخططه وعقد اتفاقية تطبيع
بين ليبيا وإسرائيل تحسن من صورته أمام شعبه ، وهذا ما يفسر ردة فعله تجاه الحكومة الإسرائيلية وتوجيه لوم
شديد لها بسبب تسريب اللقاء ، واتهامها بفشل مخطط عقد اتفاقية تطبيع بين إسرائيل
وليبيا.
ونفس
الحال في سوريا ، حيث كان يطمح بايدن ، في اعادة الهيمنة الأمريكية ، على منطقة
العراق وسوريا ، بعد أن تسبب ترامب بضياعها ، وتقديمها على طبق من ذهب للدب الروسى
خلال عام 2014 ، مع انطلاق عمليات مكافحة الإرهاب في الدولتين ، وسحب ترامب معظم
القوات الأمريكية في العراق وسوريا ، وترك المجال للقوات الروسية ومجموعة فاغنر ،
لتكون لها السيادة الأكبر بالمنطقة ، ولاسيما في سورية ، ومن هذا المنطلق بدأت
القوات الأمريكية ، تحاول خلال الأيام الأخيرة ، إعادة انتشارها مرة أخرى وبأعداد
جنود أكبر في دولة العراق.
ومن
هنا ترى إدارة بايدن ، أن اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل
، يعتبر بمثابة جواز مرور لبايدن في الانتخابات الرئاسية ، لذلك ينتظر
الرئيس بايدن عقد قمة دول العشرين ، خلال الساعات القليلة القادمة للقاء محمد بن
سلمان ولى العهد السعودى ، لبحث السبل التى تؤدى لنجاح عملية عقد اتفاق التطبيع
بين إسرائيل والسعودية ، بجانب إثناء السعودية عن عقد اتفاق انشاء المحطة النووية
مع الشركة الصينية ، والموافقة على العرض الأمريكي ، وربما تصل الأمور بموافقة
بايدن على كل شروط السعودية من أجل عقد اتفاقية التطبيع ، عدا الشروط الخاصة
بالقضية الفلسطينية ، والتى أعلن عنها خلال القمة العربية في بيروت من عام 2022.
الشروط السعودية للتطبيع والملف الفلسطينى
الشروط
الخاصة ، التى وضعتها المملكة العربية السعودية ، للموافقة على الطلب الأمريكى ،
بالانضمام لمجموعة إبراهام والتطبيع مع إسرائيل ، والتى كانت بمثابة شروط صعبة على
كل من أمريكا وإسرائيل ، ولاسيما فيما يخص الملف النووى ، تحولت لشروط الموافقة
عليها أمر مطروح ، لاسيما عقب تعمد السعودية ، الزج بالقضية الفلسطينية ضمن شروطها
، وخاصةً القرارات الصادرة عن القمة العربية ببيروت والتى عقدت عام 2022 ، ووافقت
عليها كل الدول العربية ، إلا أن إسرائيل ترفض تنفيذها حتى الآن.
فقد
انتهت تلك القمة ، إلى ضرورة ، الإعلان عن هيئة دولية ، تتكون من عدة أطراف ، المنوط بها رعاية عملية المفاوضات من أجل تحقيق
السلام ما بين إسرائيل وفلسطين ، هيئة تعتمد على قوانين الحقوق الدولية ، ووقف
عمليات الاستيطان الإسرائيلي في أراضى الضفة الغربية ، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي
للأراضي الفلسطينية ، وإعلان دولة فلسطين المستقلة ، وفقاً لحدود 4 يونية 1967
وتكون عاصمتها القدس الشرقية
كما
طالبت تلك القمة العربية ، بضرورة حصول
دولة فلسطين عقب استقلالها ، على العضوية
الكاملة في الأمم المتحدة ، ودعوة الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى قبول هذه
العضوية ، فضلاً عن دعوة الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى الاعتراف بها ، وتبني
ودعم حق دولة الفلسطينية في أن تباشر حقوقها كاملة كدولة لها سيادة خاصة بها .
ولكن
المسئولين في المملكة السعودية ، عندما وضعوا هذا الشرط ، يعلمون علم اليقين بأن
الحكومة الإسرائيلية من المستحيل أن توافق عليه مهما كانت الضغوط ، حتى ولو لم
تنجح جهود التطبيع مع السعودية ، والسؤال الذى يطرح نفسه ، هل السعودية بالفعل تضع
شروطاً تعجيزية للهروب من عملية التطبيع مع إسرائيل ؟ أم أنها وضعت الشرط حتى يكون الطريق سهل للموافقة على الشروط الأخرى
، التى تحقق للمملكة كل ما تصبوا أليه ، وبالتالى توافق على التطبيع مع إسرائيل
وتضيع القضية الفلسطينية بلا رجعة .
والدليل على ذلك ، أن المملكة السعودية ، طالبت
السلطة الفلسطينية ، بوضع الشروط الخاصة بها ، حتى توافق السعودية على التطبيع مع
إسرائيل ، وهذا إن دل على شئ يدل على أن شرط تنفيذ ما ورد في قمة بيروت ، تحول
لشرط مرن ممكن التغاضي عنه مع تقدم المفاوضات
، وجاءت المطالب الفلسطينية ، لتتلخص في منح السلطة الفلسطينية السيطرة على
أجزاء أكبر في الضفة الغربية ، مع منحها ما يقارب الـ 400 مليون دولار ، لإعمار
المناطق التى تحتاج لبنية أساسية .
حيث
كشفت تقارير صحفية ، أن وفدا فلسطينياً ، ضم حسين الشيخ ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية ، وماجد فرج ، رئيس جهاز المخابرات ، ومجدى الخالدى ، مستشار الرئيس
الفسطينى للشؤون الدبلوماسية ، التقى بباربرا ليف ، مساعدة وزير الخارجية الأميركي
لشؤون الشرق الأوسط ، في العاصمة الأردنية عمان ، وفوجئ الوفد بطلب المسئولة
الأمريكية لهم ، بأن الرئيس بايدن يشدد على عدم وضع الوفد الفلسطينى ، أى شروط تعجيزية ، من شأنها
تعطيل عقد اتفاقية التطبيع ما بين السعودية وإسرائيل.
ورأت
المسئولة الأمريكية ، أن شروط الوفد الفلسطيني تعجيزية من وجهة نظرها ، حيث طالب
الوفد ، بإلغاء القرار الصادر باعتبار منظمة تحرير فلسطين منظمة إرهابية ، وإعادة
فتح مكتب الممثلية الفلسطينية في الولايات المتحدة ، مع اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كدولة
مستقلة لها كيان سياسى خاص بها ، مع فتح القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية.
خلاصة
كل ما سبق ، أن المفاوضات الخاصة بالتطبيع ما بين السعودية والولايات المتحدة
لتطبيع المملكة مع إسرائيل ، مفاوضات معقدة ومتشابكة ، ويغلفها غموض واضح حول
مستقبلها ، ولكن إلى أى مدى ستصل تلك المفاوضات ، وما هى الشروط التى ستقبلها كل
الأطراف في حال نجاح المفاوضات ، كلها أمور تزيح عنها الستار الأيام القليلة
القادمة .