منطقة الحرب تنحصر بين سوريا وشرق أوروبا
محمد مقلد
الحرب العالمية الثالثة ، عبارة أزعجت شعوب العالم ، حتى تحولت لكابوس مزعج
، يهدد استقرار وأمن جميع الشعوب ، ولكن هل بالفعل العالم على شفا حرب عالمية
جديدة على غرار الحربين السابقتين ؟ أم أنها مجرد تكهنات من الصعب أن تتحقق على
أرض الواقع .
يرى معظم المراقبين والمحللين ، أن الحرب العالمية الثالثة ، قادمة لا
محالة فى ظل صراعات الدول الكبرى ، فى عدة مناطق مختلفة ، تشهد مواجهات مسلحة ،
وتكالب تلك الدول للحصول على أكبر استفادة سواء سياسية أو عسكرية أو اقتصادية من
هذه المناطق المشتعلة ، ومن الطبيعى أن تتعارض المصالح بين هذه الدول ،
ويتصاعد الصراع بينهم ، حتى نصل إلى نقطة الصفر ، التى تعطى الإشارة للحرب العالمية الثالثة.
الحرب العالمية الثالثة , قادمة لا محالة ، والأمر لا يتعدى مسألة الوقت فقط ، ولكن أين
ومتى ، لا يستطيع أحد التكهن بذلك ، ولكن من المؤكد أن تلك الحرب ، إذا انطلقت
رحاها ، فسوف تختلف بشكل كامل عن الحربين السابقتين ، من حيث القوتين وأسماء الدول
المتحالفة مع كل قوة ، أو من حيث نوعية الأسلحة المتوقع استخدامها فى هذه الحرب ،
والتى ستكون بالطبع أكثر تقدماً وفتكاً من الأسلحة التى تم استخدامها من قبل ،
أسلحة لن يتضرر منها فقط الأطراف المتصارعة بالمعركة ، ولكن للأسف سيتضرر منها معظم
سكان الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها ، لاسيما وأن الحرب من الممكن أن تدفع أى
طرف لاستخدام الأسلحة الكيمائية والبيولوجية.
أطراف الحرب العالمية الثالثة وصراع شرق أوروبا
ربما يكون أطراف القوتين ، المحتمل أن يدخلا فى تلك الحرب ، معروفاً لدى
معظم المتابعين للحركة السياسية العالمية ، وكل دولة معروف فى أى جهة سوف تحارب ،
ففريق سيقوده روسيا لا محالة ، والفريق الآخر سيكون بقيادة الولايات المتحدة
الأمريكية ، ولكن السؤال الذى يطرحه جميع المراقبين ، والإجابة عليه تتغير دائماً
بفعل تغيرات الصراع السياسى بين الدول العظمى ، من وقت لآخر ، فمناطق الصراع
متجددة يوماً تلو الآخر ، والتكهنات أصبحت صعبة بمكان انطلاق الشرارة الأولى للحرب
العالمية الثالثة ، بالنظر إلى تواجد هذا الصراع فى مناطق مختلفة ، من شرق أوروبا
وأفريقيا السمراء وسوريا ، وربما يطرأ أى جديد فى ظل الأحداث
المتعاقبة بسرعة كبيرة ، وتندلع شرارة تلك الحرب ، من منطقة جديدة خالية من الصراع
حتى الآن
معظم المحللين والمراقبين ، توقعوا مع بداية الزحف الروسى داخل أوكرانيا
بشرق أوربا ، بأن هناك احتمالية كبيرة ، أن تجرنا الحرب الروسية على أوكرانيا ،
لحرب عالمية ثالثة ، وذلك بالنظر على الأحداث والقرارات التى أحاطت بتلك الحرب فى
بدايتها ، بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على روسيا ، وتقديم المساعدات العسكرية
والاقتصادية للجانب الأوكرانى ، بصورة علنية من الولايات المتحدة وحلفائها بحلف
الناتو ، رغم أن أوكرانيا لم تنضم رسمياً لهذا الحلف ، وبمرور الأيام تلاشت
التكهنات بأن أوكرانيا ستكون شرارة الحرب العالمية الثالثة ، ، بسبب شعور الولايات المتحدة بأن روسيا ربما لا
تحقق أهدافها فى أوكرانيا ، بجانب التهديدات من الصين وكوريا الشمالية من أى تدخل
عسكرى ضد روسيا من أمريكا وحلفائها.
وبدأت التكهنات ، بأن شرارة الحرب العالمية الثالثة ، ربما تنطلق من بولندا
ولاسيما بمنطقة الحدود بينها وبين أوكرانيا ولاتفيا ، لأنه من الواضح أن الأوضاع على الحدود البولندية ، ستزداد تصاعداً
خلال الفترة القليلة المقبلة ، فى ظل
التعزيزات العسكرية التى أرسلتها بولندا لتأمين حدودها مع بيلاروسيا ، وتهديد
الحكومة البولندية بإغلاق كامل لحدودها هى ودولة لتوانيا مع بيلاروسيا ، وهو الأمر
الذى أغضب الرئيس الروسى بوتين ، والذى أعلن خلال لقاءه بمجلس الأمن القومى الروسى
، بأن أى اعتداء على بلاروسيا من جانب القوات البولندية ، ستعتبره روسيا اعتداء عليها
، وسيكون الرد رادع.
واتهم بوتين
بولندا بأن لها أطماع معروفة فى بيلاروسيا ، وهى أطماع معروفة للجميع عقب حل دول الاتحاد
السوفيتى ، وعلى الفور بدأت تتحرك
الولايات المتحدة الأمريكية ، وبدأت تهتم بتسليح بولندا للاستعداد لأى ظرف طارئ
خلال الفترة المقبلة ، ومنحتها ثلاث طائرات من طراز " أف – 35 " وألف دبابة حديثة بعضها جاء من كوريا الجنوبية ،
وخرجت تصريحات على لسان وزير الدفاع الألماني ، لإعلان رفضه لتلك التهديدات ، التي
توجهها روسيا لدولة تابعة لحلف الناتو والاتحاد الأوربي ، مؤكداً أن بلاده مع حلف
الناتو سوف يقدمون كل الدعم لبولندا فى حال تعرضها لأى خطر، ولكن كل هذه التطورات
لا تؤكد أو تنفى بأن شرارة الحرب العالمية الثالثة سوف تنطلق من بولندا ، وإن كانت
التوقعات بالنسبة الأكبر، بأن الحرب العالمية الثالثة فى حال اندلاعها سوف تكون
شرارتها من شرق أوروبا
منطقة الشرق الأوسط وصراع بسط النفوذ
لا يخفى على أحد أن صراع الدول الكبرى ، ولاسيما أمريكا
وروسيا ، فى منطقة الشرق الأوسط ، لا يقل خطورة عن الصراع فى شرق أوروبا ، لذلك
دخلت منطقة الشرق الأوسط ، ولاسيما بسوريا والعراق ، باب التكهنات أن شرارة الحرب
العالمية الثالثة ربما تنطلق منها ، وهو أمر خطير على الدول العربية بالمنطقة إذا
تحقق على أرض الواقع ، ووقتها ستدفع منطقة الشرق الأوسط بالكامل ، الثمن باهظاً.
فإذا كانت
الولايات المتحدة الأمريكية ، تسيطر بشكل واضح على ثروات العراق النفطية عقب
الغزو الأمريكى للعراق خلال عام 2003 ، واستغلالها لتلك الفترة لنهب ثروات العراق
، وإنشاء قواعد عسكرية تخدم مصالحها السياسية فى المنطقة ، فإن روسيا هى الأخرى استغلت نفوذها بالمنطقة
بداية من عام 2014 مع انطلاق حملات القضاء على الإرهاب ، وعقدت عدة اتفاقيات اقتصادية
مع الحكومة العراقية خاصة بالنفط ، حتى أصبح الصراع الأمريكى الروسى واضح فى
العراق، مع وجود تدخلات غير معلنة فى العراق من الجانب الأيرانى
الصراع فى سوريا ما بين الولايات المتحدة وروسيا ومعهم
تركيا ، على أشده وتعتبر المنطقة الأكثر اشتعالاً فى الشرق الأوسط بالكامل ، حتى
ذهبت التكهنات ، بأنه إذا اندلعت شرارة الحرب العالمية الثالثة من الشرق الأوسط ،
ستنطلق من أرض سوريا ، سوريا التى تعتبر الحليف الأكبر لروسيا بمنطقة الشرق ،
وتمثل أهمية جغرافية واستراتيجية هامة للدب الروسى ، الذى هيمن بشكل واضح عليها ،
فى أعقاب انسحاب عدد كبير من القوات الأمريكية من سورية خلال فترة القضاء على
الإرهاب ، وبدت التوترات بين روسيا وأمريكا تتصاعد فى أكثر من منطقة بسوريا ،
واتهامات متبادلة بأن كل دولة تتحرش بالأخرى ولاسيما فى المجال الجوى السورى .
وزادت التوترات بين أمريكا وروسيا خلال يوليو الماضي ،
عقب تعرض طائرتين أمريكيتين ، لأضرار
بالغة أثناء تحليقهما فى الأجواء السورية ، من جراء بعض المشاعل الليلية التى
أطلقتها طائرة روسية ، حتى كادت أن تصل الأمور بين الطرفين لحد التشابك المباشر ، خاصةً بعد إتلاف مروحة إحدى الطائرتين وكادت أن تتحطم ،
ونفس الأمر وقع من الجانب الروسى تجاه طائرة أمريكية فى مايو الماضى ، مما ألحق بالطائرة ضراراً
كبيراً بأحد أجنحتها ، وعلى ما يبدو أن المجال الجوى السورى سيشهد الكثير من
المناوشات بين الجانبين ، لاسيما وأن هناك 7 وقائع سابقة للمناوشات الجوية ، وربما تتفاقم مع الوقت ويحدث ما لا يحمد عقباه
وتنطلق الحرب العالمية الثالثة من الأجواء السورية .
الصراع بشرق أفريقيا والتوجه الروسى يستبعد اليمن
من مناطق الصراعات المشتعلة بين الدول العظمى ، والتى
ربما تشهد انطلاق شرارة الحرب العالمية الثالثة ، وإن كانت نسبة ذلك ضئيلة للغاية
، ولكنه أمر مطروح ومتوقع ، لاسيما بعد أن بدأ الدور الأمريكى والفرنسى يتقلص بشكل
كبير وواضح بدول الساحل التى سيطرت عليها فرنسا ، لعقود طويلة ، نهبت خلالها
ثرواتها من معادن ونفط وذهب وخلافه ، وشاركها فى هذه الثروات الاقتصادية الولايات
المتحدة الأمريكية ، التى لها مصالح اقتصادية وعسكرية بالمنطقة ، وكانت روسيا
بعيدة عن الساحل الأفريقى بشكل كبير ، حتى اندلعت الانقلابات بدول شرق أفريقيا ، الانقلاب تلو الآخر
وجاءت نتائج تلك الانقلابات لتقلص الدور الفرنسى
والأمريكى ، وتصب فى مصلحة روسيا التى
سيطرت علي تلك الدول ولاسيما مالى وبوركينا فاسو وأخيراً النيجر ، والفضل فى هذا
التحول لصالح روسيا بمنطقة الساحل الأفريقى ، يعود فى المقام الأول لمجموعة فاغنر،
وكادت فرنسا أن تحول النيجر بالفعل لمنطقة الشرارة الأولى للحرب
العالمية الثالثة ، بعدما طلبت من الجزائر فتح مجالها الجوى ، لتيسير طائرات فرنسية لتأديب الانقلابيين فى النيجر، وهو أمر كانت سترد عليه روسيا بكل حزم فى ظل وعودها
لقيادة الانقلاب بالنيجر ، ولكن الجزائر أنقذت الموقف برفضها الطلب الفرنسى ، وأسرعت الولايات المتحدة لتهدئة فرنسا ، وإجبارها
على الخروج لوسائل الإعلام والوكالات العالمية لنفى تلك الأخبار.
ومن المعروف أن الأحداث بدأت تزداد اشتعالاً بالمنطقة ولاسيما
عقب انقلاب النيجر ، وطرد الانقلابيون فرنسا من أرضها ، والمطالبة بترحيل كافة
رعاياها ، ووصلت الأمور ، لصدور قرار بمنع تصدير اليورانيوم والذهب لفرنسا ، والتى
تعتمد بصورة كبيرة على اليورانيوم النيجرى فى مشاريعها بالطاقة النووية وتوليد
الكهرباء ، وأصبح خط الغاز المزمع مده من نيجيريا عبر النيجر إلى دول الاتحاد
الأوربى مهدد ، فى ظل التواجد الروسى ، لاسيما وأن الخط يتم تجهيزه ليكون بديلاً
للغاز الروسى والذى توقف ضخه لدول الاتحاد الأوروبى ، فى أعقاب الغزو الروسى
لأوكرانيا
أما التوقع بأن تندلع شرارة الحرب العالمية من منطقة
الصراعات فى اليمن ، فهو أمر مستبعد تماماً ، فى ظل نظرة الدب الروسى لليمن ، حيث
ترى روسيا ، أن اليمن لا تحقق لها أى مصالح سياسية أو اقتصادية ، وكشفت روسيا عن
موقفها من اليمن بصورة واضحة ، عندما اكتفت بالمشاركة في أعمال مجموعة أصدقاء
اليمن ومجموعة سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية بشأن اليمن ، وفي عام
2018 ، كشف السفير الروسى فى اليمن عن نظرة الروس لها ، عندما صرح فى وكالة "
تاسا " الروسية ، بأن روسيا لن تتدخل لحل الأزمة في اليمن ، كما حدث فى عملية " أستانا " التي قامت بها في سوريا
وكشف خلال
اللقاء ، أن اليمن يختلف عن سوريا ، فمصالح أطراف الصراع
تختلف في الحالتين، وكذلك مصالح وأهداف القوى الخارجية ، كما ترى روسيا أن أطراف
الصراع فى اليمن عديدة ومتشابكة ، والتوصل لحل لإنهاء النزاع باليمن والعودة
للهدوء والاستقرار ، أمر مستبعد ، ومن هنا أصبحت اليمن بعيدة عن الصراع الدولى بين
روسيا وأمريكا ، ومن الصعب أن يتوقع لها أن تكون منطقة الشرارة الأولى للحرب
العالمية الثالثة ، إلا إذا جد جديد مستقبلاً ، وتغيرت النظرة الروسية لليمن .